د. علي القره داغي
الحمد لله الذي جعل التوافق بين أبناء الأمة من أسمى الغايات، ورفع من شأن العدل والمصالحة، وأمر بالحوار والائتلاف، وجعل السياسة الحكيمة قائمة على العدل والإحسان والموازنة بين المصالح والمفاسد، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
في سياق المسؤولية الشرعية، والواجب الفقهي، والتقدير السياسي للمآلات، قمنا بزيارة الجمهورية العربية السورية على رأس وفدٍ من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث التقينا بفخامة الرئيس السوري السيد أحمد الشرع حفظه الله، تلبيةً لدعوته الكريمة. وقد كان اللقاء فرصةً للتباحث في قضايا جوهرية تتعلق بمستقبل سوريا وأهلها، في ضوء مقاصد الشريعة، وأحكام السياسة الشرعية، ورؤية الأمة في صناعة نهضة تستند إلى العدل والتوازن والاستقرار.
المشاركون في اللقاء
ضم وفد الاتحاد كلًّا من:
فضيلة الشيخ عصام البشير
فضيلة الشيخ محمد الحسن الددو
فضيلة الشيخ محمد جورماز
فضيلة الشيخ علي الصلابي
فضيلة الشيخ محمد الصغير
فضيلة الشيخ سلطان الهاشمي
فضيلة الشيخ محمد اليافعي
وحضر من الجانب السوري:
الدكتور أحمد الشيباني – وزير الخارجية
فضيلة الشيخ أسامة الرفاعي
فضيلة الشيخ محمد أبو الخير شكري
بين الفقه والسياسة: نحو عقدٍ اجتماعي جديد
لقد كان اللقاء فرصةً لمناقشة مسار سوريا بعد سنواتٍ من المعاناة، حيث استعرض فخامة الرئيس الشرع تطورات المشهد السياسي والاجتماعي، مبينًا الإنجازات التي تحققت، والتحديات التي لا تزال قائمة، ومن أهمها توقيع الاتفاق مع (قسد)، وهو ما يمثل خطوةً متقدمة نحو تحقيق السلم الأهلي، وإعادة ترتيب المشهد وفق رؤيةٍ وطنية جامعة.
لقد أكدنا، من موقعنا الشرعي والفكري، أن مسألة الحكم والسياسة في الإسلام تقوم على المصلحة العامة، وليس على الانفراد والاستئثار، وأن العدالة الانتقالية هي مبدأ فقهيٌ راسخ، لا يمكن تجاوزه، لأنها تضمن حقوق المظلومين وتحقق الاستقرار دون أن تكون أداةً للانتقام أو الانتقاص من مكونات الشعب. وقد شددنا على أن السياسة الشرعية تقتضي تحقيق المصالح الكلية للأمة، وهو ما لن يتحقق إلا إذا تم إشراك جميع أبناء الوطن في صناعة القرار، وفق قاعدة “وأمرهم شورى بينهم”، وبعيدًا عن منطق الغلبة والإقصاء.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: موقفٌ ثابت ورؤيةٌ متجددة
إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، انطلاقًا من دوره العلمي والفقهي، لا يتعامل مع الأوضاع السياسية بمنطق الصراعات العابرة، وإنما يستند إلى رؤيةٍ تأصيلية، قائمةٍ على الجمع بين المقاصد الشرعية والواقع السياسي والاجتماعي. ومن هذا المنطلق، أكدنا لفخامة الرئيس أن المرحلة القادمة تتطلب:
- إعادة بناء الدولة على أساس العدل والمواطنة الحقيقية، حيث لا تكون السيادة حكراً على فئة دون أخرى، بل يشترك الجميع في صناعة القرار وتحمل المسؤولية.
- تعزيز قيم المصالحة الوطنية، وفق قواعد العفو المشروط بالعدالة، وليس العفو الذي يكرّس الظلم أو يشرعن الاستبداد.
- ترسيخ مبدأ الشورى الحقيقية، من خلال بناء منظومة سياسية تتيح لكل فئات الشعب المشاركة في إدارة شؤون البلاد.
- الاستفادة من الطاقات السورية في الداخل والخارج، بحيث تتحول الكفاءات المهاجرة إلى رصيد استراتيجي لدعم النهضة الوطنية.
سوريا: نحو مستقبلٍ قائم على الفقه والعقل والسياسة الرشيدة
إن سوريا، بحكم موقعها الجغرافي، وثقلها الحضاري، ودورها في قلب الأمة، لا يمكن أن تُدار وفق عقلية الماضي، وإنما تحتاج إلى وعيٍ جديد، يجمع بين حكمة الفقهاء، وبصيرة المفكرين، ورؤية القادة السياسيين. ومن هنا، كان تأكيدنا على أن التحدي الأكبر ليس مجرد إنهاء النزاعات، بل في بناء دولة حديثة، تستند إلى ميزان الاستخلاف الذي يجمع بين القيم الإيمانية ومتطلبات التقدم العلمي والتكنولوجي.
وقد ختمنا اللقاء بالدعاء أن يحفظ الله سوريا، ويجمع شمل أهلها، ويهيئ لها من أمرها رشداً، وأن يكون الحوار والتفاهم هما المساران الرئيسيان لحل النزاعات، بعيدًا عن منطق الصراع الصفري، لأن العدل أساس الملك، والحكمة ضالة المؤمن، والسياسة الرشيدة هي التي تحافظ على الحقوق، وتدفع بالوطن إلى الأمام.
الدوحة: 13 رمضان 1446هـ – 13 مارس 2025م
أ.د. علي محيي الدين القره داغي
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين