سوربة بين الفيدرالية والنموذج اليوغسلافي

عبدالعزيز قاسم 
بعد عشرة أشهر من تولي أحمد الشرع السلطة، تحولت ملف المكونات والأقليات القومية والدينية إلى اختبار حاسم لوحدة سوريا، وبخاصة بعد قيام قوات حكومية ومليشيات موالية لها بارتكاب مجازر تطهير طائفي ضد العلويين راحت ضحيتها آلاف المدنيين وفيما بعد تم استهداف الكنائس المسيحية واخيرا استهداف الدروز في السويداء وجرمانا، وزج العشائر العربية والبدو في حرب إبادة على الدروز، فهذه المجازر البشعة زاد من مخاوف الكرد ايضا للتعرض من مصير مشابه رغم اتفاق مبدئي بين قسد والسلطة السورية.
وكذلك الأمر فأن من شأن إصرار السلطة الجديدة على مواجهة مطالب المكونات السورية بالحديد والنار ورفض تلبية حقوق ومطالب المكونات السورية القومية والثقافية، والتنصل من بناء مصالحة وطنية شاملة وبناء نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي، وبناء دولة حديثة وموحدة تشمل كل الأطراف، زيادة مخاوف المكونات السورية على مستقبلهم، وهذه المخاوف جدية وتشكل تحديا كبيرا على وحدة السوريين في ظل غياب منطق الدولة لدى السلطة القائمة والتهرب من بناء مصالحة وطنية شاملة.
كل الوقائع والمعطيات تدل على أن السلطة الحالية والتي أنبثقت من رحم هيئة تحرير الشام والمصنف إرهابيا، حتى يومنا عاجز أن تكون بديل عن النظام الاستبدادي السابق، ولا قدرة فعلية لها على توحيد السوريين الذين يتطلعون إلى دولة مدنية ديمقراطية لامركزية سياسية وادارية تحترم التعدد والتنوع القومي والديني، وتعيد الحقوق لأصحابها، وتضمن استقلال القرار الوطني.
فهذه الحكومة “الأمر الواقع” لا تعاني فقط من فقدان التمثيل المتوازن للمكونات السورية، وكذلك لا تضم تمثيلًا حقيقيًا للكرد ولا للطوائف المختلفة في الجنوب والساحل في مختلف مؤسسات الدولة وبخاصة في الجيش والأمن العام، ما يُضعف شرعيتها كحكومة وطنية، بالرغم من إن توحيد السوريين لا يكون عبر تشكيل حكومة جديدة فقط، بل عبر رؤية وطنية شاملة تنطلق من الاعتراف بجميع مكونات الشعب السوري، وتعتمد الحوار لا الإقصاء، والاستقلال لا التبعية، والعمل المؤسساتي لا الفصائلي أو العشائري.
هذا الواقع يُعيد إلى الأذهان تجارب دول أخرى فشلت فيها الحكومات البديلة لأنها لم تنجح في تجاوز البعد الجهوي أو الطائفي أو الفصائلي، ووقعت في فخ الارتهان للخارج.
وبخاصة أن الحكومة السورية الجديدة، تفتقر ومنذ اليوم الأول لها إلى الشرعية والاستقلالية السياسية، فقراراتها العليا تمر عبر البوابة التركية، وتتحكم تركيا في مفاتيحها، إضافة إلى أن الدعم “التركي” لا تشمل كل السوريين، فالعلويين، الدروز، المسيحيون غائبون تماما عن السلطة الجديدة والانكى من كل هذا وذاك أن الدولة التركية تعادي الشعب الكردي، ثاني أكبر قومية في سوريا علنا وتحتل مناطق من كردستان سوريا, وحسب تحقيقات رويترز أن تركيا متورطة بشكل غير مباشر في جرائم الساخل، حيث وثّقت أن عددًا من الفصائل الموالية لأنقرة — مثل فرقة السلطان سليمان شاه، العمشات والحمزات— كانت ضمن المجموعات المسؤولة عن قتل حوالي 1,479 مدنيًا علويًا في مناطق الساحل السوري بعد سقوط نظام الأسد.
هذه الفصائل كانت جزءًا من القوة العسكرية المعترف بها رسميًا لدى الحكومة المؤقتة، مما يعكس دعمًا لوجستيًا وعسكريًا ربما تلقته من أنقرة.
