رودوس خليل
وأخيراً نطقها المرشد على خامنئي واعترف بأن المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تخدم المصالح الإيرانية ولا يمكن أن تدفع الضرر عن إيران وهذه خلاصة وتأكيد من المرشد أن القادم ربما يكون مريراً على النظام.
التصريح الأخير لرأس السلطة في إيران يأتي قبل العديد من المحطات بانتظار طهران أن تتوقف عندها وهي تحتاج إلى أفكار جديدة تتسلح بها وعقلانية سياسية تدفع عنها العاصفة التي تأثرت بها قليلاً وهي تلوح في الأفق من جديد بقوة أكبر وربما تتحول إلى إعصار مدمر تقلع الرؤوس والنظام وهذا الموقف الجديد جاء بعد تفعيل الترويكا الأوروبية ممثلة ببريطانيا وفرنسا وألمانيا ما يسمى بآلية الزناد أو (سناب باك) وهي تعني بكل بساطة استمرار فرض العقوبات الأممية من مجلس الأمن الدولي.
الجميع في طهران كان يعتقد بأن الرئيس مسعود بزشكيان ربما يحقق انفراجاً في نيويورك بمشاركته في اجتماعات الجمعية العامة يوقف التصعيد مع واشنطن وتكون بداية جديدة لاستئناف المفاوضات معها تفضي لاتفاق جديد والذي توقف منذ الجولة الأولى للقصف الإسرائيلي على إيران وأقولها إنها كانت الجولة الأولى فالشروط الأمريكية ومن ورائها تل أبيب تفرض استسلاماً بدون شروط على طهران لاستكمال ما أطلقه بنيامين نتنياهو وهو تحقيق أهداف الحرب في المنطقة وهذا من الصعب تقبله وهضمه من الجانب الإيراني وحتى أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بتكرار تجربة كوريا الشمالية مع إيران في مفاوضات طويلة يتخللها بشكل مفاجئ حصولها على القنبلة النووية.
مجلس الشورى الإيراني من جانبه يشهد حراكاً وصخباً وتخبطاً في فهم الأمر ليصدر قراراً يلزم الحكومة بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي في حال اتجهت الترويكا الأوربية إلى تفعيل آلية (سناب باك) وينظر الكثير من النواب في مجلس الشورى بريبة شديدة إلى مفتشي الوكالة الدولية بأنهم جواسيس ويصرحون بأنهم إذا سمح لهؤلاء بدخول المنشآت النووية الإيرانية فمهمتهم الوحيدة معرفة تواجد 450 كلغ من اليورانيوم عالي التخصيب ومعاودة قصفها وكانت طهران قد وقعت على وثيقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة تم بموجبها السماح لمفتشي الوكالة الدولية بتفقد المنشآت النووية الإيرانية وقد سميت هذه الوثيقة باتفاقية القاهرة وقد نص في أحد بنوده بأن إيران ستنسحب من هذا الاتفاق إذا تعرضت منشآتها للقصف أو تم تفعيل آلية سناب باك للعقوبات والسطور السابقة تؤكد أن إيران أصبحت خارجة من تلك الاتفاقية.
كانت إيران تنتظر أن تتسلم روسيا رئاسة مجلس الأمن لتتطلق مشروع قرار في مجلس الأمن بالتعاون مع الصين لتمديد القرار 2231 لمدة ستة أشهر أخرى لإفساح المجال للمفاوضات مع لجانب الأمريكي إلا أن الاستعجال الأوربي في فرض آلية الزناد وسقوط القرار بالفيتو الأمريكي ضد المشروع الصيني الروسي فشل في تأجيل فرض العقوبات على طهران.
إيران التي كانت تتلاعب بالوقت في مفاوضاتها مع الجانب الأمريكي أصبحت الآن بأمس الحاجة إلى ذلك الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهي تلاحظ كرة الثلج وهي تكبر يوماً بعد يوم ولا تدري متى يكون الارتطام.
الجميع لاحظ كبير الدبلوماسية الإيرانية عباس عراقجي الذي كان يرافق الرئيس مسعود بازشكيان في نيويورك وهو يقوم بطرق الأبواب كالشحاذ كيف لا وهو سمع تصريح المرشد قبل السفر إلى اجتماعات الجمعية العامة بعدم جدوى المفاوضات مع واشنطن لذلك وجدناه في تلك الاجتماعات تائهاً لا يملك أي أفكار سوى أسطوانة واحدة بعنوان وهي فكرة اعطاء الوقت للتفاوض من جديد دون أي نقاط واضحة للنقاش تحمل أملاً في نجاحها وهذه الفكرة هو ما يفتح به أي لقاء مع شخصية غربية لكي لا ينسى ذكرها في نهاية أي اجتماع وكأنه بخيل شحيح يعد نقوده باستمرار للتأكد من سلامتها.
أعتقد أن إيران خسرت الكثير من أوراقها والتي كانت تقوي موقفها على طاولة التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة بعد الاجتماع الأخير بين دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض وإعلان مبادرة ترامب لإنهاء الحرب في غزة فورقة حماس الآن نصف محروقة والحوثيون مجبرون على وقف القصف وإطلاق المسيرات في حال قبول حماس بالمبادرة وأيضاً خسرت الموقف الأوروبي المهادن بعد وصول المسيرات الإيرانية في الحرب الروسية الأوكرانية إلى أطراف أوروبا.
إيران كانت تحاول دائماً أن تركز في مفاوضاتها الماضية مع الجانب الأمريكي على بند رفع العقوبات الاقتصادية ورفع التجميد عن أموالها في الخارج وتحاول أن تظهر أن الملف النووي ومناقشته ليس الوحيد محل الخلاف على طاولة النقاش.
إيران تراقب الآن النجاح العربي وخاصة دبلوماسية المملكة العربية السعودية في محاولة وقف الحرب في غزة وهي تفهم ماذا تعني مبادرة ترامب في المنطقة والتي ترسخ الوجود الأمريكي كحاكمة لغزة والتي ربما تمتد لخمسين عاماً وأنها لا بد من تغير سياستها في الإقليم ووقف دعم الميليشيات المختلفة عدا ذلك فالجولة الثانية من القصف قادمة لا محالة وتصريح بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض يؤكد ذلك حين قال بأننا نعرف مكان اليورانيوم عالي التخصيب فهل سيتجرع المرشد من نفس الكأس الذي شرب منه المرشد السابق في وقف الحرب العراقية الإيرانية ويقبل بالشروط الأمريكية التي تفضي إلى الاستسلام؟ هذا ما سنشاهده في الشهور المقبلة.