كيفية إدراج لغة ثانية كلغة رسمية في سوريا: الكردية نموذجاً. 

شيرزاد هواري

تُعَدّ اللغة الرسمية لأي دولة مسألة سيادية – دستورية تعكس هوية الدولة وتنوعها الثقافي والاجتماعي. في الحالة السورية، يثار الجدل حول إمكانية إدراج اللغة الكردية لغةً رسمية ثانية، أو على الأقل منحها اعترافاً دستورياً ومؤسسياً، خصوصاً في ظل وجود مكونات سكانية واسعة تتحدث الكردية كلغة أم.

إقدام وكالة سانا الرسمية مشكورة على بث برامج بالكردية أو بلغات أخرى قد يُقرأ كخطوة رمزية، لكنه لا يرتقي إلى مستوى الاعتراف الدستوري أو القانوني. فالبث الإعلامي يُمكن أن يواكب التنوع اللغوي، لكنه لا يمنح اللغة أي وضع رسمي ما لم يصدر عن السلطات الدستورية للدولة.

 

من يقرر الاعتراف الرسمي بلغة ثانية؟

  • الجهة الدستورية العليا: الاعتراف بلغة ثانية كلغة رسمية لا يتم بقرار إداري أو إعلامي، بل يحتاج إلى تعديل دستوري أو نص دستوري جديد.
  • البرلمان/مجلس الشعب: الجهة التشريعية المخوّلة بإقرار قوانين دستورية أو تعديلات تتعلق بالهوية واللغة.
  • رئاسة الجمهورية: تلعب دور المصادقة النهائية على أي تعديل دستوري بعد موافقة البرلمان.
  • استفتاء شعبي (عند الضرورة): في بعض الدول، أي تعديل جذري يتعلق بالهوية الوطنية واللغة يُعرض على الشعب مباشرة عبر الاستفتاء.

 

الآليات التنظيمية لإدراج لغة ثانية

  1. صياغة مقترح رسمي: يقدمه نواب أو لجنة دستورية مختصة.
  2. النقاش البرلماني واللجان الدستورية: لمراجعة أبعاد القرار سياسياً، اجتماعياً، ومالياً (تكاليف التعليم، إعادة طباعة الكتب الرسمية، تدريب الكوادر).
  3. التصويت التشريعي: يحتاج عادة إلى أغلبية خاصة، كأغلبية الثلثين.
  4. التنفيذ المؤسسي: وزارات التعليم، الإعلام، العدل، والإدارة المحلية تتبنى اللغة الثانية في المناهج، الوثائق، المعاملات الحكومية، والبرامج الرسمية.
  5. الاعتراف التدريجي: غالباً يبدأ الاعتراف باللغة الثانية في مناطق التركز السكاني الناطق بها، ثم يُعمم وطنياً.

 

أين يُعرض هكذا طلب؟

  • البرلمان (مجلس الشعب): هو المحطة الرسمية الأساسية.
  • اللجنة الدستورية: إن وُجدت، فهي المكان الأولي لمناقشة إدراج لغة ثانية.
  • الحكومة المركزية: يمكن أن ترفع مقترحاً بهذا الاتجاه، لكنها تحتاج إلى موافقة السلطة التشريعية.
  • المنظمات المدنية والسياسية: تضغط وتقدّم مذكرات مطلبية لكنها غير مخوّلة بالقرار النهائي.

 

المسؤول عن الإقرار النهائي

المسؤولية النهائية تقع على:

  • مجلس الشعب السوري (باعتباره السلطة التشريعية).
  • رئاسة الجمهورية (باعتبارها الجهة المصادقة).
  • الشعب (إذا تطلب الأمر استفتاء دستورياً).

 

أثر طبيعة الحكم (مركزي أم لامركزي)

  • النظام المركزي: مثل النموذج الفرنسي أو السوري الحالي، القرار يبقى بيد السلطة المركزية (العاصمة). أي اعتراف بلغة رسمية ثانية يحتاج قراراً موحداً يطبق على كامل البلاد.
  • النظام اللامركزي أو الفيدرالي: مثل العراق أو سويسرا أو كندا، يسمح للمناطق أو الأقاليم بفرض لغتها محلياً حتى إن لم تكن معتمدة مركزياً.
    • في العراق مثلاً: الكردية لغة رسمية ثانية على المستوى الوطني، لكن داخل إقليم كردستان تُعتبر لغة إدارة وتعليم وإعلام أولى إلى جانب العربية.
    • في سويسرا: أربع لغات رسمية (الألمانية، الفرنسية، الإيطالية، والرومانشية) تُعتمد بشكل متوازن ضمن كانتونات فيدرالية.
    • في كندا: الإنجليزية والفرنسية لغتان رسميتان على المستوى الفيدرالي، مع سلطات أوسع لإقليم كيبيك في تعزيز الفرنسية محلياً.

هذا يوضح أن الاعتراف الرسمي لا يعتمد فقط على عدد المتحدثين، بل على طبيعة النظام السياسي ومدى تبنيه للامركزية والتعددية.

 

الرد على دعاة الاعتراف اعتماداً على مبادرات إعلامية

إن بث وكالة سانا لبعض البرامج بالكردية أو غيرها من اللغات يُعدّ مبادرة إعلامية رمزية تهدف إلى إيصال الرسائل الرسمية لشرائح اجتماعية مختلفة. لكنها:

  • لا تمثل اعترافاً دستورياً.
  • لا تمنح اللغة مكانة رسمية في التعليم أو القضاء أو الوثائق الرسمية.
  • تظل في إطار “التواصل الإعلامي” وليس “التشريع الدستوري”.

وبالتالي، من الخطأ اعتبارها مؤشراً كافياً على اعتراف رسمي باللغة الكردية.

 

ماذا يتطلب لإدراج اللغة الكردية

إدراج اللغة الكردية كلغة رسمية ثانية في سوريا يتطلب:

  • إرادة سياسية واضحة.
  • مسار دستوري وتشريعي منظم.
  • تغيير مؤسساتي واسع في التعليم، الإدارة، والإعلام.
  • إعادة النظر بطبيعة الحكم (مركزي أم لامركزي) لتحديد صلاحيات المناطق في إدارة شؤونها اللغوية.

أما المبادرات الإعلامية مثل بث سانا بالكردية، فهي تبقى خطوات رمزية، لا تُعادل اعترافاً دستورياً ولا تلغي الحاجة إلى معالجة الملف في مؤسسات الدولة العليا.

يبقى الأمل لدى شعبنا في إمكانية الحصول على حقوقه الدستورية قائماً ومشروعاً ومن ضمنها الاعتراف الدستوري بالخصوصية التاريخية لنا وسائر المكونات في مناطقها التاريخية

ولاسيما حق التعلم والتدريس باللغة الأم الكردية إلى جانب اللغة العربية الرسمية للدولة في انفتاح تاريخي ينتظره شعبنا ومكونات سوريا من الحكومة الانتقالية تجسيداً لمطالبهم المشروعة في الحياة

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…