صلاح بدرالدين
قل مانشاهد وبشكل يكاد يكون يوميا ومنذ أعوام على صفحات التواصل الاجتماعي ، مقالات ، او بوستات ، او إشارات ، من النخب الكردية السورية ، يتساءل أصحابها بمرارة ، وبنوع من المراجعة النقدية عن أمرين متلازمين ، مآلات الثورة الثورية ( التي خيبت الامال ) حسب قول غالبيتهم ، والندم على الانخراط فيها او دعمها ، وحتى التشكيك في كونها ثورة ، والامر الثاني اظهار الخيبة المضاعفة حول من بالغ في تقديم الوعود – السخية – عن ان ( كردستان روزآفا قادمة وماهي الا مسالة وقت ) بحسب ماينشره الكثيرون صراحة او بشكل غير مباشر خوفا من عيون الرقيب في مناطق نفوذ سلطة الامر الواقع .
هذان الجانبان ( الوطني والقومي ) ، او الموضوعان الاهم في الحياة السياسية السورية واللذان لم يعطيا حقهما في المراجعة العميقة الشاملة حتى الان ، يستحقان البحث والتمحيص ، والمناقشات المستفيضة حولهما ، وفي العجالة التالية ساحاول التعبير عن وجهة نظري بشانهما .
الجانب الوطني
كما أرى وحسب رؤيتي ، ومواكبتي الاحداث ، وبما يتعلق الامر بالثورة السورية المندلعة في آذار ٢٠١١ ، فقد كانت جزء من موجات ثورات الربيع ” العفوية ” بالمنطقة التي قامت واجمعت على جملة من الأهداف المتشابهة ، والمتعلقة بخصوصيات كل بلد : اسقاط الاستبداد ، واستعادة الحرية ، والكرامة ، واجراء التغيير الديموقراطي ، وحل كل القضايا الداخلية وفي المقدمة القضية الكردية ، حيث تم التأكيد على ذلك في العديد من الوثاٍئق المنشورة وذلك بمايتعلق الامر بالتجربة السورية .
ماجرى بسوريا كانت حقا انتفاضة شعبية ، وطنية ، ديموقراطية ، ضد الظلم والاضطهاد بمشاركة الجيل الناشئ الباحث عن حياة افضل ، شكلت التنسيقيات الشبابية عمودها الفقري ، واكتملت شروط تحولها الى ثورة دفاعية مقاومة بعد التحاق تشكيلات من الجيش ( الحر ) بصفوف الشعب ، ولكن ذلك لم يدم طويلا ، فبعد تعافي المجموعات الحزبية التقليدية من هول الصدمة ، لانها تفاجأت حيث لم تكن تتصور ذلك ، ومالبثت وخاصة جماعات الإسلام السياسي وذراعها الأكثر تماسكا – حركة الاخوان المسلمين السورية – ان استثمرت الظرف الموضوعي المؤاتي بدعم تركيا وقطر والسعودية ، لتقوم بالالتفاف ، واستيعاب الفاعلين الأوائل الذين افتقروا الى الدعم ، والتجربة السياسية ، وتحرف الثورة والمعارضة عن أهدافها الحقيقية ، والارتداد عبر العمل من اجل – اسلمة الثورة واخونتها – بالتناغم مع الداعمين الأساسيين من النظام الإقليمي والعربي الرسمي ، وبذلك تم اجهاض الثورة منذ العام الثاني لها أي بعام ٢٠١٢ ، وقد حصلت أمور مشابهة في اكثر من بلد من بلدان ثورات الربيع مثل تونس ومصر وليبيا واليمن .
هناك من تنبه للمخط التصفوي هذا مبكرا ، وحذر منه ، ودعا الى عقد مؤتمر وطني سوري من الوطنيين والثوار ومن كل المكونات من اجل الوقوف امام عملية الارتداد ، وتصحيح المسار ، وكان حراك ” بزاف ” في مقدمة المطالبين بذلك الى جانب عقد مؤتمر كردي سوري جامع بالوقت ذاته بحسب الوثائق المنشورة في موقعه ، وقد قوبل هذا الطموح المشروع بالرفض الشديد من قيادات ( المجلس الوطني السوري ، والائتلاف ، والأحزاب الكردية من طرفي الاستعصاء .
