انتهى زمن التسول

زاكروس عثمان

ما زال بعض من السياسيين الكورد الكلاسيكيين، خصوصًا أولئك الذين تَشكّل وعيهم في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن المنصرم، ما زالوا يصرّون على إعادة إنتاج عقلية الماضي، وكأن عجلة الزمن توقفت عند تلك المرحلة، متجاهلين الاثر العميق للتحولات التاريخية في الـ 35 سنة الاخيرة والتي تسببت في تغيير مسار القضية الكوردستانية، كما انهم لم يدركوا دور ما يسمى بثورات الربيع العربي في منح حركة التحرر الكوردي في كوردستان Rojava زخما اضافيا لتنتقل من حالة ضعف مزمن إلى مرحلة القوة، وتتحول إلى شريك في صنع الاحداث، لتجد ان الظروف اصبحت مناسبة لإجراء تعديلات على برامجها و تطوير أهدافها، فقررت التخلي عن سياسة استجداء مطالب بسيطة، لتطرح مطالب أكثر نضجًا واتساعًا في الطموح وصولا إلى مستويات تتحدث عن الفيدرالية، الحكم الذاتي، واللامركزية السياسية، هذه الاهداف باتت اليوم على المستوى الحزبي ـ الشعبي تمثل المرجعية الواقعية لأي مشروع سياسي كوردي.

اما السياسيون المخضرمون الذين قادوا الحركة الكوردية في ظروف قاسية، والذين لا يمكن إنكار فضلهم التاريخي ولا التضحيات التي قدّموها. فقد كانوا في طليعة من حافظ على هوية شعبهم وحقوقه في زمن السجون والملاحقات والحرمان من أبسط الحقوق المدنية. لكن المعضلة اليوم أن كثيرًا منهم ظلّ سجين تلك الحقبة، غير قادر على استيعاب حجم التحولات التي شهدتها المنطقة.

وما زالت بعض الشخصيات من تلك الفترة تتبع اسلوبها القديم في استجداء السلطة السورية لتعطف على الشعب الكوردي وتستجيب لمطالب متواضعة لم تعد تلبي اهداف الحركة الكوردية التي تشهد صعودا في المرحلة الراهنة، لا يليق بهؤلاء التسول امام باب سلطة الارهاب في دمشق كي تمن على الشعب الكوردي بقليل من الحقوق البديهية:

ـ الاحتفال بعيد نوروز دون مضايقات.  

ـ السماح باستخدام اللغة الكوردية ضمن نطاق ضيق أو داخل المنازل.

ـ منح الكوردي حق تملّك دراجة هوائية وتسجيلها باسمه.

ـ في أحسن الأحوال تعيين شخص كوردي رئيسًا لبلدية عامودا، والتي ٩٩% سكانها من الكورد.

في الامس كانت هذه المطالب تعتبر خطوة شجاعة أو إنجازًا كبير، لكنها اليوم تحولت على يد بعض السياسيين المخضرمين إلى  تسول سياسي عند عتبات سلطة عنصرية سلفية لا ترى في الكورد سوى غرباء يجب التخلص منهم.

في المقابل يوجد اليوم واقع مغاير كليًا يعيش فيه جيل تعلّم من تجارب كوردستان Başur حيث وُلد كيان فيدرالي، ومن التحولات الجارية في Rojava التي أفرزت تجربة إدارة ذاتية، ومن الحراك السياسي الكوردي في Bakurو Rojhilat كل ذلك جعل سقف التطلعات أعلى بكثير من مجرد السماح النطق باللغة الكوردية أو إقامة احتفال شعبي. إن مطالب الجيل الجديد صارت مرتبطة بالحقوق القومية والسياسية المشروعة على مستوى دستوري وقانوني، ليس على شكل منة من سلطة محتلة.

لا شك أن السياسيين القدماء أدّوا دورًا تاريخيًا يستحق الاحترام، وكانوا قاعدة انطلقت منها الحركة التحررية الكوردية. غير أن استمرارهم في إعادة إنتاج خطاب الأمس، بعقلية الستينات والسبعينات، لم يعد يخدم القضية، بل أصبح عائقًا حقيقيًا. إنه يشتت المواقف، يربك الحركة، ويُضعف القدرة على مواجهة نظام إرهابي عنصري مثل النظام السوري.لذلك، فإن الخيار أمام هذا الجيل من السياسيين واضح:

إما أن يواكبوا التحولات، يطوّروا خطابهم ويرفعوا مطالبهم بما ينسجم مع تطلعات الغالبية العظمى من بنات وأبناء شعبهم, او فسح المجال لقيادات جديدة تمتلك القدرة والشجاعة على طرح مشروع سياسي متكامل يلبي طموح الشعب الكوردي.

لقد آن الأوان أن نخرج من دائرة التسول السياسي، وأن نرفع قضيتنا إلى مستوى يليق بشعب قدّم آلاف التضحيات وما زال يسعى نحو الحرية والكرامة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…