ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف الأحزاب والفصائل الكوردية لضمان حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم، من خلال تقديم رؤى وتحليلات متعددة الأبعاد. يسعى “ولاتي مه” إلى توفير فهم أعمق لوضع الكورد في سوريا وآفاقهم المستقبلية وتكوين رؤية مشتركة حول مجمل القضايا التي ترتبط بالقضية الكوردية في سوريا.
القسم الثالث: تضم مشاركات كل من السادة:
– زردشت مصطفى : رئيس القوى الديمقراطيه الكرديه في سوريا.
– شادي حاجي: كاتب، وحقوقي.
– صالح جعفر : كاتب.
– الدكتور عبدالرزاق تمو.
=============
زردشت مصطفى:
الدستور هو الضمانة الأساسية لكافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية.
فيما يتعلق بأولويات الكرد في سوريا
أعتقد أنه يجب أن تكون سوريا دولة مدنية ديمقراطية برلمانية تعددية، تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية، واعتماد مبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتداول السلطة، وسيادة القانون. كما يجب اعتماد مبدأ اللامركزية بما يعزز صلاحيات السلطات المحلية، كون سوريا دولة متعددة القوميات والأديان والثقافات، وينبغي أن يتم تضمين كل ما ذُكر أعلاه في الدستور الجديد.
أما بالنسبة للتحديات، فهي كثيرة نتيجة التطرف القومي والديني منذ عام 1958، أيام الوحدة بين سوريا ومصر، ثم استلام حزب البعث السلطة عام 1963، إضافة إلى مركزية الدولة منذ أمد طويل، وسلطة الحزب الواحد، وأسباب أخرى.
يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال إقامة الندوات والفعاليات والأنشطة التي تساهم في التعريف بالقضية الكردية والمعاناة التي مرّ بها الكرد على مدى السنوات، وما تعرضوا له من حرمان وتهميش. ويهدف ذلك إلى بناء ثقافة جديدة لدى السوريين، قائمة على المساواة واحترام الآخر، والتأكيد على الوحدة الوطنية، والتواصل البنّاء مع باقي مكونات النسيج الوطني.
وبالمحصلة، فإن الدستور هو الضمانة الأساسية لكافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية. كما أن العقلانية والموضوعية، دون تطرف قومي أو ديني، ورفع شعار وحدة الأرض السورية، والتأكيد على أن الوطن للجميع في الحقوق والواجبات، كلها عوامل تسهّل مواجهة التحديات.
التحديات الإقليمية والموقف الدولي:
أعتقد أن الدول الإقليمية ستقبل بنظام حكم يضمن حقوق الكرد، طالما نحافظ على استقرار وأمن هذه الدول، ولا نتدخل في شؤونها الداخلية. كما أن التوافق بين السوريين، القائم على الاعتراف المتبادل دون إقصاء أو تهميش لأي مكوّن في الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، هو أمر ضروري لتحقيق الاستقرار.
التنسيق بين الأحزاب الكردية:
فيما يتعلق بالكرد، أعتقد أنه لا يوجد تنسيق حقيقي بسبب العدد الكبير من الأحزاب الكردية في سوريا، والتي نشأت نتيجة الخلافات الشخصية بين قياداتها، رغم أن معظم هذه الأحزاب انبثقت من حزب واحد تأسس عام 1957.
وأرى أن الخطوة العملية لتحقيق التنسيق الفعّال هي عقد مؤتمر كردي جامع، يهدف إلى توحيد الرؤية والموقف السياسي.
التمثيل العادل للكرد في مؤسسات الدولة
أعتقد أن نسبة تمثيل الكرد في كافة مؤسسات الدولة، بما في ذلك اللجان الدستورية، المؤتمرات، الوزارات، وكافة الهيئات الرسمية، يجب ألا تقل عن 15%.
الاستعداد لحضور المؤتمر الوطني السوري:
فيما يتعلق بالاستعداد لحضور المؤتمر الوطني السوري، يجب أن يكون هناك وفد مشترك، يضم شخصيات سياسية، أكاديمية، وقانونية، يتم الاتفاق عليها وانتخابها من قبل الغالبية العظمى من الأحزاب الكردية.
