نوروز الإيرانيين في قبضة ولاية الفقيه!

نظام مير محمدي*

 

نوروز، العيد الإيراني العريق والكبير، كان منذ القدم رمزًا للتجدد والفرح والارتباط بالطبيعة. يُحتفل بهذا العيد مع بداية الربيع، في الأول من فروردين حسب التقويم الهجري الشمسي (الموافق 20 أو 21 مارس)، وهو متجذر في الثقافة الفارسية وحضارة إيران التي تمتد لآلاف السنين. في عام 1404 الشمسي، الذي يبدأ يوم الجمعة 21 مارس، سيحتفل الإيرانيون مجددًا بهذا التقليد القديم، لكن السؤال الذي يشغل أذهان الكثيرين هو: هل لا يزال نوروز في إيران اليوم يحمل تلك البهجة والمعنى اللذين كانا يميزانه في الماضي؟

في النصوص التاريخية، منذ عهد الهخامنشیین والساسانيين وحتى ما بعد الإسلام، كان نوروز رمزًا للهوية الوطنية والمقاومة الثقافية ضد الغزاة. حتى بعد دخول الإسلام إلى إيران، لم يفقد نوروز بريقه، بل امتزج بالعادات الإسلامية وحافظ على مكانته. على مدى قرون، احتفظ الإيرانيون بنوروز كعلامة على صمودهم وفرحهم. مائدة “هفت‌سین”، بما تحمله من رموز مثل التفاح (الصحة)، والسبزة (الحياة والنشاط)، والسمنو (الحلاوة والبهجة)، ليست مجرد تقليد، بل تعبير عن فلسفة عميقة للأمل وتجديد الحياة.

لكن منذ فبراير 1979، عندما سيطر نظام ولاية الفقيه بقيادة الخميني على إيران، وقعت أفراح نوروز تحت ظل ثقيل من الرجعية والعداء للتقاليد الوطنية الإيرانية. هذا النظام، الذي يقدم نفسه على أساس أيديولوجيا دينية، كان منذ البداية على خلاف مع العديد من التقاليد الإيرانية، بما في ذلك احتفالات نوروز المبهجة. وعلى الرغم من أن نوروز لم يُمنع رسميًا، فإن الأجواء السائدة في البلاد – المشبعة بالقيود الاجتماعية وقمع الحريات ونشر الحزن والكآبة – سلبته فرحته الأصيلة من الإيرانيين.

يسعى نظام ولاية الفقيه، من خلال تعزيز ثقافة العزاء والتركيز على الطقوس الدينية الحزينة، إلى تهميش أفراح الشعب. تُظهر القمع الجامح للنظام الإيراني أنه لا يعادي الفرح فحسب، بل يرى في أي تجمع أو تعبير عن السعادة تهديدًا لسيطرته الاستبدادية الدينية. ونتيجة لذلك، تحول نوروز – الذي كان يومًا مليئًا بالضحك والسرور – إلى مناسبة حذرة ومحدودة لدى الكثير من الإيرانيين، حيث حلّ خوف العناصر القمعية الحكومية محل البهجة والفرح.

من ناحية أخرى، جعلت المشاكل الاقتصادية – الناتجة عن سوء الإدارة والعقوبات المرتبطة بسياسات هذا النظام – نوروز أكثر مرارة بالنسبة للشعب المضطهد. أصبحت موائد “هفت‌سین” خالية لدى العديد من العائلات بسبب الفقر وارتفاع الأسعار. كما تلاشت زيارات الأهل والأصدقاء، التي كانت جوهر نوروز، بسبب الضغوط المالية والهجرة القسرية للكثير من الإيرانيين. بينما يدّعي مسؤولو النظام في خطاباتهم أنهم يحترمون نوروز، فإن سياساتهم في الواقع جردته من معناه وفرحته.

لكن في أعتاب نوروز 1404، يتردد صدى الأمل والتغيير. فقد وجهت السيدة مريم رجوي، يوم الثلاثاء 18 مارس، رسالة إلى الإيرانيين، وصفت فيها العام المقبل بأنه بشير عصر جديد في تاريخ إيران ومصيرها. وأكدت أن عام 1403 الشمسي (العام الماضي) كان مليئًا بالهزائم لنظام ولاية الفقيه، من سقوط دعائمه الإقليمية إلى انهيار قواه الوكيلة وتفكك قاعدته الاجتماعية. في المقابل، يمكن أن يكون عام 1404 الشمسي عام انتصار الشعب الإيراني، حيث حان وقت “التنظيف الكبير”. وأشارت إلى أن النظام، الذي سجل 1142 عملية إعدام في عام واحد، بات محاصرًا بين خياري الانتحار أو الموت. لكن على جبهة الشعب، تنبثق كيانات ثورية في المدن، وتتشكل حالة ثورية للإطاحة بالنظام. وصفت رجوي نوروز هذا العام بعيد التغيير والثورة، مستندة إلى مجتمع يعتمد على ملايين الشباب الواعين، والعمال المنتفضين، والمتخصصين المناهضين للنظام، والإيرانيين في الشتات، جميعهم مستعدون لاقتلاع الاستبداد الديني وبناء جمهورية ديمقراطية. كما دعت المجتمع الدولي إلى تفعيل آلية “الزناد” ووضع النظام تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لإنهاء تهديداته للسلام العالمي. هذه الرسالة جعلت من نوروز ليس مجرد احتفال تقليدي، بل رمزًا للنهوض من أجل الحرية والعدالة.

ومع ذلك، يبقى نوروز رمزًا للمقاومة بالنسبة للإيرانيين. فالشعب الإيراني، حتى في أقسى الظروف، يحاول الحفاظ على هويته من خلال نصب مائدة “هفت‌سین” والتمسك بتقاليده. لكن الحقيقة أنه طالما ظل ظل الاستبداد الديني يخيّم على هذه الأرض، فلن يستعيد نوروز بهجته ومجده اللذين يستحقهما. سيظل نوروز 1404، كما في السنوات الماضية، تذكيرًا للإيرانيين بالحقيقة المرة أن الفرح، هذا الحق الإنساني الطبيعي، لا يزال أسيرًا في قبضة ولاية الفقيه. لكن ربما، كما تقول السيدة رجوي، يكون هذا العام عام النهوض والقدرة، عام يحمل معه نوروزًا سياسيًا واجتماعيًا لإيران.

* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…