نداء عبر رسالة مفتوحة

خليل مصطفى
إلى شعوب الأمة السورية،
إلى رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع وحكومته الانتقالية،
إلى إخوتنا شعوب الجزيرة (والعرب تحديدًا)،
عن طريقكم (أعلاه) أوجِّه خطابي إلى إخوتنا (عرب الجزيرة) الداعين لعقد ملتقى ثوار وأحرار الحسكة في العاصمة السورية دمشق، تحت شعار: “معًا لتحرير الجزيرة السورية.”
أولًا
إننا، نحن كورد الجزيرة، كنَّا (ولا نزال) نعتبر أصحاب الدعوة للملتقى إخوة أعزَّاء، فقد خلقنا الله تعالى بشرًا، لكنني أستغرب خطاب أحدهم (من الداعين للملتقى) الذي وجَّهه إلينا (ككورد الجزيرة)، قائلاً حرفيًا:
“ما قصة بعض الثيران الهائجة من شركائنا الأعزاء في الوطن؟ لماذا فقدوا صوابهم؟ لماذا كل هذه الهجمة بهذه اللغة العنصرية والوضيعة التي لا تليق بزعران؟ ما الذي يجعلهم يهيجون كالثيران المنفلتة بدون ضابط وبدون أخلاق، وبحجج متهافتة، فقط لأننا طرحنا برنامجًا وطنيًا لا يتضرر منه إلا عصابات قنديل الإرهابية؟”
  1. اسألوه (صاحب الخطاب): أهكذا يُخاطب الأعزَّاء بعضهم بعضًا؟ ألم يقرأ قول الله تعالى (خالق العرب والكورد): “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” (النحل 125)؟
سبيل ربك: هو الصراط المستقيم في الأقوال والأفعال.
الحكمة: كل كلام أو علم يُراعى فيه إصلاح حال الناس.
الموعظة: المقالة الحسنة التي يُحبها ويتقبلها الناس.
المجادلة: من الجدل، وهو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة.
  1. اسألوه (صاحب الخطاب): ألم يكن ذلك كله منهجًا لرسول الله محمد ﷺ وسُنته، ودعوته إلى كل الناس؟ وكان ﷺ في خطابه يجمع بين الترغيب والترهيب، والرجاء والخوف، واللين والشدة، ودليلي قوله ﷺ التحذيري: “إياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم، فعليكم بسنتي.”
  2. اسألوه (صاحب الخطاب): أيُّ منطق وطني وإنساني دعاك لتصف شركاءك الأعزاء بـ”الثيران الهائجة المنفلتة بدون ضابط وبدون أخلاق” و”الزعران المنفلتين بدون ضابط وبدون أخلاق”؟
  3. اسألوه: ألم يقرأ قول الله تعالى: “وَمَنْ يَظْلِمْ مِنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا” (الفرقان 19)؟
  4. اسألوه: ألم يقرأ قول رسول الله محمد ﷺ: “كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ”؟
  5. اسألوه: ألم يقرأ قول رسول الله محمد ﷺ: “أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاكَ بما يكرهه. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتّهُ.”
  6. اسألوه: ألم يقرأ قول رسول الله محمد ﷺ: “لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا… وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لا يَظلِمُهُ، ولا يَخذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ.”
لا تحاسدوا: لا يحسد بعضكم بعضًا، والحسد هو تمني زوال نعمة الله عن الغير.
ولا تناجشوا: لا يزد بعضكم في ثمن سلعة لا يريد شراءها لخداع غيره.
ولا تباغضوا: لا تتعاطوا أسباب البغضاء من غيبة ونميمة وغيرهما.
ولا تدابروا: لا تفعلوا ما يوجب التدابر والبغضاء والظلم.
ثانيًا
أسأل نفسي وأبناء الأمة السورية (دون استثناء):
أما آن لنا أن نتعظ مما حدث خلال الأعوام (2011-2024) من جرائم القتل والسلب والتهجير القسري، التي وقعت نتيجة لسوء الأخلاق (الحسد، التناجش، البغض، التدابر) التي حرَّمها الله؟
ألا يقتضي الواجب على كل شخص من شعوب سوريا عامة، وشعوب الجزيرة خاصة، أن يُحاسب نفسه، ويحذر مما حرَّم الله عليه؟
ثالثًا – للعظة
أُذكِّر أبناء الأمة السورية (دون استثناء) بما يلي:
في أوج أحداث آذار عام 2004، برز الموقف الإنساني والوطني النبيل لزعماء عشائر عرب الجزيرة، موقف لا ينساه كورد الجزيرة، بل سيظل محفورًا في الذاكرة الكوردية.
حينها، لم تتعاون غالبية عرب محافظة الحسكة (شيوخ وأبناء العشائر) مع أجهزة النظام البعثي على قمع كورد المحافظة، ولم يتخذوا أي موقف عدائي تجاه كورد الجزيرة.
دليل ذلك: اجتماع قرية جرمز (القريبة من قامشلو)، الذي عُقد بدعوة من مسؤولين محليين (أمنيين وعسكريين وبعثيين)، حيث بدأ هؤلاء المسؤولون بتحريض شيوخ وزعماء العشائر العربية على الكورد، واقترحوا تزويدهم بالسلاح لمقاتلتهم.
لكن غالبية شيوخ العشائر رفضوا المقترح، بل رفضوا أي اعتداء على الكورد، قائلين: “نحن أهل وأقارب وبيننا صلة رحم، وفي حال حدوث أي اعتداء عليهم، سنقف ضد من يقاتل كورد الجزيرة.” وهكذا، فشل المحرِّضون.
بالمحصلة
كلمتي لرئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع وحكومته الانتقالية:
  1. إن إخوتنا الداعين لملتقى ثوار وأحرار الحسكة في دمشق تحت شعار “معًا لتحرير الجزيرة السورية”، ليسوا حريصين على تراب الوطن السوري. فلو كانوا صادقين، لظهر حرصهم في وجه الاحتلال التركي لعفرين وتل أبيض ورأس العين.
  2. يبدو أنهم راغبون في إفساد الحياة في الجزيرة، وتحويل مناطقها إلى ساحات معارك يسودها الفلتان الأخلاقي والوطني. إنهم يدعون علنًا للجينوسايد / التطهير العرقي، ويطلبون رأس الكوردي، متناسين أن الكورد ليسوا قطيعًا مباحًا لمن يشاء ذبحه.
أخيرًا – سؤال هام
هل سيسمح رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع وحكومته الانتقالية بعقد ملتقى ثوار وأحرار الحسكة، وهل سيدعمونه؟
جوابي (أنا خليل مصطفى): لا أعتقد.
الخميس 30/1/2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في معادلة السياسة، من يملك القوة على الأرض يحدد شروط التفاوض، لكن في المشهد الكوردي السوري، يبدو أن هذه القاعدة مقلوبة رأسًا على عقب، فبدلاً من أن تجعل الأحزاب الكوردية من قامشلو مركزًا لفرض شروطها والتفاوض من موقع القوة، نراها تتهافت على أبواب دمشق، وأولهم المجلس الوطني الكوردي أو من يمثله، ولا نظن بأنهم يمثلون…