أعتذر عن أي تقصير في معالجة الموضوع كما ينبغي، نظرا لكوني خارج الوطن وعدم توفر الوقت الكافي لدي.
مع وافر الاحترام والتقدير،
زردشت مصطفى
رئيس القوى الديمقراطية الكردية في سوريا
=============
شادي حاجي:
أن المؤتمر المرتقب مهم جداً، ويتطلب أن يستعد الكرد له بكل ما يمتلكونه من أسباب القوة، بوفد كردي مشترك من القوى السياسية والثقافية والمجتمعية والنسائية والشبابية الفاعلة في المجتمع الكردي في سوريا، على أن تتم الاستعانة بالأكاديميين الكرد من ذوي الخبرة والاختصاص من القانونيين واللغويين والإعلاميين، واختصاصات مهمة أخرى كمستشارين.
بدايةً، وقبل الخوض في موضوع الملف، لا بد من أن أشكر موقع (ولاتي مه) والأساتذة القائمين على إدارته الأفاضل على الجهد الذي يبذلونه في هذا المجال المهم والحيوي من أجل مصلحة الشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره ومستقبل أجياله ومستقبل وطنه وحل قضيته العادلة في سوريا.
يبدو أننا، كشعب كردي في سوريا يعيش على أرضه التاريخية، في طريقنا إلى صراع صعب وطويل مع القوى السياسية العروبية والإسلاموية في سوريا، بما فيها السلطة التي تدير الأمور في دمشق، حول الحقوق المشروعة للشعب الكردي في سوريا. ولسنا بصدد حلحلة سريعة للقضية الكردية العادلة التي نطمح إليها، لأسباب ليست خافية عليكم وعلى المتابعين للشأن السياسي السوري والكردي بشكل خاص.
بعد أن سقط نظام بشار الأسد، وسيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها على دمشق، والتي توجت بأفراح السوريين، إلا أن ذلك لم يزل المخاوف، وخاصة لدى القوميات والأديان والطوائف في سوريا، كالكرد والدروز والعلويين والمسيحيين. ومما أدى إلى زيادة هذه المخاوف، وما زال، هو التدخل التركي المتزايد والمباشر في سوريا، وهذا ما دعا وزيري خارجية فرنسا وألمانيا ووزراء أوروبيين آخرين إلى الطلب من السيد أحمد الشرع، قائد إدارة الأعمال العسكرية في دمشق، الضغط عليه حول حل مشكلة المكونات السورية ومشاركتهم في القرار وفي الحكومة الانتقالية. كما أشاروا إلى أن المساعدات التي سيقدمونها للسلطة الحالية (العهد الجديد في سوريا) ستعتمد على الأفعال وليس الأقوال.
ونظراً لاعتماد تلك القوى على الاستجابات الجزئية واستراتيجية تفتيت الحقوق والمطالب السياسية الكردية والمكونات السورية الأخرى في الحدود الدنيا، وربط حل تلك القضايا بمسألة المواطنة والمساواة وعدم التمييز وبعض المشاكل الإدارية، ومحاولة استغلال العمومية التي تكتنفها معاني تلك المصطلحات العامة وبعض المصطلحات الأخرى كالوحدة الوطنية، والنسيج الوطني، والديمقراطية باعتبارها الحل لكل قضايا الهوية في سوريا، ومنها حل القضية الكردية، هنا لا بد أن أحذر صانعي القرار السياسي الكردي الآن ومستقبلًا من هذه المصطلحات التي أعتبرها فخًا لخداع الشعب الكردي.
