إبراهيم اليوسف
لا يفتأ بعض شركاء الوطن أن يسأل بين الفينة والأخرى، أنى تم انتهاك بحق من هم مقربون منهم، قائلين: أين الحقوقيون والكتاب الكرد الذين لا يدينون هذا الحدث أو ذاك؟، منطلقين من فكرة واقعية أن هكذا قضايا لا يمكن أن تجزأ، بل هناك من يتجاوز مثل هذا السؤال غير البريء ويعنف الآخر- الكردي- كما أن هناك من يفتحون أبواب التعليقات في منشوراتهم مشعلين النيران ضد الآخر/ين، بل ممارسين انتهاكات معنوية بحق هؤلاء الشركاء، من خلال إفراغ شحنات سوء التربية، بعبارات نابية لا تستخدم إلا من خلال آشنيات وطحالب فيسبوكية مسمومة، أو بثيّةٍ أكثر إيغالاً في مستنقع العفن الأخلاقي والثقافي، وهناك من يتوعدهم من بين هذا الصنف الافتراضي أو ذاك: علانية، موغراً صدور أولي الأمر الجديد أن احصدوا رؤوسهم، هكذا بكل هذه الصفاقة والوقاحة، متيحاً المجال لتعليقات أشباح أو شبيحة تقطر منها سموم ثقافة الكراهية وإدانة هؤلاء، في إطار بناء سدود بين السوريين، ونحن في أخطر مرحلة تاريخية نمرُّ بها. ولعل مثل هذه النداءات محقة فيما إذا أطلقت ببراءة، لا من أجل تسجيل موقف ضد الآخر، لمواجهته: ها أنت ذا سكت عن الانتهاك بحق سواك، في إطار إسكاته، وردعه، وسلبه المصداقية، واعتباره يرى بعين واحدة، إلا أن كل هذا لا يصمد البتة عندما تكون هذه النداءات صادرة عمن يسعون منذ دخولهم على خط الكتابة، في إطار: إدانة الآخر، والاستقواء عليه، في ظل ظرف استثنائي، تحت هيمنة هذه السلطة أو تلك، وتشويه صورته من دون أن يكون هو ذاته في دائرة الإشارة إليه، كشخص، إلا في إطار الرد.
بدهي، أن المثقف الكردي- عامة- والحقوقي الكردي- على نحو خاص، قد عملا بوتائر عالية، خلال حرب الأربع عشرة سنة الماضية، بلا هوادة، وأن هناك أنموذجاً- كما حالة المحرر هنا- ولا أرافع عني، تشهد مدونتي في الفضاء الأزرق، وتصريحاتي التلفزيونية في بداية الثورة السورية، قبل أن أتناولها نقداً، من بين أوائل الذين نقدوها، من منطلق الانتماء والحرص، قبل انحراف بوصلتها، كما أرى، إذ إنني وقفت مع الحراك السوري، من دون أي استثناء، ولعل مجموعتي الشعرية- ساعة دمشق- وبعض مخطوطاتي عن الثورة، تشهد على ذلك. إذ لم يبق سوري تعرض لانتهاك ما ولم أتناوله، إما كتابياً: ككاتب أو شاعر أو حقوقياً، كمؤسس لأول منظمة حقوقية كردية: منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف، لاسيما عبر إطارنا السوري الجامع” الفيدرالية السورية لحقوق الإنسان” التي أشغل مهمة مسؤول مكتبها الإعلامي، وقد أمضينا سنوات متتالية في الاشتغال على هذا الملف، قبل الثورة وبعدها، وحتى هذه اللحظة.
أستطيع أن أعدد ألف انتهاك تعرض له الكرد في منطقة الجزيرة، ولم يرد أي ذكر لمثل ذلك في بيانات شركاء المكان هؤلاء، ما خلا منشورات رفع العتب عديمة الطعم واللون والرائحة المكتوبة لذر الرماد في الأعين، ولتسجيل الموقف، كما قد يصرح بذلك بعضهم، إلا أن هناك أمرين مهمين، أود الإشارة إليهما:
من يعد إلى صفحتي الفيسبوكية فإنه واجد بلا شك أن أوائل الناشطين الذين تعرضوا في منطقة الجزيرة للاستشهاد على أيدي قوات النظام تناولتهم واحداً واحداً، بالإضافة إلى أن أسماء جميعهم وردت في البيانات التي أصدرناها في المنسقية أو الفيدرالية، طالما قد أعلن عنها من قبل ثقاة. إذ إننا- ومثلي الزملاء العاملون في مجال حقوق الإنسان- نرصد أسماء الضحايا والاعتقالات التي تمت من قبل الجهات جميعها، ولطالما طلبنا ونطلب محاكمات عادلة لجميعهم، إلا أن ما يحدث هو ضخامة حجم الانتهاكات التي خلفتها الحرب أو ارتكبتها الفصائل، فهناك المئات إن لم أقل الآلاف من حالات الانتهاكات التي تمت والتي لم نتمكن من تدوينها لعدم توافر المعلومات أو الرصد الدقيق. أذكر-هنا- كمثال- أن شاباً أتذكر طفولته وكان بين بيتي وبيت أسرته حوالي بضع عشرة متراً فقط، استشهد، من دون أن أتمكن رصد حالته إلا في حدود مرثية على صفحتي، لعدم توافر المعلومات، ولافتقادي الصلة مع أسرته.