وتحدث تقرير أممي لاحق وجد أن أعمال قتل وتعذيب ونهب كانت واسعة ومنهجية، وارتكبها جماعات مسلحة ترتبط بالحكومة المؤقتة، بما في ذلك تلك المدعومة من تركيا مثل “العمشات” و”الحمزات”.
وذكرت منظمة  TA NEA أن تركيا مدعوة ضمن دعمها لـ HTS عبر تزويدهم بأسلحة ومعلومات لشن حملات على المناطق العلوية.
فالتدخل التركي — الذي بدأ تحت عنوان دعم الثورة وحماية الأمن القومي التركي — تحوّل تدريجيًا إلى احتلال على أجزاء واسعة من كردستان سوريا، وهيمنة واضحة على القرار السياسي والعسكري والإداري في دمشق، وبالتالي يصبح من الصعب الحديث عن سيادة سورية، أو عن مشروع وطني مستقل، في ظل حكومة تغض الطرف عن الوجود التركي المباشر وصامتة أمام تجاوزات تمس كرامة السوريين  وتُفرق السوريين.
 فالوحدة الوطنية لا تُبنى على التبعية، بل على الاستقلال والندية.
وبخاصة أن التدخلات التركية تؤجج الصراعات من خلال وضع عراقيل أمام كل حوار وطني من أجل تحقيق آمال وتطلعات السوريين.
تركيا التي تتباكى على وحدة سوريا  هي أكثر طرف يساهم في تجزئتها عمليًا”، وهذه العبارة ليست مجرد رأي سياسي، بل خلاصة لأداء تركيا الميداني والدبلوماسي خلال أكثر من 14 عامًا من الحرب السورية، وخاصة في العقد الأخير، فالخطاب الرسمي التركي: دعم وحدة سوريا، يتناقض كليًا مع الواقع على الأرض.
هي تصرّح بأنها:”تدعم وحدة الأراضي السورية”، و”ترفض قيام كيان كردي انفصالي شمال شرق سوريا”، ولكن هذا الخطاب يتناقض كليًا مع الواقع على الأرض، وهي تستخدم هذه العبارات فقط لتبرير تدخلها العسكري في الشمال السوري ولإنشاء مناطق نفوذ عسكرية لها داخل سوريا، وهذا الدور يجعلها – برغم خطابها الرسمي – أحد أبرز أسباب استمرار الانقسام السوري، فالتنوع العرقي والطائفي في سوريا ليس سببا في تعقيد الوضع في سوريا، بقدر التدخل التركي الذي يساهم في تأجيج الصراع وزيادة تعقيد الحلول السياسية وتعقيد المشهد السوري ويؤخر اي حل سياسي وربما نشهد سيناريو مشابه لتفكك يوغسلافيا 1992،حيث يؤدي التدخل التركي السافر إلى تفكيك سوريا، رغم أن التفكيك الرسمي لسوريا لم يحدث بعد، إلا أن ما يراه البعض “تقسيم غير رسمي” لسوريا بات يبدو واقعيا، رغم أن الظروف السياسية والعسكرية في سوريا يوغسلافيا مختلفة إلا أن أوجه التشابه في تفكيك الدول متعددة الأعراق والصراعات الطائفية والاثنية تظهر بوضوح وبخاصة أن الحكومة السورية الجديدة غير مستعدة للمساهمة في التسويات السياسية في تفادي المزيد من التصعيد والانقسامات، بل على العكس هي التي تدفع الأمور نحو التصعيد من خلال التصعيد والتحريض العرقي والطائفي وخطابات الكراهية ضد الكرد والعلويين والدروز والمسيحيين.
والخلاصة; إن سوريا في ظل استمرار المجازر الطائفية والعرقية، والتهميش، والتهجير والتبعية للمشروع التركي تمضي بثبات نحو مصير شبيه بيوغوسلافيا: التفكك، ثم التقسيم، لكن إذا نضجت القيادات السياسية، وحاولت البحث عن مخارج حقيقية للأزمة الراهنة وتغيّرت الحسابات الإقليمية، فربما يتحقق نموذج فيدرالي بدل النموذج اليوغوسلافي الكامل.
الترجمة عن الكردية 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…