وهذا يتطلب من الجميع ألا ينخدعوا ويكتفوا بتدوين هذه المصطلحات في الدستور دون التوسع في شرحها لجهة حقوق الشعب الكردي السياسية والثقافية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية. لأنه، وكما تعلمون، في عالم الشرق الأوسط بشكل عام وسوريا بشكل خاص، المشكلة تكمن في عدم الالتزام بالدساتير وسيادة القانون، وفي عدم احترام مبادئ حقوق الإنسان، وفي غياب الثقافة الديمقراطية. فالذين يريدون الاكتفاء بتدوين هذه المصطلحات في الاتفاقات والبيانات الختامية للكونفرانسات والمؤتمرات والدستور، ويرفضون إدراج بنود وفقرات خاصة بتحديد مصير الشعب الكردي والمكونات السورية الأخرى بشكل واضح وشفاف وصريح في القانون والدستور، هم أنفسهم الذين يأبون أن تكون هناك ديمقراطية، فكيف يمكن تطبيقها على أحزاب وجماعات لا يقبلون بهذه الأفكار أصلًا؟
وهذا ما دعاني، وأصدقاء آخرين، ومعظم – إن لم نقل كل – بنات وأبناء الشعب الكردي، عشرات المرات إلى مطالبة الأحزاب والأطر السياسية الكردية، بالرغم من معرفتنا بالجهود التي تبذل من قبل الزعيم مسعود البرزاني وممثلي الأمريكيين والفرنسيين في المنطقة، بالشروع فوراً ودون شروط، وبشكل جدي وحقيقي، في صياغة إطار سياسي متكامل يمتلك كافة أسباب القوة على جميع الأصعدة، لتلبية حاجات المجتمع الكردي وضمان تمثيل سياسي أوسع وأكثر عدلًا يعبر عن طموحات وتطلعات الشعب الكردي وحل قضيته العادلة في سوريا.
لا وقت للسكوت والانتظار، ولأنني أعتقد أن الأحزاب والأطر السياسية الكردية، بمختلف تسمياتها وتوجهاتها الوطنية والقومية والأيديولوجية، كل منها بمفردها لا يمثل الشعب الكردي في سوريا بشكل قانوني، وأكرر أنني أقصد التمثيل القانوني بالتفاوض حول تحديد حقه في تقرير مصيره وشكل النظام الذي يريده في سوريا عامة وإقليم كردستان سوريا خاصة، لأن مسألة التمثيل، وكما أشرت إليه أعلاه، مسألة دستورية قانونية تتعلق بالانتخابات وصناديق الاقتراع ونتائج التصويت، وهذا ما لم يحصل بعد. بل يمكن أن يكون من حق تلك الجهات مجتمعة من خلال مؤتمر وطني كردي سوري تشترك فيه كافة القوى السياسية الحزبية والثقافية والحقوقية والنسائية والشبابية المستقلة دون تهميش أو إقصاء أي طرف، لوضع استراتيجية سياسية واضحة المعالم والمراحل والأهداف لحل القضية الكردية في سوريا، وتشكيل هيئة سياسية عليا لتكون ممثلًا ومحاورًا سياسيًا عن الشعب الكردي في كافة الحوارات والمفاوضات التي تتعلق بطموحات وحقوق الشعب الكردي، لأن الظروف التي تمر بها سوريا لا تسمح بإجراء انتخابات نزيهة لانتخاب ممثلين حقيقيين.
أما بخصوص المؤتمر الوطني السوري المرتقب:
أرى أن المؤتمر المرتقب مهم جداً، ويتطلب أن يستعد الكرد له بكل ما يمتلكونه من أسباب القوة، بوفد كردي مشترك من القوى السياسية والثقافية والمجتمعية والنسائية والشبابية الفاعلة في المجتمع الكردي في سوريا، على أن تتم الاستعانة بالأكاديميين الكرد من ذوي الخبرة والاختصاص من القانونيين واللغويين والإعلاميين، واختصاصات مهمة أخرى كمستشارين. وهذا أسلوب متبع في معظم الدول والمؤسسات والأحزاب في العالم. كما يجب التحضير لملفات مهمة لطرحها على المؤتمر، كملف الإحصاء، والحزام العربي، وإعادة الأراضي التي تمت استملاكها إلى أصحابها من الملاكين والفلاحين الكرد، وملف انتفاضة قامشلو والتعويض على الشهداء والذين أصيبوا بعاهات دائمة نتيجة الإصابات التي تعرضوا لها أثناء الانتفاضة، وملف كافة القرارات والقوانين والإجراءات الاستثنائية المجحفة بحق الشعب الكردي في سوريا منذ أكثر من نصف قرن وما زالت قائمة، والمطالبة بإلغاء تلك الإجراءات وإبطال مفاعيلها، والتعويض على المتضررين من كل تلك الإجراءات غير الدستورية. كما ينبغي طرح مسألة تغيير التقسيمات الإدارية الجغرافية للمحافظات (الحسكة – دير الزور – الرقة – حلب) والمدن والبلدات والقرى التابعة لها.
