شيرزاد هواري
شهد منتدى السليمانية بكوردستان العراق جدلاً واسعاً عقب تصريحات المدعو صالح مسلم، التي لم تقتصر على إبداء الرأي أو تقديم طرح فكري جديد، بل اتخذت منحىً مستفزاً حمل في طياته سخرية واستخفافاً تجاه التجربة الفيدرالية الكوردستانية، وما تمثله من إنجاز سياسي وتاريخي على صعيد العراق والمنطقة.
تجربة راسخة وليست “كلاسيكية”
الفيدرالية في إقليم كوردستان العراق ليست شعاراً عابراً، بل كيان دستوري وقانوني أُقرّ بموجب الدستور العراقي لعام 2005، وتحولت إلى مؤسسات حقيقية: برلمان منتخب، حكومة، وهيئات إدارية راسخة.
ورغم سنوات من الحروب، والحصار الاقتصادي، والضغوط السياسية، صمد الإقليم وواصل البناء والتقدم في التعليم، الصحة، البنية التحتية، والانفتاح الدبلوماسي، ليصبح نموذجاً عربياً وإقليمياً يُستشهد به في قضايا الديمقراطية وحقوق المكونات.
أطروحات فضفاضة بلا اختبار
في المقابل، طرح صالح مسلم فكرة “الأمة الديمقراطية” و”ديمقراطية الشعوب العابرة للقارات”، وهي طروحات أقرب إلى الشعارات النظرية منها إلى التجارب العملية.
هذه المفاهيم لم تُختبر في مؤسسات قائمة أو دساتير معترف بها، ولم تُثبت قدرتها على الصمود أمام التحديات الواقعية، بل بقيت في إطار التجربة الجزئية المرتبطة بظروف الحرب والفوضى. وعليه، فإن مقارنتها بالتجربة الفيدرالية الكوردستانية المستندة إلى شرعية دستورية وتاريخية، تبدو مجحفة وغير منطقية.
إساءة للحاضرين ولشعب كوردستان
إن حديث صالح مسلم في منتدى السليمانية لم يكن مجرد رأي مخالف، بل انطوى على إساءة مباشرة للحاضرين، وللسليمانية، ولإقليم كوردستان بأسره.
كما مثّل استخفافاً واضحاً بمخرجات الكونفرانس الكوردي المشترك في القامشلي، وتجاوزاً على مشاعر أبناء الشعب الكوردي الذين يرون في الفيدرالية ثمرة تضحيات جسام، وركيزة أساسية لضمان الحقوق والوجود.
حرية كوردستان تكشف المفارقة
المفارقة أن الديمقراطية التي انتقدها صالح مسلم هي نفسها التي سمحت له بالحديث علناً في قلب السليمانية. فلو لم يكن الإقليم منفتحاً على الحريات والتعددية، لما تمكن من توجيه هذه الانتقادات.
في المقابل، يدرك الجميع أن البيئات التي يديرها حزبه أو مشروعه السياسي لا تسمح بمثل هذا القدر من حرية التعبير أو النقد المباشر.
الاستغراب مشروع
الاستغراب من حديث صالح مسلم مشروع تماماً؛ إذ كيف يستخف ضيف ببيت استضافه، ويقلل من شأن تجربة راسخة أثبتت قدرتها على الصمود والإنجاز؟
الفيدرالية الكوردستانية ليست “كلاسيكية” كما وصفها، بل تجربة حيّة ومتجددة، تشكل رصيداً سياسياً وتاريخياً لشعب كافح طويلاً من أجل حقوقه المشروعة.
وفي الختام أن التجربة الكوردستانية لا تحتاج إلى تزكية من أحد، فهي باقية بإنجازاتها وتضحيات شعبها، بينما تمرّ المشاريع الأخرى باختبار الزمن. إن من لا يحترم هذه التجربة في كوردستان العراق، يُسقط عن نفسه شرعية الحديث عن “ديمقراطية الشعوب” أو عن أي نموذج بديل.