محمد صالح شلال   مع سقوط نظام بشار الأسد دخلت سوريا مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص، فبعد الإعلان عن الحكومة الجديدة وتنصيب قائد قوات العمليات السيد أحمد الشرع رئيساً للدولة السورية الجديدة بات لازماً عليهم إعادة هيكلية الدولة على أسس ديمقراطية تتسع لجميع مكوناتها الاثنية والطائفية، تلعب القوى الإقليمية والدولية دوراً بارزاً في تشكيل المشهد السياسي الجديد ، في وقت…

صلاح بدرالدين سبق وكتبت حول ( مؤتمرات الحوار الوطني ) والفرق بينها وبين ( المؤتمر الوطني الجامع ) والتي عقدتها اللجنة التحضيرية ” المشكلة كما هو معروف من لون واحد “على أساس المحافظات ، على انها اجتماعات عامة استشارية مقتصرة على الذكور في الغالب ، والمشاركون فيها غير منتخبين ، وليسوا مخولين بالتحدث باسم مكونات تلك المحافظات…

اكرم حسين.   كُلّنا سُوريّون، لأنَّ الانتماء إلى هذا الوطن يجمعُنا تحت سماءٍ واحدةٍ. لكنَّ الحبَّ الحقيقي للوطن لا يعني إلغاء الهويات أو التنكّر للحقوق، بل يرتكز على الاعتراف المتبادل بالتنوع الذي يُغني سوريا ويُقويها. إن قولنا “كُلّنا سُوريّون” لا ينفي حقي في التمسك بهويتي الكردية، بل يَجعل منها ركيزةً لِوطنٍ يتسع لكل أبنائه. لا تكتمل الهوية الوطنية إلا باحترام…