هل صار الاستجداء هوية كردية؟

د. محمود عباس

هل اعتاد الكُرد على الاستجداء حتى نفرح بما يُمنّ به الآخرون علينا ونزهد بما ننتجه من ذواتنا؟ سؤال يفرض نفسه أمام ما رأيناه من بعض قيادات الحراك الحزبي الكردي، ولا أقول السياسي، وهم يصفقون لخطوة حكومة الجولاني في إدخال اللغة الكردية إلى بعض أقسام الإذاعة والتلفزيون.

المفارقة أن هؤلاء أنفسهم كانوا من أشدّ المعارضين للإدارة الذاتية، بل وحاربوها بكل ما امتلكوا من وسائل، رغم أنها قدّمت ما لم يقدّمه أحد، مناهج دراسية متكاملة من الصفوف الأولى حتى الجامعات، وأقنية كاملة مخصصة للغة الكردية، وأسست لبنية ثقافية وأكاديمية متينة جعلت من اللغة الكردية ركيزة للهوية والمعرفة، ومع ذلك نجدهم اليوم يصفقون لمنّة إعلامية سطحية من حكومة تعادي الكرد وقضيتهم تحت حجج متنوعة، ولا تخفي أهدافها.

وليس من المستبعد أن يكون إدراج اللغة الكردية بهذه الصورة شبيهاً بخطوة حكومة أردوغان حين أنشأت قناة كردية، لم يكن الهدف منها الاعتراف أو الدعم، بل تشويه اللغة والفلكلور الكردي ونشر ثقافة حزب العدالة والتنمية بين الكرد بلغتهم، واليوم، لا أستبعد أن تسخرها حكومة الجولاني لنشر ثقافة تكفيرية معادية، ولتحويلها إلى منصة للهجوم على الكرد أنفسهم ومحاولة زرع الفتن بينهم.

إن كان هناك اعتراف حقيقي باللغة الكردية، فلا بد أن يكون في صلب دستور الدولة، مقروناً باعتراف صريح بالشعب الكردي وحقوقه، ويجب الاعتراف بالكردية كلغة ثانية وبمناهجها، وما أنجزته الإدارة الذاتية في هذا المجال على الأقل، ومنح إداراتها المحلية الصلاحيات اللازمة لترسيخ ما تحقق على أرض الواقع، أما ما يجري اليوم من طرف واحد وبصورة إعلامية سطحية، فلن تكون نتائجه إلا وخيمة.

إن تهليل بعض القيادات الكردية لهذه الخطوة ليس سوى دليل على قصر نظر سياسي وضحالة في الوعي الوطني، وربما نكاية بما حققته الإدارة الذاتية عبر أربعة عشر عاماً من العمل المؤسسي لبناء ثقافة لغوية وتعليمية كردية راسخة، فبدلاً من الدفاع عن المنجز الحقيقي الذي بناه الكرد بجهدهم، يفضلون الركض وراء فتات يُقدَّم في سياق، على الأغلب، سيكون عدائي ومشبوه.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

20/8/2025م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…