ونظرًا لما سبق ذكره أعلاه من وقائع وحقائق، أرى – ومن وجهة نظري ككردي سوري، وقد لا يعجب الكثيرين عرباً وكرداً وآخرين – أن من الضروري وضع النقاط على الحروف، وتسمية الأشياء بأسمائها بكل جرأة وصراحة، وهو الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره، من حقوق سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، وبمواد فوق الدستورية.
أما بالنسبة لمسألة الدستور والمبادئ فوق الدستورية التي ينبغي اعتمادها في المرحلة الانتقالية القادمة، فأقول:
الدستور يعتبر أهم وثيقة في حياة الشعوب، وبمقتضاها تتم حماية الحقوق، وتحدد الصلاحيات الحكومية والهيكل السياسي لنظام الدولة، وبيان الحكم فيها، ولها يخضع الحكام والمحكومون. وهذا يؤكد أنه لا بد من الإطار القانوني لحل القضية الكردية، وبانعدام الحماية القانونية والضمانة في الدستور، لا تتمتع أية عملية لحل القضية الكردية بالمصداقية.
ألمانيا – 28/1/2025
=============
صالح جعفر:
على الكورد الاستفادة من التعاطف الدولي، نتيجة الشراكة القائمة في محاربة الإرهاب (عبر التحالف الدولي)، ومحاولة استخدام نفوذهم في الضغط على دمشق للحصول على أكبر قدر من الحقوق.
مستقبل الكورد:
الكورد في موقع صعب ومحرج نتيجة الظروف المحيطة بنا، ونتيجة ضغط الدول التي تغتصب كوردستان وقوتهم الإقليمية والعالمية، وموقفهم الواضح لإبقاء الكورد تحت سيطرتهم، وعدم رغبتهم في معالجة قضيتهم، والتي تمس مصالحهم كما يتصورون. على الكورد الاستفادة من هامش التعاطف الدولي مع قضيتهم كحلفاء لمحاربة الإرهاب، ومن ثم تبيان أن للكورد دورا مستقبليا في الحفاظ على توازن القوى، لكي لا تعود الكفة لصالح التطرف والإرهاب.
الكورد وتركيا:
على الكورد التحاور مع تركيا مباشرة أو عبر الوسطاء، لإعطائها الضمانات لعدم تهديد أمنها، عبر فصل قضية الكورد في سوريا عن القضية في تركيا، وترك شأنها لكورد تركيا. هذا ما سيسهل الطريق عبر الحوار مع دمشق.
الدعم الدولي:
على الكورد الاستفادة من التعاطف الدولي، نتيجة الشراكة القائمة في محاربة الإرهاب (عبر التحالف الدولي)، ومحاولة استخدام نفوذهم في الضغط على دمشق للحصول على أكبر قدر من الحقوق.
التعامل مع القوى السورية:
جميع القوى السياسية والعسكرية السورية يريدون الحفاظ على نفس نظام الحكم، وليس لديهم أي رؤية أخرى، إلا إذا أُجبروا على غير ذلك. الكورد لا يملكون الأدوات الكافية لإجبارهم دون الضغط الدولي من أصدقاء الكورد. لا أتصور قدرة الكورد على الحصول على الفيدرالية، ولا الحكم الذاتي، ولا حتى الإدارة الذاتية. الممكن، وبعد مساعدة وضغط الخارج، هو الحصول على الإدارة المحلية ذات صلاحيات خاصة بالكورد من الناحية الثقافية وتسيير أمور الإدارات المحلية. غير ذلك غير ممكن في ظل الظروف الحالية.
وحدة الصف الكوردي:
وحدة الصف الكوردي مرتبطة بالمحاور الكوردية وعلاقاتها بالدول الإقليمية، وعدم قدرتها على الفكاك منها موضوعيا. ولعله من الممكن الاستفادة من بعض الهوامش هنا وهناك لتخفيف الخلافات، والوصول إلى أدنى حدود التوافق الممكنة، وبضغط خارجي أجنبي لترتيب البيت الداخلي للتعامل مع دمشق.
