صبري رسول
دخل السّيد أحمد الشّرع مدينة دمشق في السّابع من ديتسمبر كرجلٍ سياسيّ قبل أن يكون عسكرياً بعد إن زحفت قواته من إدلب أقصى الشّمال الغربي إلى عاصمةٍ تُعَدّ من أكثر المدن تحصيناً في سوريا، حيث قوات حزب الله والحرس الثّوري الإيراني وقوات الحرس الجمهوري تحيط بها، وإحدى العواصم التي اختلف عليها العالم كلّه.
سوريا التي حكمها وجهٌ واحد، منذ 54 سنة، ودجَّنَ الشَّعب السّوري بكلّ تنوعه العرقي والديني، وحوّله إلى مزرعةٍ خاصّة للعائلة الحاكمة، وبنى شبكةً مُحكَمة من الأجهزة الأمنية التي سخّرها لأمن العائلة وليس لأمن البلاد، بعد تحويلها إلى سجونٍ مغلقة، الآن أصبحت بيد رجلٍ أسقط النّظام ومرتكزاته الأمنية وجيشه المُرعِب، وهو كان مطلوباً في قوائم الإرهاب. وقامت الثّورة السورية لإعادة سوريا المخطوفة إلى السّوريين، من أجل الحريات العامة، وإسقاط النّظام الطائفي الذي اختزل سوريا في شخصية الطاغية.
يواجه السّيد الشّرع مهاماً سياسية صعبة للغاية، وملفاتٍ كثيرة متشعّبة تراكمت بحكم التّدخلات الإقليمية والدّولية، لكن يمكن القولُ أنّ بعضاً منها ذابَت مع سقوط الطّاغية، كالوجود العسكري الإيراني وميليشات حزب الله وطار بالتّزامن معه الرّعبُ والخوف من نفوس السّوريين الذين انتظروا تلك اللحظة منذ خمسين سنة بعد ثلاث عشرة سنة قاسية في الحرب. ومازالت هناك ملفات كثيرة ينتظر السّوريون حلّها.
فقد تقلّصت نفوذ إيران في لبنان وانهزمت في سوريا، ولم تلحق بنقل جنودها إلا بمساعدة الرّوس، وشعرت روسيا بالخذلان، في هذا المناخ السّياسي الجديد تنتظر أحمدَ الشّرع مهامٌ كبيرة لبناء سوريا جديدة مختلفة عن سوريا السّابقة بعد السّقوط الدّرامي المفاجئ للعائلة، منها داخلية وأخرى خارجية. أولى هذه المهام الصّعبة:
– توفير المناخات السّياسية الملائمة لإطلاق حوارٍ سوري – سوري شامل، يشترك فيه السّوريون كلّهم بكلّ إثنياته ودياناته، والاتفاق على شكل الدّولة السّورية التي ستلبي طموحاته في الاستقرار والعيش المشترك، ليشعر الجميع بالاستقرار والأمان بعد إن نخرت عظامَ المجتمع سياسات النّظان السّابق الطائفية، ما يسهّل للانتقال إلى المهمة الثّانية.
– التّخلص من الجماعات المتشددة، وتوحيد الفصائل في جيشٍ وطنيٍّ غير منحازٍ لفئة سياسية، وثم القضاء على الجماعات الإرهابية، كداعش وغيرها، وفرض استتباب الأمن على كلّ سوريا.
– تشكيلُ لجنة دستورية تُصيغُ دستوراً جديداً يواكب العصر، لبناء دولةٍ يتساوى فيها الجميع من دون تمييّز.
– إجراء انتخاباتٍ ديمقراطية ونزيهة، رئاسية وبرلمانية وفق الدستور الجديد، وبإشرافٍ أممي.
بهذه الخطوات الجريئة ستكون هناك حكومة سورية جامعة تمثّل كلّ السوريين، وتكتمل فرحتهم بسقوط الطاغية وبناء دولتهم، ومن شأنها الانفتاح على العالم. ويمكن تلخيص تلك الأهداق بوضع القواعد والأسس للوصول إلى مفهوم سوريا للجميع، أي أن تكون الهوية السّورية هي «الهوية الوطنية الواحدة» التي ستكون الوعاء الكبير لكلّ الدّيانات وما لها من «طوائف» وولكلّ القوميات، لخلقِ مجتمعٍ متجانس، مزدهر، ضمن الإطار الوطني العام.
فإذا استطاع الشّرع تصحيح مساره السّابق، والتنازل من مطالبته بمشروع «دولة الخلافة»، لصالح قيادة المرحلة الانتقالية في «سوريا الجديدة» سيكون رجل دولة بامتياز.
ويكون قد وضع اللّبنة الأولى لبناء سوريا الجديدة.
ومن المهام الخارجية، الانفتاح على دول العالم، للحفاظ على السّيادة السّورية، كدولة حرّة، وبناء علاقاتٍ ودية مع جميع الدول، والابتعاد عن النزاعات الإقليمية والدولية، لأنّ سوريا اكتوت بحروبٍ عبثية خرجت من جميعها خاسرة.
بناء علاقات ودية مع دول الجوار، مع الحفاظ على استقلال القرار السّوري الحرّ داخلياً وخارجياً، من دون استغلال الآخرين لسوريا في مرحلة البناء لتكون تابعة لها.
هل سيترجم السّيد الشّرع نظرته، في مرحلة بناء سوريا الجديدة، القائمة على ضرورة «أن يتكيف الإنسان مع المتغيرات» حسب حديثه لشبكة CNN الأميركية؟.