ملاحظات سريعة على ” مشروع دستور لسوريا الجديدة ٢٠٢٤”

 صلاح بدرالدين

صدر عن مركز الأبحاث القانونية الذي يديره الصديق الأستاذ أنور البني ( مشروع دستور لسوريا الجديدة ٢٠٢٤ ) ، الذي نشر في وسائل التواصل الاجتماعي حديثا ، وسبق للأستاذ البني ان نشر في عام ٢٠٠٥ عندما كان يقيم بسوريا قبل مغادرته مشروع دستور آخر ، وقد كتبت حوله مقالة نشرتها حينذاك بموقع – الحوار المتمدن – ابديت فيها وجهة نظري واعتبرت ذلك المشروع حينذاك خطوة متقدمة مع بعض المآخذ ، والملاحظات ، والان وبعد نحو  ثلاثة عقود من الزمن وفي أجواء الحرية بمهجره الأوروبي يطرح الصديق البني مشروعا جديدا معلنا ان عشرات السوريين شاركوا في صياغته عبر ورشات نقاشية من دون الإفصاح عن أسمائهم ! ، وقد لاحظت انه – المشروع –  لايختلف كثيرا من حيث المضمون الحقيقي وليس الشكلي عن سابقته بشان الموضوع الكردي ، ومسائل القوميات الأخرى واستحقاقاتهم الدستورية ، ولكنه غني جدا بالمفاهيم الحقوقية ،وثقافة حقوق الانسان ، والمرأة ، والحوكمة ، والقوانين ، والتفاصيل الأخرى التي قد نجدها في  عشرات  الصيغ الدستورية المطروحة على الساحة السورية منذ اندلاع الثورة المغدورة بما في ذلك دساتير  النظام الحاكم ، ويجب القول ان جهودا ليست بالقليلة  بذلت لصياغة هذا المشروع الذي قد يشكل منطلقا لاطلاق حوار واسع حوله ، ويتم التوافق عليه من جانب السوريين بعد اجراء التعديلات الضرورية المطلوبة ، وهنا أرى من الواجب على النخب الوطنية السورية الحقوقية ، والفكرية ، والسياسية ، قراءة المشروع وابداء الراي حوله لاغنائه .

من الواضح انني لست حقوقيا ، ولست خبيرا في علم الدستور والقوانين ، ولكنني اعالج هذا الموضوع كمناضل سياسي كردي ووطني سوري في آن واحد ، ربطت – مثل سائر رفاقي – وضمن منهج فكري ثقافي لنحو ستين عاما النضال من اجل حقوق الكرد بالكفاح الوطني الديموقراطي من اجل سوريا تعددية ، ديموقراطية ، تشاركية ، ودستور عصري يضمن الوجود ، والحقوق ، والشراكة العادلة ، وكان التوصل الى مثل هذا الدستور من أولويات نضالنا سابقا ولاحقا ، وحاضرا ، بل كنا الطرف الكردي السياسي الأول في طرحنا حول شمول ، وضمان دستور سوريا الجديدة الكرد وجودا وحقوقا ، وهنا يجب القول ان الدستور المنشود للسوريين ليس بنودا ،وديباجات قانونية حقوقية مكتوبة فحسب ، فالدستور ام القوانين ، وضمان حرية الشعوب ، والعيش المشترك ، ومستقبل الأجيال ، وتلاقح الثقافات ،  وحامي النظام الديموقراطي المنشود ، بل يستند الى مفهوم سياسي أيضا ، تماما مثل مبدأ حق تقرير مصير الشعوب الذي يجمع بين الدستور ، والقوانين ، والإرادة السياسية ، وحقوق الانسان الثقافية والاجتماعية .

  اما ملاحظاتي على هذا المشروع وبعجالة فتتلخص بالاتي :

١ – عدم وضوح بالمشروع حول العديد من القضايا خاصة بشان التعددية القومية في سوريا ، وتجاهل تسمية القوميات الأخرى ونسبها العددية ، ومشاركتها في تحرير وبناء الوطن ، وحقيقة كون الكرد القومية الثانية التي شاركت في حروب الاستقلال ،  والدفاع عن البلاد  ، بعد ان شوهت الأنظمة الدكتاتورية الشوفينية السابقة  تاريخها الوطني .

٢ – طغيان الطابع القانوني التفصيلي بالمشروع ، واهمال السياسي خاصة مايتعلق بالحقوق السياسية للكرد والقوميات الأخرى .

٣ -عدم ورود مصطلح حق تقرير مصير الشعوب في المشروع بتاتا حول المكونات القومية في سوريا كمبدأ دستوري وقانوني وسياسي وثقافي ، وهو امر يدعو الى الاستغراب ، ويقطع الطريق على ارادتها في تقرير مصيرها السياسي والإداري بحرية طبعا ضمن الوطن السوري الواحد .

٤ – في السياق التاريخي وحول المآخذ على الماضي بشان الدساتير لم يتم ذكر ان جميع الدساتير التي وضعت بمافيه البيان الدستوري للمؤتمر السوري الأول في عشرينات القرن الماضي تجاهلت حقيقة تعددية المجتمع السوري القومية ، والثقافية ، والطبيعة المركبة لسوريا وليست البسيطة .