المؤتمر الوطني:
المؤتمر الوطني السوري صعب الانعقاد في ظل التطورات الحالية، وعدم نية الإدارة الحاكمة في دمشق على انعقاده، بل محاولتها التهرب منه أو إيجاد صيغ بديلة!
المكونات السورية:
الكورد والمكونات الأخرى، حركة المكونات الأخرى ضعيفة ومعدومة وغير منظمة، باستثناء المكون الدرزي الذي يحاول الحصول على ضمانات محلية متعلقة بالجانب الديني. المكون العلوي يدفع ثمن جرائم النظام المحسوب عليهم، والمكون المسيحي مصطف خلف الكنيسة ويستقوي بالدول الكبرى.
لا يتجرأ أي مكون من هؤلاء، بل ولا يرغب بعضهم في التقرب من الكورد لحساسية ذلك، وعدم وجود رؤية وطنية مستقلة تجاه قضية الكورد. جميع المكونات السورية ليس لديهم رؤية وطنية لقبول الكورد كمكون قومي! سقفهم الأعلى هو حقوق المواطنة للكورد، ولكن لا بد من التواصل معهم، ومحاولة التفاهم معهم، وإقناعهم بأن الكورد سيكونون بيضة التوازن في سوريا الجديدة، وهذا من مصلحتهم أيضًا.
دور المثقفين الكورد:
المثقفون الكورد لا يملكون الإمكانيات للعب الدور المطلوب، نتيجة تهميشهم من القوى السياسية، وعدم وجود مؤسسات تساعدهم في المساهمة على لعب هذا الدور، على الصعيد الكوردي الداخلي أو السوري. ورغم ذلك، يحاولون عبر الوسائل الممكنة على الصعيدين الداخلي والسوري.
وهنا أخص بالذكر المثقف المستقل والمهمش والمحارب حزبيًا، فهو لا يملك وسائل الضغط لترتيب البيت الداخلي الكوردي، ولا التأثير على الرأي العام الكوردي أو السوري، ولا يملك سوى وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال صوته ورأيه إلى الشارع الكوردي.
الرأي العام العالمي:
الدول الكبرى لا تستطيع تجاوز تركيا وإيران لمساعدة الكورد، لكنها تحاول تثبيت بعض الحقوق الأولية، كالحقوق الثقافية، والحفاظ على سلامتهم كباقي المكونات، تحت مسمى: “حقوق الأقليات”!
العالم، ومع كل الأسف، يعيد ارتكاب نفس الخطأ، بإيجاد نظام في سوريا يحافظ على لعبة التوازن الإقليمي، على حساب إيجاد نظام ديمقراطي مدني، يحافظ على مصالح شعوب المنطقة برمتها، بتحقيق السلام الدائم في هذه المنطقة الملتهبة.
=============
الدكتور عبدالرزاق تمو:
الحقوق لا نطلبها، فهي ملك لنا، وهي موضوع غير قابل للمناقشة أو التفاوض، بل نحن نتفاوض للحصول على حصة من دمشق والسلطة..
المعروف أن سياسة ترامب تختلف عن السياسة الأمريكية أيام السيد بايدن. استراتيجية السيد ترامب تقوم على أن ينجز له العمل في المناطق أي مجموعة أو دول في المنطقة، وقد بدأوا يتصلون بالمعارضة السورية في الخارج والداخل. وقد بات من المعلوم الآن أنهم مارسوا ضغوطًا كثيرة على أطراف المعارضة المختلفة وصولًا إلى تركيبة ترضيهم وتضمن مصالحهم المستقبلية، في حدودها الدنيا على الأقل. وهذا كله مفهوم لأن الدافع الذي يحرك تلك الدول ليس دافعًا أخلاقيًا أبدًا، وإنما هو دافع مصلحي كما يعرف الجميع، لذلك سكت أهل الثورة ولم يعترضوا، ولكنهم قرروا أن يبقوا حذرين.
