نعم ، ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب… ولكن!

اكرم حسين 

 

طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله 

هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس كثرتها على مستوى التمثيل أو الفاعلية السياسية. لكن رغم وجاهة كثير من الملاحظات التي وردت في مقاله، يبقى السؤال الأهم: هل تكمن المشكلة في وجود الأحزاب أم في طبيعة أدائها وتركيبتها الحالية؟

الأحزاب، في جوهرها، ليست سوى أدوات تنظيم وتمثيل وصراع سياسي سلمي، وهي واحدة من أرقى إنجازات البشرية في طريق بناء الحياة الديمقراطية. لا يمكن لمنظمات المجتمع المدني، مهما اتسعت أدوارها، أن تحلّ محل العمل الحزبي المنظم في بناء السياسات، وصياغة البرامج، والمنافسة على السلطة، ومحاسبة الحكومات. فالأدوار تختلف، وإن تلاقت في بعض المساحات.

ما نشهده اليوم ليس تراجعاً في ضرورة الأحزاب، بل في مصداقيتها وأهليتها للقيام بدورها التاريخي. الأحزاب لا تفقد مشروعيتها لمجرد وجود عشرات منها أو لكون بعضها يفتقد للحضورالشعبي أو السياسي ؛ بل تكمن الإشكالية في انحراف كثير منها عن وظيفتها التمثيلية، وتحوّلها إلى أدوات للسلطة أو الانقسام أو التجييش الأيديولوجي.

أما ما قيل عن انقسام المجتمعات بسبب الأحزاب، فذلك لا يدل على فشلها بقدر ما يعكس غياب ثقافة التعددية داخلها. الانقسام ليس ناتجاً عن التعدد السياسي، بل عن غياب إدارة هذا التعدد ضمن أطر ديمقراطية. حتى المجتمعات التي تعاني من استقطاب حاد، كالولايات المتحدة، لا يمكن تصور نظامها السياسي دون أحزاب، رغم كل النقد الموجه إليها.

وفي الحالة الكردية، فإن نقدنا لتشرذم الحالة الحزبية يجب ألا يقودنا إلى رفض الأحزاب بالمطلق، بل إلى السعي لإصلاح بنيتها، وتحديث آليات عملها، ودمقرطة هياكلها، وضبط معايير تمثيلها. نحن بحاجة لأحزاب وطنية بحق، لا أدوات شخصية أو عائلية أو عشائرية. أحزاب تنشأ من رحم المجتمع وتعبر عن همومه وتطلعاته، لا عن ولاءات ما قبل وطنية.

البديل ليس في إلغاء الأحزاب، بل في تجاوز النماذج المتكلسة، وفي ابتكار صيغ حزبية جديدة، مرنة، تشاركية، تحترم التخصص، وتستوعب الرأي الآخر، وهذا لا ينفي الدور الحيوي للتنظيمات المدنية، بل يؤكد ضرورة التكامل بين الطرفين.

باختصار، لسنا أمام خيار إلغاء الأحزاب، بل أمام تحدي إعادة إنتاجها بما يتناسب مع تحولات العصر واحتياجات المجتمع. الأحزاب ليست عبئاً بحد ذاتها، وإنما تتحول إلى عبء حين تفقد صلتها بالشعب، وتصبح غايات مغلقة بدلاً من أن تكون وسائل وطنية.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…