في منهجية الكتابة عن الحالة الكردية السورية

صلاح بدرالدين

في الأعوام الأخيرة ظهر جيل جديد من المتعلمين الكرد يميل الكثيرون منهم الى الكتابة عبر مختلف وسائل الاعلام المتوفرة حول قضايا شعبهم ، وشؤؤن وشجون مجتمعهم ، والتطورات السياسية في بلدهم ، وهو امر إيجابي عموما بغض النظر عن المضمون ، ومدى العلاقة مع الواقع القائم ، ومن اجل ان لاتذهب تلك الجهود سدى ، وتعود بالفائدة على المصالح الأساسية للشعب والوطن ، وتساهم في توعية الناس حول المهام المطلوبة إنجازها من اجل مستقبل افضل ، وتحقيق السلام ، والتاسيس للحوار العقلاني على الصعيدين القومي والوطني ، وصولا الى التفاهم ، والتوافق على الأهداف المشتركة لابد من منهجية واضحة في الأمور التالية :

أولا – الابتعاد عن التعميم في الجانب القومي ، بمعنى عدم الخلط بين الحالة الكردية السورية حيث لها خصوصية تاريخية ، وجغرافية ، واجتماعية ، وبين الوضع في أي جزء آخر ، فلكل جزء أيضا خصوصيته المختلفة عن باقي الأجزاء ، فقد يعمد البعض سلوك التعميم كمهرب من مواجهة الحقيقة الكردية السورية ، واللجوء الى الغموض ( الكردستاني ) عن عجز في فهم المعادلة السياسية التي تتحكم في القضية الكردية السورية ، وهذا لايمنع أي فرد من تبني أي نهج قومي يقتنع به والدفاع عنه ، بشرط الإفصاح عنه بكل شفافية وعدم الاختباء وراء الشعارات الغامضة واحيانا العشوائية .

ثانيا – عند الكتابة يجب عدم القفز فوق الواقع المؤلم الفكري ، والتنظيمي ، والسياسي الراهن على الصعيد الكردستاني العام ، والمتجسد في : التفكك ، والانقسامات ، والتنافر ، والصراعات بشكل عام وفي كل جزء على حدة ، كما يجب عدم تجاهل الفرق الشاسع بين الأغنياء والفقراء في الحركات الكردية بالاجزاء الأربعة وكيف ان الفقراء يدفعون الثمن ، والعلاقات الجانبية ( على الاغلب حزبية ) بين اطراف كردية والأنظمة الحاكمة في البلدان التي تقتسم الشعب الكردي ومن دون أي تشاور بين البعض الاخر ،  فالحركة القومية الكردية عموما تفتقر الى  مؤسسة متوافق عليها تحدد علاقاتها البينية ، ومركز ديموقراطي يبنى على المشتركات ، وهيئة تمثيلية للتشاور ، والتنسيق ، والعمل المشترك ، وصندوق قومي لتلبية الاحتياجات ، ولجنة حكماء للتدخل بين المختلفين ، هذه الطموحات المشروعة تفتقدها الحركة الكردية منذ ظهورها .  

ثالثا – على الصعيد الكردي السوري خصوصا يجب الابتعاد عن المبالغات في سرد الاخبار ، والحذر في تقييم الاحداث ،  وعلى سبيل المثال ليس كل لقاء بين مسؤول حزبي ما مع صحفي ، او مندوب امني اجنبي ، او دبلوماسي امريكي واوروبي ، او عقد ندوة في قاعة برلمان ، يعتبر اختراقا لمواقف المجتمع الدولي او تدويلا للقضية الكردية السورية ، كما ان التعاقد العسكري من جانب حزب ما او مجلس او جماعة مع التحالف الدولي ضد إرهاب داعش لايعني ان دول التحالف أصبحت – بالجيبة – او انها تبنت الحقوق الكردية وانها ستبقى الى الابد في مواقعها – العسكرية – فالطابع العام وظيفي محدد ينتهي بانتفاء الحاجة التي تاسس من اجلها ، وهذا ماشاهدناه مثلا في أفغانستان ، والعراق ، كما يجب الابتعاد بهذا المجال عن خلط التعاقد العسكري بالوضع السياسي ، لان الأول متغير ومحكوم باستراتيجيات مركزية كونية ، والأخير قد يقود الى الانتقال لدعم حكومة مابعد اسقاط الاستبداد بدمشق ، وبالتالي استبدال التحالفات التي كانت وقتية وشرطية تتعلق بظاهرة داعش التي تقلصت وعلى طريق الزوال .

رابعا – قبول حقيقة ان ( لاشرعية لاحد في كل سوريا ) ، ولاشرعية قومية ، ووطنية ، وشعبية ، وتاريخية لاي حزب كردي بمفرده او في احد طرفي ( الاستعصاء ) ، وان السبيل الوحيد لكسب الشرعية هو المؤتمر الكردي السوري الجامع وبغالبية وطنية مستقلة ، وباشراف لجنة تحضيرية متنوعة واسعة ، يتمخض عنه المشروع الكردي للسلام ، وتمثيل قيادي محاور باسم الكرد السوريين ، هذا هو السبيل للخروج من عنق الزجاجة ، والتخلص من الحمل الثقيل الذي ورثناه جيلا بعد جيل ، والانفتاح على مرحلة جديدة ينعم فيها الكرد السورييون وللمرة الأولى بتاريخهم .

خامسا  – من الواضح ان الشعب الكردي السوري في كل مناطقه متشابه في محنته ، ومعاناته ، وموحد في طموحاته الانية والمستقبلية ، والمشكلة ليست في الشعب بل في تعبيراته الحزبية ، والازمة في الحركة السياسية التي تحتاج الى إعادة البناء ، والتغيير في الفكر والمنهج السياسي ،  بوسائل ديموقراطية مثل المؤتمر الكردي السوري الجامع المطروح منذ سنوات ، وتزداد الحاجة اليه الان اكثر من أي وقت مضى .

  لايمكن إعادة بناء الحركة السياسية الكردية السورية بشكل سليم من دون العودة الى تقييم ومراجعة تجربتها منذ نشوئها بدء من حركة – خويبون – ومرورا بكل المحاولات النخبوية المدنية التي تمثلت في الجمعيات الثقافية ، والنوادي ، والنشاطات الاجتماعية ، وصولا الى تشكيل الحزب المنظم الأول عام ١٩٥٧ ، وانتهاء بالتحولات الفكرية والسياسية ، والتنظيمية عام ١٩٦٥ ، والمراحل التي تلتها من انقسامات ، وسيولة في ظهور الأحزاب ، واختراقات أجهزة النظام ، وتكريد الصراع ، ووصول الوافدين الجدد من قنديل الى يومنا هذا .

  مانحتاج اليه من اجل البناء الجديد ( اتحاد – مشروع برنامج سياسي – قيادة منتخبة – تمثيل شرعي حقيقي ) هو القيام بمراجعة نقدية لماضي الحركة ، وتشخيص ماانجز للانطلاق منه من اجل تحقيق الخطوات اللازمة التي عجزت الحركة عن تقديمها لاسباب ذاتية وموضوعية ، ان الربط التاريخي بين الحاضر والماضي هو شرط أساسي للبناء من اجل المستقبل ، ومع معرفة وتقدير الانطباع السلبي العام من ( الحركات الحزبية ) الا ان حركتنا تحمل في طياتها صفحات ناصعة يمكن البناء عليها مثل : إعادة تعريف الشعب والقضية ، والحقوق ، والموقف السياسي قبل نحو ستين عاما ، والانطلاق من مبد ا حق تقرير المصير في معالجة القضية الكردية ، والربط التاريخي المتوازن بين القومي والوطني والاجتماعي ، وارساء التحالفات على أسس برنامجية على الصعد القومية ، والوطنية ، والكردستانية ، والتصالح بين القومي السياسي والثقافي ( هناك وقبل ستين عاما حزمة من الوثائق حول الجبهات القومية والوطنية ، والكردستانية ) ، طبعا لم تتحقق كل الطموحات وبعضها مازالت قيد التحقيق .

     سادسا – عدم استخدام مصطلحات تنم عن التشفي والكراهية والانتقام من الاخر المختلف مثل عبارة – التخوين – الذي قد يحصل عند خرق العهد والعقد بين شخصين او طرفين مثل الخيانة الزوجية على سبيل المثال ، اما القضايا القومية ، والوطنية بتعقيداتها ، وتشابكاتها ، وعواملها الاجتماعية والفكرية والثقافية فتفرز دون شك تباينات وقد تكون حادة وعميقة في المواقف والتحليلات ، والسياسات ، وليس بالضرورة ان المختلف يجب ان يكون خائنا ، وانت الوطني الصادق ، والمزيد من الحوار هو الكفيل بكشف الحقيقة وطريق الصواب .

  لسنا بحاجة الى صور أخرى طبق الأصل من تجارب الاخرين ، اما فرض تجربة نهج – ب ك ك – بكل ملابساته ، واشكالاته ، وبصورة قسرية على حالتنا الكردية السورية ، فهو نوع من الإرهاب الفكري والسياسي ، وانكار لتاريخ حركتنا منذ مايقارب المائة عام ، ومخاطرة لدفن القضية الكردية كقضية شعب من سكان سوريا الأصليين ، يعتمد في نضاله على مبدأ تقرير المصير في اطار سوريا التعددية الواحدة .

  ان استحضار تجربة حركتنا ، ومحاولة الاستفادة من دروسها لايعني اننا بصدد استرجاع الماضي ، او احياء ادواتها التنظيمية ، فنحن الان في مرحلة جديدة مختلفة تتطلب أدوات جديدة ، حاول حراك ” بزاف ” ومنذ نحو تسعة أعوام رسم خطوطها العامة من خلال مشروعه السياسي القومي والوطني ، ومازال سائرا لتحقيق مايصبو اليه .

 لست اقصد هنا بعض الكتبة ( الحديثي الشعور بكرديتهم ) والمتقلبون بين يوم وآخر ، وراسمالهم الوحيد ( الابداع في التلون ) ولكنني أتوجه لاصحاب الاقلام من الناشئة بان يكونوا منصفين لدى التعرض لتاريخ الحركة ، وان يضيفوا جديدا بدلا من العدمية المفرطة ، ويقدموا ماعجز عن تقديمه الاسلاف .  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…