الجانب القومي
لااعلم من يقصد بدقة اللذين يشيرون بصريح العبارة الى ان هناك من افهمنا ( ان كردستان روزآفا قادمة مسالة وقت لن يتعدى أيام او اشهر ..) ولكن بحسب التسمية التي لاتخلو من الغموض ( روزآفا ) فان أوساط سلطة الامر الواقع هي من تستخدم تلك العبارة ، وبالتالي هي من روجت وبشكل غير رسمي ، وفي سياق التضليل الإعلامي ، ذلك المصطلح غير المفهوم مثل غيره من العبارات التي تحمل اكثر من وجه وتفسير مثل ( الامة الديموقراطية ) ، وقد دابت أوساط – ب ك ك – على هذه الاستخدامات كنهج للتضليل أولا ، والتملص من المسؤولية ، وسهولة تقديم التنازلات اذا دعت الحاجة ، فعبارة ( روزآفا ) التي تعني ( الغرب ) باللغة العربية مجرد تسمية لاحدى الجهات الأربعة ( شمال جنوب غرب شرق ) ، ولامعنى سياسيا لها من ناحية المطالب والحقوق الكردية ، يمكن تفسيرها خلال التفاوض مع دمشق بان المقصود – شمال شرق سوريا – ، فاذا كان المقصود الجغرافيا الكردية السورية يجب القول – كردستان السورية – او – المنطقة الكردية – او ( كردستان الغربية ) بالمفهوم الكردستاني ( الجنوبية – الشرقية – الشمالية ) ، وكان ( البارتي اليساري – حزب الاتحاد الشعبي الكردي ) الأول والوحيد الذي استخدم هذالتعبير في ادبياته منذ العام ١٩٦٥ ، والانكى من كل ذلك ادعاء قيام ( ثورة روزآفا ) ، متى اندلعت ، وتحت اية شعارات ، ومتى انتصرت ؟ وماذا حققت ؟ كل ذلك ليس معلوما ، مانعرفه ان مقاتلي – قنديل – توجهوا الى سوريا بعد الاتفاقية الثانية مع نظام الأسد الابن بعد وساطة ( المرحوم الطالباني وقاسم سليماني ) لمساعدة النظام ، ومواجهة الثورة السورية .
ومن تتالي الاحداث منذ الثامن من ديسمبر الفائت تاريخ سقوط نظام الاستبداد ، واتفاقية العاشر من آذار ، يظهر ان ( سلطة الامر الواقع بكل مسمياتها المنضوية تحت زعامة فرد واحد ) تسعى من وراء عبارة ( روزآفا ) تعزيز منطقة نفوذها ، او كيانها ، او امارتها الحزبية ، من اللون الواحد ( ب ك ك لاند ) الغني بالنفط والغاز والمياه ، كمرحلة تالية احتياطية بعد ( ب ك ك لاند الأول في قنديل ) ، خصوصا ان هذه السلطة خارجة عن الاجماع الكردي ، وتنفرد في مواقفها وسياساتها في الوقت الراهن .
من الطبيعي جدا ان يستشعر الوطنييون الكرد السورييون بخيبات الامل ، ويصابوا بالضياع ، وفقدان الثقة، خاصة في العقد الاخير وفي ظل تصدر أحزاب طرفي الاستعصاء للمشهد الكردي السوري ، واخفاقاتها المستمرة على الصعيدين القومي والوطني .
بقي ان نقول ان الفصيل الذي اسقط نظام الاستبداد في الثامن من ديسمبر ( جبهة النصرة ) ، وشكل الإدارة الانتقالية الحاكمة الان ، تعهد على لسان الرئيس الانتقالي السيد احمد الشرع انه يستكمل اهداف الثورة المغدورة ، وبصدد تحقيق ما عجزت عن تحقيقها ( المعارضة ) ، ولاشك ان الشعب السوري يترقب ، ويتابع ، وينتظر تنفيذ تلك التعهدات – الأهداف على ارض الواقع وفي المقدمة : التشاركية الجامعة محل اللون الواحد ، وعدم إطالة المرحلة الانتقالية ، وإعادة بناء المؤسسات الدستورية ، وإعادة المهجرين ، والانتخابات البرلمانية في كل المحافظات ، والحل السلمي للامور العسكرية والأمنية مع – قسد – ، ومن اجل عدم إضافة تعقيدات جديدة الى الملف الكردي ، وعدم إضاعة الوقت مع هذا الحزب او ذاك ، من الضرورة بمكان الاستجابة لمطلب دعم عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع في العاصمة دمشق ، باشراف لجنة تحضيرية ، وبمشاركة ممثلي كل التيارات الفكرية والسياسية وجميع المناطق الكردية ، وكذلك كرد الشتات ، من اجل إقرار المشروع الكردي للسلام ، وانتخاب الممثلين الشرعيين للتحاور مع الشركاء بدمشق .