٥ -أي مشروع دستور جديد يجب ان تكون مادته الأولى عبارة عن تعريف المجتمع السوري ، وتشخيص مكوناته القومية الثقافية ، ونسبها العددية ، وموقعها الجغرافية الكبيرة منها والصغيرة ، وتاكيد الشراكة في السلطة ، والقرار .

٦ – في مادة تشكيل الأحزاب يفهم منها ( وقد يكون التعبير غامضا ويخلق إشكالية في فهم المتابع ) ان مشروع الدستور ليس مع قيام أحزاب ذات طابع قومي ، وهو امر خطير ينفي ضمنا وجود حركات التحرر العربية والكردية وغيرها ، وفي الحالة السورية اذا انتفت أحزاب وطنية تعبر عن طموحات ، ومصالح الجميع وبينهم ، الكرد السوريون مثلا كما هو حاصل على ارض الواقع منذ قيام الدولة السورية وحتى الان فلابد للكرد من تأسيس احزابهم وحركاتهم الخاصة بهم التي تربط النضال القومي بالنضال الوطني الديموقراطي .

٧ – يجب ان يتضمن المشروع ادانة المخططات العنصرية ضد الكرد مثل ( الإحصاء الاستثنائي والحزام العربي ) لان ماحصل يرقى الى درجة جرائم ضد الإنسانية باقتلاع شعب من ارض الإباء والاجداد عبر الحرمان من كل الحقوق واولها حق ( المواطنة ) ، وتحديد وتسمية المناطق الكردية بعد إزالة نتائج سياسات التعريب والحزام ، والحرمان من الجنسية ، وعمليات تغيير التركيب الديموغرافي التي نفذت منذ سيطرة حزب البعث على مقاليد السلطة .

٨ – من المفترض ان تكون اللغة الكردية رسمية في المناطق الكردية الى جانب اللغة العربية .

٩ – النظام الفيدرالي قد يناسب الدول المتعددة الاقوام والثقافات مثل سوريا وكما هو شائع في عشرات البلدان باسيا وأوروبا وامريكا ، وافريقيا ، ولكن ماهو وارد في مشروع الدستور  يبدا للوهلة الأولى بفيدرالية  بخلطة قومية دينية طائفية مذهبية وينتهي بفيدرالية جغرافية وكل هذا الخلط يضر بمبدا الفيدرالية نفسها وبمستقبل البلاد ، ومن الغريب فصل اتباع الديانة الازيدية عن الكرد وهم كرد اصلاء ، ويبدو وكما قد يفهمه الكثيرون  وكان هذه الخلطة جاءت من اجل الالتفاف على القضية الكردية ، والتقليل من شان الكرد كشعب من سكان سوريا الأصليين يشكل القومية الثانية ، له الحق بتقرير مصيره السياسي والإداري في اطار سوريا جديدة تعددية ، تشاركية موحدة ، وكان حاضرا  في بعض بنود اتفاقية سايكس – بيكو ١٩١٦ ، وضمن بنود معاهدة – سيفر ١٩٢٢ – وفي معظم المعاهدات والمداولات الدولية  طوال سنوات القرنين التاسع عشر والعشرين  ، وفي المباحثات الفرنسية – الإنكليزية خلال مرحلة الانتداب ، وكذلك في تقرير البعثة الامريكية الى سوريا بعد الحرب العالمية الثانية ، وملفه كان ومازال دارجا في مؤسسات النظام السوري ، وخصوصا الأمنية ، وكان مستهدفا  عبر مخططات شوفينية منذ ستينات القرن الماضي مازالت آثارها قائمة .

١٠ – حتى هذه الخلطة  العجيبة بخصوص – مجلس الشيوخ –  غير عادلة بل مستبدة تساوي بين نسب شعب يبلغ نحو ١٥٪ من سكان سوريا وبين مذاهب قد لاتشكل ١٪ .

١١ –  اما مجلس الشيوخ الذي يفترض انه يعبر عن مصالح المكونات فمن صلاحياته المذكورة في المشروع مثلا : الموافقة الشكلية على قرارات مجلس النواب ؟؟!!. وهي قرارات قاطعة وافق ام لم يوافق ، وهنا وحول هذا الموضوع بالذات لابد من القول ان مقترح مشروع الدستور السوري الذي قدمه المحتل الروسي  اكثر تقدما وموضوعية من هذا المشروع الذي سطر بايادي السوريين ، لانه يقضي بانتخاب مجلس خاص بالقوميات كغرفة ثانية للمجلس التشريعي  يتمتع بنفس صلاحيات الغرفة الأولى وهي مجلس النواب .

