شكري بكر
ما يلحظ بنا ان الاحزاب الكوردية التي تشكلت من تلقاء ذاتها قلة، لان التعداد المفرط لعدد الاحزاب الكوردية يكمن بالمحصلة في الانشقاقات التي عصفت بالحركة الكوردية التي بدأت منذ منتصف ستينيات القرن الماضي واستمرارها حتى انطلاقة الثورة السورية، حيث كان عدد الاحزاب الكوردية عند انطلاقة الثورة سبعة عشر حزبا بما فيه حزب الاتحاد الديمقراطي pyd.
فالمرحلة الاكثر تعرضا للانشقاق وتكاثرت فيها الاحزاب الكوردية هي مرحلة الثورة، حيث عمت الفوضى كافة الجغرافيا السورية مما ادى الى انفلات امني واتاح المجال امام حزب الاتحاد الديمقراطي الذي فتح الباب على مصراعيه لبعض المستغلين ومثيري الشغب في الشارع السياسي الكوردي، مما دفع بعض الاشخاص وكذلك كتل الى تشكيل احزاب اكثرها بمقاسات سياسية محددة بالتوافق مع سياسات الاتحاد الديمقراطي قبل عقد كونفرانس وحدة الصف والموقف الكورديين. وكان ذلك تحسبا للمرحلة القادمة التي ربما تساندهم كتيار سياسي كوردي للاستمرار في ادارته للمناطق الكوردية، انطلاقا من مفهوم ان كثرة الاحزاب الكوردية من حوله تمده بالقوة وتمنحه الديمومة في السيطرة على المناطق الكوردية، اما حبا عبر الانتخاب بتشكيل الاكثرية، او فرضا عبر استخدام القوة ضد كل من يعارض سياساته الفئوية الضيقة.
فالازمة السورية مهما طالت فلا بد في النهاية من ايجاد حل ينهي تلك الازمة من خلال وسطاء دوليين للمساهمة في الوصول الى حل، اما عبر توافق سوري سوري، وان فشل التوافق السوري بامكانهم فرض حل بالضغط والاكراه او عبر تشكيل حكومة انتداب.
وهنا يطرح سؤال نفسه بإلحاح:
ما السبب المباشر في اطالة الازمة السورية لاكثر من خمس عشرة سنة حتى تعقدت في مرحلة ما بعد فرار نظام الاسد في 8 / 11 / 2025 على يد هيئة تحرير الشام بقيادة احمد الشرع وتكليفه بادارة مرحلة مؤقتة؟
بعد مضي اكثر من تسعة اشهر على قيادة الشرع ثبت لدى المجتمع الدولي انه غير قادر على ادارة سوريا للمرحلة الانتقالية وايصالها الى بر الامان والاستقرار، لاعتماده مبدأ تشكيل حكومة من لون واحد ذو صبغة دينية. من الواضح تماما ان فشل الشرع في ادارة سوريا نحو اقامة النظام الديمقراطي التعددي البرلماني الحر يعود لعدة اسباب، اهمها انتشار ظاهرة الانقسام السياسي والعسكري (الفصائلي) في صفوف المجتمع السوري عامة والكوردي خاصة، الى تيارات مختلفة سياسيا وقوميا ودينيا ومذهبيا وطائفيا.
لا يزال الوضع السوري يتهور نحو الاسوأ مما دفعه بقوة نحو التدويل، وادى بالمجتمع الدولي الى الدعوة لعقد مؤتمر دولي حول الازمة السورية بهدف دفع السوريين للتوصل الى توافق سوري سوري. وعلى هذا المبدأ جاء انعقاد مؤتمر جنيف 1 الذي تضمن ثلاث سلال:
1- تشكيل حكومة لادارة المرحلة الانتقالية.
2- كتابة دستور جديد.
3- اجراء انتخابات حرة ونزيهة.
الا ان اتساع هوة الخلاف السياسي والعسكري بين كل مكون من مكونات المجتمع، وهيمنة العسكر الميليشاوي والفصائلي على كافة مفاصل الحياة وعلى طول وعرض الجغرافيا السورية، حال دون تحقيق تقدم.
لا يزال الخوف سيد الموقف في الازمة حتى في مرحلة ما بعد فرار الاسد، لان ما دمره نظام الاسد خلال ما يقارب ستين عاما يستحيل اصلاحه في فترة وجيزة، بل يحتاج الى ردح من الزمن لدفع عملية السلام في سوريا، والتي يمكن ان تؤدي بها الى لبننة الدولة مجددا بخلاف الماضي وبما لا يتعارض مع مصالح المجتمع الدولي.
ومهما طرحت من حلول لانهاء الازمة السورية، اعتقد انه لا حل الا بالعودة الى تطبيق القرار الدولي 2254 ذي سلاله الثلاث.
واخيرا، من الواضح ان قوتين تتحكمان بالمعضلة السورية: الاولى هيئة تحرير الشام بقيادة احمد الشرع، الذي بسط سلطته على بعض المدن السورية، والاخرى قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على ثلاث محافظات هي الرقة والحسكة ودير الزور.
في الآونة الاخيرة خرجت اصوات من منطقة الساحل ذات الاغلبية العلوية رفضت الانضواء في حكومة الشرع، وكذلك مدينة السويداء ذات الاغلبية الدرزية، حيث تعالت اصوات العلويين والدروز عبر عدة بيانات صادرة عن مجلسي العلوي والدروز مطالبين باقامة نظام لا مركزي فدرالي.
وهذا ان دل على شيء فانما يدل على ان لا عودة بسوريا الى النظام المركزي. فاذا بقيت السلطة المؤقتة متمسكة بالنظام المركزي فانها تدفع بسوريا نحو الانقسام. اما النظام الذي يمكن ان يوحد سوريا ارضا وشعبا فهو النظام الاتحادي التعددي البرلماني الحر.
وفي الجانب الكوردي، ورغم انعقاد كونفرانس القامشلي “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكورديين” وبمشاركة اغلبية احزاب الطرفين: احزاب الوحدة الوطنية الكوردية واكبرها حزب الاتحاد الديمقراطي، واحزاب المجلس الوطني الكوردي، بالاضافة الى احزاب خارج الاطارين وشخصيات وطنية مستقلة، فقد اقر الكونفرانس الرؤية الكوردية المشتركة، وانبثق عنه لجنة للتفاوض مع السلطة المؤقتة في دمشق حول مصير الشعب الكوردي في سوريا. وحتى الآن لم يحصل اي لقاء بين السلطة ولجنة التفاوض، ورغم ذلك هناك تباين في الموقف السياسي بين الطرفين بشأن ثوابت القضية القومية للشعب الكوردي وحقوقه العادلة والمشروعة في سوريا راهنا ومستقبلا.