والآن، الجهات الإسلامية السنية تروج أنها صاحبة الحق في قيادة سوريا بعد الأسد، ولأن التيارات الإسلامية تملك مشروعًا عابرًا للقارات وليس مشروعًا سوريًا وطنيًا، وهي في الأساس نتاج عصر التحكم الدولي في المنطقة في أواسط القرن العشرين، وجميع القادة فيها من ذلك العصر المنقرض، فقد تمّت السيطرة لهم على المجلس وأفشلوه، وبعده الائتلاف على نفس الطريق من فشل إلى فشل، وهم قادة هذه المرحلة الفاشلة. وخير دليل على ذلك محاولات شراء الولاء في صفوف الثورة والشباب، وحصر الدعم في من يعطيهم الولاء فقط.
عندما قالوا إن الإناء ينضح بما فيه، كان من البديهي أنه لا ينضح بما ليس فيه، فإن نضح فهو حتمًا ينضح بما فيه، ولا يمكن أن يكون النضح مما ليس فيه. لهذا، كان من الضروري أن تنتبه التيارات الإسلامية في المعارضة إلى سلوكياتهم، فـما يسلكونه هو ما يعكس مضمون ما في داخلهم من تراكمات الشيوعية العروبية والإسلام العربي والقومية العروبية، ويصورون أنفسهم المالك وأنت المملوك، وهو المسيطر والمتحكم فيك وأنت ليس إلا مجرد قشة في مهب الريح، تتأثر سلوكياتك بالظروف والأشخاص والأسباب.
في حقيقة الأمر، ليس هناك أي جدل في تصوير الوضع بأنه ربيع أو ثورة، فهذه أوصاف تصلح لاستيعاب محتوى ما يجري من الأحداث، ولكن الخطأ الاستراتيجي يكمن في تنسيب كل الفعل في الثورات للتيارات الإسلامية وحدهم دون سواهم، والمستند على إيديولوجيا أصولية إسلامية لا تختلف عن أصولية داعش، ويختفي من تعاليمها الاختلاف والتعدد داخل المجتمع، إن لم يختفِ المجتمع برمته، سواء كان الاختلاف قوميًا أو فكريًا أو ثقافيًا.
وفي ظل الثورات في الشرق الأوسط، فإن على الجميع أن يقتنع بأن المنطقة برمتها بدأت تخرج بالفعل من قوقعة الدكتاتورية وقبضة الشمولية والفكر القومي والمشروع الأممي الإسلامي، إلى رحاب العالم المعاصر والعولمة الحديثة في تحالفاتها المعقدة وتحدياتها المتشعبة. وهي مسيرة قطعًا تتطلب وقتًا طويلًا ومريرًا ومخاضًا عسيرًا، وربما دمويًا في كثير من الأحيان، حتى الوصول إلى صيغة دول مدنية تعددية تشاركية لكل أبنائها.
كيف تنظر الأقليات إلى القومية العربية في سوريا؟
أظن أن العنوان يجب أن يكون: كيف ينظر العرب إلى القوميات الأخرى؟
المعروف أنه منذ الاستقلال، مرورا بالعصر الذهبي الذي عايشته سوريا، حيث انتعش فيه الوعي القومي الكردي في موازاة الوعي القومي العربي، وكانت فيه المواطنة معيارا للتقييم، وكان فيه الانتماء إلى سوريا كدولة لجميع مواطنيها واضحا وملموسا. ويكفي أنه خلال هذه المرحلة تأسس أول حزب سياسي كردي، إضافة إلى العديد من الجمعيات الأهلية متعددة الأهداف والأغراض. وكان فيها الأكراد مثلهم مثل بقية أبناء الشعب السوري من حيث الحق والواجب.
هذه المعادلة الوطنية بدأت بالانهيار منذ اليوم الأول لدولة الوحدة، وسيادة مفهوم نقاء العرق كإيديولوجية تبناها أغلبية القومجيين العرب، الذين رأوا الوطن العربي وحدة جغرافية وبشرية، وكل من عليها هو عربي. وبذلك أنكروا وجود الكثير من القوميات الموجودة فوق أرضها التاريخية. وعكس بذلك غلاة القوميين العرب الغبن الذي لحق بهم من العثمانيين والإنكليز والفرنسيين إلى اضطهاد للقوميات المتواجدة معهم في ذات البقعة الجغرافية، وتحولوا من شعب مضطهد إلى شعب يضطهد غيره من الأقليات الأخرى، في خلط متعمد ومقصود لمجمل المفاهيم والقيم المدنية والإنسانية.
