شادي حاجي
تُصنَّف أنظمة الحكم في العالم وفق معايير متعددة، منها معيار رئيس الدولة (ملكي، جمهوري)، أو طبيعة ممارسة السلطة (ديكتاتوري، ديمقراطي)، أو العلاقة بين السلطات (رئاسي، برلماني)، أو شكل العلاقة بين الحكومة والشعب (مباشر، نيابي)، أو التقسيم الجغرافي للسلطة (مركزي، فيدرالي). وتشمل هذه التصنيفات الأنظمة الملكية المطلقة والدستورية، والجمهوريات الرئاسية والبرلمانية وشبه الرئاسية، إضافة إلى النظم الديكتاتورية والشمولية والديمقراطية بمختلف أشكالها.
لكن ما يهمّ الشعب الكردي في سوريا، والمكوّنات الدينية والطائفية والثقافية السورية الأخرى، والسوريين عموماً، عند تقييم نظام الحكم في البلاد، هو نظام سياسي يراعي التعددية القومية والدينية والثقافية، ويأخذ حقوق وخصوصية هذه المكوّنات بعين الاعتبار، لما لذلك من تأثير مباشر على تطور العملية السياسية والاستقرار المجتمعي.
أكثر ما يُطرح في الوسط السياسي السوري، في وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، وعلى طاولات الحوار والمفاوضات، هو سؤال جوهري: ما هو النظام الأنسب لسوريا؟ وأيهما يُعتبر نظاماً سياسياً ويُدوَّن في الدستور: اللامركزية الإدارية أم اللامركزية السياسية؟
1- اللامركزية الإدارية
اللامركزية الإدارية ليست نظاماً سياسياً، بل هي مفهوم تنظيمي إداري يُعنى بتوزيع بعض الصلاحيات والسلطات والوظائف الإدارية من السلطة المركزية إلى إدارات محلية مثل البلديات والمحافظات، لتلبية الاحتياجات المحلية بشكل أفضل، وتخفيف العبء عن الإدارة المركزية، وتحسين كفاءة الخدمات.
هذه الإدارات لا تمتلك سلطة تشريعية، بل تنفّذ السياسات ضمن صلاحيات ممنوحة قانوناً. ويمكن أن تُطبَّق اللامركزية الإدارية في أي نظام سياسي، سواء كان مركزياً أو لا مركزياً أو فيدرالياً. وقد تكون على شكل لامركزية محلية مثل البلديات والمجالس المحلية، أو مرفقية مثل المؤسسات العامة، كما هو الحال في الدول الوحدوية مثل فرنسا ومصر والمغرب.
2- اللامركزية السياسية
اللامركزية السياسية، بالمقابل، تُعتبر نظام حكم ونظاماً سياسياً لأنها تتعلق بتوزيع السلطات السياسية الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، بين الحكومة المركزية وحكومات محلية أو إقليمية أو ولايات.
تهدف هذه الصيغة إلى منح الأقاليم نوعاً من الاستقلال السياسي والاقتصادي، وغالباً ما توجد في الدول الاتحادية (الفيدرالية)، حيث يُنص عليها صراحة في الدساتير، لأنها تمسّ شكل الدولة وطبيعة سيادتها، وتتطلب ضمانات دستورية واضحة.
اللامركزية السياسية تتضمن عادةً برلمانات محلية تمتلك سلطة التشريع في مجالات محددة مثل الاقتصاد، التعليم، والصحة، وغيرها. وهذا الشكل من الأنظمة يُمارَس في دول عديدة ذات نظام فيدرالي مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، وسويسرا، أو في أنظمة تمنح حكماً ذاتياً واسعاً مثل إقليم كتالونيا في إسبانيا.
ما يُدوَّن في الدستور
عادةً، ما يُدوَّن في الدساتير هو اللامركزية السياسية لأنها تحدد شكل النظام السياسي وطبيعة توزيع السيادة، وتمسّ البنية الدستورية للدولة. أما اللامركزية الإدارية، فهي أداة تنظيمية يُنظمها القانون العادي ولا تستدعي نصاً دستورياً مفصلاً، لأنها مجرد وسيلة لتحسين الأداء الإداري وتقديم الخدمات بكفاءة أكبر، مع بقاء السلطة العليا بيد الحكومة المركزية.
في الدول الاتحادية مثل الولايات المتحدة وألمانيا، تُنصّ اللامركزية السياسية في الدستور. أما في الدول الوحدوية مثل فرنسا ومصر، فقد يُذكر مبدأ اللامركزية بصورة عامة، لكن التفاصيل تُترك للقوانين العادية.
وإلى مستقبل أفضل.
ألمانيا في 26/8/2025