زملاؤنا، أكثرهم اضطر للهجرة، ولم يبق في الوطن إلا قلة لا تتوافر لديهم إمكانات الحصول على كل معلومة، نتيجة جملة تحديات، لاسيما أننا جميعاً نعمل كمتطوعين، ولذلك فإن هناك حالات كثيرة قد لا نستطيع رصدها، لأننا لم نسمع بها، لاسيما أن بعضهم- من قبل هذا الفصيل أو ذاك- يقدم معلومات زائفة، لا يمكن اعتمادها، بل هناك معلومات مضللة، كما أن هناك مَن مِن شأنهم تحويل من يشارك في الحرب على أنه ضحية رأي سلمي، على يد هذه الجهة أو تلك.
وبدهي، أنه مع اتساع الشريط الزمني للحرب، بل مع اتساع بقعة الحرب، بالإضافة إلى كثرة الضحايا، فإن بلداً سقط فيه مئات الآلاف من الضحايا، ناهيك عن مئات الآلاف من المعتقلين، قد لا تستطيع منظمة طوعية تعتمد في الوطن على شخصين- فحسب- يعملان كزملائهما طوعياً، من دون أية إمكانات متوافرة، بعكس من يعملون لصالح جهات لها مئات الموظفين، أو المتعاونين، تغطية كل الحالات، كما أن النقطة الأكثر أهمية أن أي انتهاك يعلمنا ذوو الضحية أو المقربون الثقاة به: خطفاً، أو أسراً، أو قتلاً، فإننا نتناوله، إضافة لعملنا، أية كانت الجهة المنتهكة، وعندما نرصد حالة ما ولا يتم رصدها من قبل سوانا فإننا لا نكترث بالأمر، لاسيما إن هناك أربع جهات حقوقية كردية، بينما هناك مئات الجهات المعنية في سوريا، وآلاف الجهات المماثلة: عربياً، ناهيك عن المنظمات الدولية التي يصلها كل شيء.
أتذكر، أننا عندما كنا في الوطن لم ندع أي انتهاك بحق الآخر، من دون رصده، بينما كان كثيرون ممن يعاتبوننا اليوم، يرافعون عن الانتهاكات التي تتم بحقنا ككرد، ولنا فيما جرى في فضاء انتفاضة الثاني عشر من آذار أكبر الأدلة الموثقة، بينما نرفض أن نكون إلى جانب أي منتهك بحق الآخر: الكردي قبل سواه، ولي كتب في انتهاكات الكردي ذاته!
ذلك الصنف من معاتبينا، قد يريد منا أن نقف ضد ابن المكان: السوري الكردي أو العربي وهو يواجه فصائل الارتزاق، وأن نساوي بين داعش وابن المكان هذا، بينما مهمتنا رصد ما يتم من انتهاكات على الساحات كلِّها، وبأيدي الأطراف كلها، نطالب المحاكمة العادلة لكل متهم، ولو كان داعشياً.
ثم ما الضير، إذاً، في أن يرصد كلٌّ الانتهاكات التي تتم في بيئته، باعتباره أدرى بها، وله مصدر معلومات ضمنها، من دون أن يخون الآخر، أو يتطاول عليه، لاسيما إن المرحلة الانتقالية قادمة، إن عاجلاً أو آجلاً، ولا يمكن لأي انتهاك تم، ورصد من قبل هذه الجهة أو تلك، إلا ويتم التحقيق فيه.
من النذر إلى النذير:
ثمة من يتطاول ويشتم قائلاً: هؤلاء قنديليون، وهو يكذب، إذ إن لا أحد في منظمة ماف- على سبيل المثال- قنديلي وهكذا بالنسبة لزملائنا في المنظمات الأخرى الكردية والسورية، ولطالما تم التشهير بزملاء لنا لأن خبراً تسرَّب أو ترشح أو لفق، من هنا او هناك من قبل بعضهم بأن ممثلاً لنا عمل في مجال رصد حقوقي دولي للانتهاك الفلاني، من قبل أحدهم من جمهور الفصيل الكردي- السوري، سواء أكانت المعلومة كاذبة أم صحيحة!
أستغرب درجة التطاول والافتراء، ضمن ثقافة الكراهية التي تبدر بحق مناضلين حقيقيين، عملوا بكل نزاهة وشرف وإخلاص ومبدئية، في الوقت الذي ينبغي إنصاف هؤلاء، وتكاد تخلو تصريحات هؤلاء من الوقوف مع الآخر، إن لم تكن في جزئها الأكبر تحريضية ضده، كما طائر تجرده من ريشه وأجنحته وقوائمه، وتطالبه بالتحليق، مادام أنه يطلب أن يكون على قدم المساواة مع حقوق الآخر، لا من يقول له: البيت بيتك، اسكن في إحدى غرفه الآيلة للهدم، وحذار أن يكون سند الملكية، أو عقدها، باسمك، ولا حتى أن يكون اسمك بجانب اسمي!؟