متى دخل الكرد في الثورة السورية؟
للأسف، فإن سؤالا بهذه الصيغة يظهر ما تم غرسه في المجتمع السوري، حيال الوجود الكردي والقوميات الأخرى في سوريا. إنه يتضمن كل شيء ما عدا الحقيقة والحق، لأن الكرد كانوا من أول من عمل على انطلاق الثورة منذ اليوم الأول، في 15 و16 آذار 2011، كما شاركت العائلات الكردية في درعا في الثورة منذ اليوم الأول. وكي لا ينسى الجميع، فإن المظاهرة الأولى في جامعة دمشق كان عدد الطلاب المعتصمين فيها 110، منهم 70 طالبًا كرديًا.
ولكن لأن الطريقة المتبعة في التعامل مع الوجود الكردي والمشاركة في الثورة من اليوم الأول، أو حتى قبل ذلك، وهو الذي كان في انتفاضة عام 2004 ضد بشار الأسد، تتركز منذ اليوم الأول في نفي الجغرافيا والتاريخ والتشويه الإعلامي، وما يستتبع ذلك من ملحقات تنفيذية، فقد خلقت مشهدًا عدائيا تجاه كل ما هو غير عربي في الساحة السورية، وكأن هذا الغير هو المسؤول عن الفشل في التنمية أو الفشل في تحقيق الحرية وعدم إنجاز الوحدة العربية والثورة السورية.
كيف يرى الكرد مستقبل سوريا؟
من الطبيعي أن الراهن على ربيع وليس خريفا أو شتاءً، يفرض على القوى والفعاليات التي يهمها حماية الوطن ومصلحة شعبه أن تبادر إلى اعتراف صريح بالواقع العياني، واعتماد الشراكة الحقيقية لمجمل قضايا المجتمع، ومن ضمنها قضية القوميات الموجودة، دون التدثر بعباءة فكرية قومجية أو إسلامية، ترى تاريخًا توهمته وتحاول أن تصدق ما توهمته.
إن ثورتنا جاءت دفاعا عن العقل والحرية، اللذين يتجسدان في تكريس وجودنا الإنساني، وتاليا القومي والسوري، تأصيلا لتاريخنا البشري ودورنا الحضاري. فطالما نحن لا نخاف الحرية، بل نسعى إليها لأنها تشكل جوهر وجودنا الإنساني، فلزاما علينا متابعة مواجهة النظام الأسدي والاستمرار في الثورة.
وقد كانت لنا رؤى، وهي:
- العمل على إسقاط النظام بكل الوسائل المشروعة.
- الوحدة الوطنية ونبذ أي دعوة للطائفية أو المذهبية أو احتكار الثورة.
- العمل على توفير الحماية الدولية للمدنيين، بما يتوافق مع القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان.
- وضع دستور عصري يقوم على عقد اجتماعي يجسد سوريا كما هي من تنوع قومي وثقافي وديني، بما يتوافق مع المبادئ والمواثيق الدولية.
- حل القضية الكردية حلا ديمقراطيا، على اعتبار أنها قضية أرض وشعب، وطنية وديمقراطية، وضمان حقوق الكرد في المواطنة الدستورية والشراكة في الوطن.
- بناء الدولة السورية الاتحادية بنظام اللامركزية السياسية على أساس فيدرالي.
- رفض اللجوء إلى العنف والانتقام في الحياة السياسية، والتشجيع على الصفح والمصالحة والتسامح بين جميع المواطنين.
الحقوق لا نطلبها، فهي ملك لنا، وهي موضوع غير قابل للمناقشة أو التفاوض، بل نحن نتفاوض للحصول على حصة من دمشق والسلطة. هذا ما يجب أن يقوله كل كردي.
=============
ملاحظة: تم ترتيب الأسماء في كل قسم وفق أحرف الأبجدية العربية.
=============
القسم الرابع: تضم مشاركات كل من السادة:
– بوتان زيباري: كاتب.
– الدكتور عبدالحكيم بشار: عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا.
– علي شمدين: عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا وممثله في اقليم كوردستان .
– د. علي صالح ميراني: كاتب، وباحث، و استاذ جامعي.
=============