لاجئون ضاعوا بين الورق

سيماڤ خالد محمد

البارحة كان لديَّ موعد مقابلة مع الأسايش في مركز المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UN)، بسبب زيارتي الأخيرة إلى سوريا شعرت للحظة أن الأمر أشبه بجريمة يُعاقب عليها المرء.

وسط الازدحام، الانتظار والروتين الطويل والممل، لفت انتباهي رجل لم يكن مسناً بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكن متاعب الحياة جعلته يبدو أكبر من عمره بكثير.

كان يرتدي ملابس سوداء داكنة يذهب ويجيء في القاعة بقلق غير قادر على الجلوس أو تحمل الانتظار، من خلال مراقبتي له أدركت أنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، كما أن نطقه لم يكن سليماً فكلماته كانت غير مفهومة.

الموظف طلب منه أن يجلس بانتظار أن يُنادى اسمه، لكن الرجل لم يهدأ ظل واقفاً يسند رأسه على الحائط، كنت أتابعه بعيني طوال الوقت وكل حركة منه كانت تزيد إحساسي بثقل معاناته.

نادى الموظف اسمه واسمي معاً، وقفنا جنباً إلى جنب أمام المكتب سأله الموظف عن أوراقه الثبوتية، فارتبك الرجل وأخرج فقط بطاقة هوية سورية قديمة، ومن خلال أسئلة الموظف فهمت أن حقيبته التي كانت تحتوي على المال والأوراق الرسمية والثبوتيات قد سُرقت، وأن كل ما يملكه لإثبات وجوده ورقة من الأسايش تُفيد بضياع أوراقه لكن حتى هذه الورقة لم تُعفه من المزيد من الطلبات.

الموظف تحت ضغط العمل كان شديد العصبية والإلحاح، طلب منه استنساخ ورقة ثم بعد فترة طلب منه استنساخ أخرى كان الأمر مرهقاً جداً، في لحظة يأس ترك الرجل هويته السورية على المكتب ومضى مبتعداً، سارعت بحمل الهوية وناديته ليلتفت ويأخذها، فهي آخر ما تبقى له ليُثبت أنه إنسان موجود على هذه الأرض.

كنتُ أتعجب لماذا لا يُعطى مثل هذا الرجل قائمة كاملة بكل ما يحتاجه دفعة واحدة بدلاً من أن يُرهق في كل مرة بطلب جديد؟! لم يعجبني الأسلوب حتى وإن كنتُ أتفهم ضغوط الموظفين.

خلال الأسئلة التي كان الموظف يوجهها له، علمتُ مأساته كاملة دون أن يتحدث معي بكلمة واحدة، عرفت أنه فقد زوجته وأنه يعيش مع خمسة أطفال، أحدهم من ذوي الإعاقة عندها انقبض قلبي بقوة كان يقف بجانبي بجسدٍ متعبٍ مهزوم.

خرجت من المركز وقلبي مثقل فذلك الرجل لم يكن مجرد لاجئ ينتظر دوره في طابور طويل، بل كان إنساناً مكسوراً، أباً مكلوماً وشخصاً ضاع بين الورق والقوانين.

شعرت أن مثل هذه الحالات يجب أن تُعامل بخصوصية ورحمة، لا أن تُترك لساعات طويلة في الممرات، يتصلون بنا عبر الهاتف ويعطوننا موعداً في الساعة الثامنة صباحاً، ثم نجلس حتى الرابعة عصراً بانتظار دورنا.

لماذا كل هذا؟ لو كانت المواعيد منظمة لكان الأمر أيسر لهم وللناس.

 

سيماڤ خالد محمد

٢٦-٨-٢٠٢٥

هولير

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…