عبدالوهاب پيراني
في ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن، تتجدد المأسي التاريخية وتلتقي مع محاولات تركيا الراهنة لاستعادة النفوذ عبر دعمها أذربيجان في صراع ناغورني كاراباخ، كما تبرز أهمية الأخوة التاريخية بين الشعبين الأرمني-الكردي في مواجهة العدو المشترك .. تركيا الفاشية الطورانية التي مارست سياسة الإنكار والتهميش والإبادة ضدهما على حد سواء، فالدولة التركية تدعم أذربيجان لتحجيم الجغرافية الأرمنية، ولتأكيد هيمنتها الإقليمية، في سياق يتماشى مع إرث إنكار الإبادة الجماعية لعام 1915.
ومن جهة أخرى، خاض الكرد نضالات مشتركة مع الأرمن ضد القمع التركي وضد محاولات الإبادة، كان أبرزها فتح ممرات النجاة لضحايا الإبادة عبر ديار بكر وعينتاب وصولاً إلى حلب والموصل، بمساندة قادةٍ امثال الشهداء السيد رضا (1863-1937)قائد ثورة ديرسيم، وشيخ سعيد بيراني (1865-1925)قائد ثورة 1925 ،وبدعم لوجستي من زعيم الإيزيديين حمو شرو(1849-1932) في جبال شنگال بمساعدة مباشرة من الشيخ أحمد البارزاني.(خودان)(1896-1969)
هذه الروابط التي امتدت عقوداً تثبت أن الأكراد والأرمن ليسا مجرد جيران، بل شركاء في التاريخ والجغرافية والثقافة والمقاومة ضد الطورانية التركية.
وبالعودة للتاريخ وتحديدا إلى العام 1915 وفي أتون الحرب العالمية الأولى بين قوات الحلفاء والمحور شرعت السلطات العثمانية عمليات الترحيل القسري وعمليات القتل المنظمة ضد الأرمن في الأناضول، وذهب ضحية تلك العمليات العسكرية الممنهجة نحو 1.5 مليون أرمني قضوا خلال عامين من المجازر والمسيرات المميتة ضمن صحراء سوريا والعراق حسب مؤرخين وتقارير توثيقية عالمية نشرت في الصحافة آنذاك، وبالرغم من الأدلة الوثائقية الواسعة، مازالت تركيا ترفض الاعتراف الرسمي بجريمتها إبان حكم السلطان عبد الحميد الثاني، ومنذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، اعتمدت أنقرة على قانون تجريم “التجديف على الأمة التركية” في المادة 301 من قانون العقوبات لمنع الاعتراف بالإبادة، كما قيدت توظيف الكلمة “genocide” في الأوساط الأكاديمية والإعلامية التركية، وتشددت الرقابة على أي مشروع لتصحيح التاريخ أو إطلاق مناهج تعليمية تعترف بالضحايا الأرمن في عهد حكم أردوغان، فقد قدمت حكومة أردوغان الدعم إلى أذربيجان سياسياً وعسكرياً بخصوص النزاع على إقليم ناغورني كاراباخ، بدءاً من التسليح المباشر إلى التدريب والاستخبارات المشتركة، في محاولة لضرب الوجود الأرمني ومحاصرته داخلياً وخارجياً، فقد مارست تركيا وتحديداً في خريف 2020 دوراً محورياً في العمليات التي استرجعت فيها باكو سيطرتها على مساحات واسعة، وذلك بإرسال تركيا عناصر من فصائل متشددة من المرتزقة السوريين الذين رهنوا أنفسهم لصالح سياسات تركية قذرة ضد مكونات شمال وشرق سوريا وضد الشعب الأرمني في معارك ارتساخ، حيث تحاول تركيا إعادة فرض نفوذها كأمتداد للسلطنة العثمانية. ولتهديد مصالح الشعبين الكردي والارمني، وهذه النقطة عمل عليها كثيرا لزرع الفتنة والخلاف بينهما منذ ماقبل الإبادة وإلى اليوم، دون أن يعلم أن صفحات التاريخ طالما دونت مراحل مهمة من التحالف المتين بين الشعبين ضد عمليات القمع التركي العثماني واستمرت العلاقات الجيدة بين الشعبين ومنذ فجر التاريخ بين مكونات المنطقة وكان الشيخ سعيد بيراني (1883–1925)، القائد الكردي الذي قاوم التعريب والتتريك، وساهم في توفير ممرات آمنة للأرمن وحماية قوافل المهجرين قسرا ً عبر ديار بكر وصولا إلى حلب و شنگال عبر ممرات آمنة اشرف عليها عبر التنسيق مع الزعماء حمو شر وأحمد بارزاني الذين بذلوا جهوداً جبارة لتأمين الماء والغذاء والحماية والرعاية لقوافل الفارين من الموت، رغم صعوبة الوضع وحالة الفقر والركود الاقتصادي الذي كانت تمر بها مناطق كردستان نتيجة الحرب العالمية الأولى.
تلك الصفحات النضالية الناصعة ينبغي أن تكون حاضرة في أذهان الأرمن والكرد اليوم ،وعليها أن تكون مثالا لاخوة الشعوب وتكاتفها من أجل نيل مطالبها وحقوقها، وتعد عملية تعزيز العلاقات بين الكرد والأرمن وسائر المكونات في المنطقة ضرورة استراتيجية لمواجهة السياسات الانكارية التي تحاول النيل من وجود وإرادتها.
وختاما
لابد من كتابة التاريخ من جديد، ودعم مشاريع توثيق الشهادات والروايات الشفوية من قبل الاحفاد، بما في ذلك مقابلات مع أحفاد السيد رضا والشيخ سعيد بيراني، وفتح الارشيف السياسي لدى الزعامات والمراكز الثقافية والدينية والسياسية والاستفادة منه في كتابة بحوث ودراسات تستند إلى الوثائق والحيادية في تحليل احداث التاريخ المأساوي لشعوب المنطقة، وتفعيل حالة التضامن الكردي الأرمني لمناهضة الرؤى التركية الشوفينية الانكارية، ومن أجل الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها ضمن الاتحادات الاختيارية كحق مبدئي، كما أنه من الأهمية الاستمرار في إقامة مهرجانات مشتركة للتراث الموسيقي والفلكلوري في مناطق التواجد الكردي والارمني كأسلوب حضاري لرفض سياسية التهميش والاقصاء ولتعزيز الهوية المشتركة بين شعوب ومكونات المنطقة.
واخيرا ..
إن الإبادة الجماعية للأرمن والملاحقة الدائمة للكرد تحملان عبرة نادرة عن مخاطر القومية المتطرفة، إن تعزيز الأخوة التاريخية بين الأرمن والكرد يشكل درعاً ثقافياً وسياسياً ضد محاولات تركيا الفاشية لترسيخ روايتها الأحادية وبث الفرقة بين المكونات المتنوعة في الشرق الأوسط.
مصادر المادة :
موقع منظمة العفو الدولية حول اعتراف الإبادة الأرمنية (Amnesty International)
الأرشيف الرقمي لمؤسسة “ديوان ليفنت” عن الشتات الأرمني والكردي
كتاب “الكرد الأرمن: تاريخ نضال مشترك”، تأليف كارميل خانجي
وثائقي “ممر الحياة”، عن إنقاذ الأرمن في ديار بكر عبدالوهاب پيراني
ثورة شيخ سعيد بيراني ثورة وطنية ، وليست حركة دينية – صحيفة روناهي – عبدالوهاب پيراني









الصور وثائقية
صور الشهداء الأرمن
صورة نادرة تجمع بين الشيخ سعيد بيراني وسيد رزا
صورة الزعيم الايزيدي حمو شرو
صورة عائلة شيخ سعيد مع زعماء حركة حرية كردستان
الاحفاد يكملون ما بدأه الأجداد