١٢ – مانطرحه بخصوص الحالة الكردية ينطبق على الحالة التركمانية أيضا ولسنا مخولون باثارتها بل تعود أولا واخيرا الى قرار شركائنا من القومية التركمانية ، ثم انني مع الاستجابة لمطالب كل المكونات الوطنية ، وحرياتها ، ولكن  جميع اتباع الاقوام ، والديانات والمذاهب ( الثلاثين ) المذكورين في المشروع وباستثناء الأرمن والاشوريين ، والشركس ، والايزيديين  فانها تنتمي الى القومية العربية ، وتنال  استحقاقاتها الدستورية في الحكم والسلطة والحقوق  ضمن اطار القومية السائدة  والحاكمة منذ الاستقلال ،  ولايجوز إعادة الطرح تكرارا كديانات ومذاهب مرة أخرى ، اما الايزيدييون فهم كرد ،  وكما هو معروف تاريخيا فقط الكرد السورييون لهم مطالب ومشاريع واضحة منذ ماقبل الاستقلال وحتى الان ، وقدموا الشهداء والضحايا من اجل ذلك ، ولديهم حركة قومية وطنية منذ عشرينات القرن الماضي ، وتاريخ نضالي مشترك مع شركائهم بالوطن من العرب والمكونات الأخرى ، وماحدث بعد الثورة السورية المغدورة ، وتوافد مجموعات مسلحة ، وتيارات غريبة عن التقاليد الوطنية للكرد السوريين ، تعاملت مع المحتلين باسم الكرد في ظروف غامضة إشكالية فلايغير من حقائق التاريخ شيئا .

١٣ –  يفضل المشاركة العادلة في السلطة التنفيذية كقوميات ، ومكونات وطنية حتى تتوفر الثقة ، وينشد الجميع تعزيز المشاعر الوطنية ، والتلاحم ، والتضامن ،وعلى سبيل المثال من العدل ان تتوزع المناصب السيادية بشكل ديموقراطي تمثيلي ( رئاسة مجلس النواب ، والدولة ، والحكومة بين القوميات الأكثر عددا ، وهي : العرب والكرد والتركمان وترسيخ مشاركة ممثلي جميع المكونات الاجتماعية والروحية ، والمحافظات في الحكم والقرار بمختلف المستويات  .

١٤ – ان تكون مشاركة الكرد في المؤسسات الوطنية والسيادية ، والدفاعية ، والأمنية ، والدبلوماسية ، والتعليمية ، والتربوية ، والصحية تعادل نسبتهم العددية وهي ١٥٪ ، وارى من الفائدة تطبيق هذا المبدأ على كل المكونات الوطنية .

١٥ – مسالة – الفيدرالية – المطروحة لستة أقاليم ( العاصمة والوسط والشمال والجنوب والشرق والغرب ) بدعة مضحكة ، حيث يطلق عليها المشروع – الإدارة الجغرافية ؟! – ، وهذا يذكرنا بمصطلح – الامة الديموقراطية ؟! – المضحك المبكي ، وكما ذكرنا أعلاه النظام الفيدرالي المعمول به في العالم وخصوصا في البلدان الديموقراطية وغيرها قام على أساس حق تقرير مصير الشعوب والقوميات ، والفدرالية شكل من اشكال تقرير المصير حسب إرادة الشعب المعني وهي كماظهرت في تجارب الشعوب ( الاستقلال – الفيدرالية – الحكم الذاتي – اللامركزية – الإدارة المحلية – الدوائر القومية ) ، وهنا يظهر تناقض صارخ في هذا المشروع بين كل من ( مجلس الشيوخ وفيدرالية ( الإدارة الجغرافيا ) لان الممثلين بمجلس الشيوخ لن يكونوا جزء من الفيدرالية لا دستوريا ولاقانونيا ، وقد يفهم موضوع – مجلس الشيوخ – وكانه نوع من الترضية لوجهاء تلك المكونات الثلاثين لتحقيق اهداف أخرى مغايرة .

وكاجراء لتعزيز الوحدة الوطنية ، والعيش المشترك ، والاتحاد بحرية ودون قهر ، وفي الحالة هذه لماذا لايستفتى الكرد السورييون لتقرير مصيرهم ؟ خاصة عندما يزال الاستبداد ، ويحصل التغيير الديموقراطي .

كماذكرت أعلاه هذه العجالة تعتبر قراءة سريعة ، ومساهمة متواضعة في تقييم المشروع ، وقد تكون لها تتمة اذا دعت الحاجة .

شارك المقال :

5 Responses

  1. يسلم تمك بافى لوند ودوم قلمك الحر الجريء ودمت للكرد سندا وقوة فكرية وسياسية فزة.
    كل التقدير لجهودكم المبذولة ماموستا صلاح بدرالدين

  2. انا حضرت احدى لقائاته الأون لاين وكانت ملاحظاتي ان السيد انور البني لم يتخلص بعد من الشوفينية كغيره من القوميين العرب
    وغير جدير بالشجاعة بطرح الحقوق القوميةالكوردية وهي ثاني قومية بعدالقومية العربية وله حججه الانتهازية ويدرك الحقيقة عن الحقوق المشروعة للشعب الكوردي في كوردستان الجزئ الملحق بسوريا ويقفز على المعاهدات والاتفاقات الدولية التآمارية ضد الشعب الكوردي بل يتجاهلها.؟
    محمود ايوب

  3. انا حضرت احدى لقائاته الأون لاين وكانت ملاحظاتي ان السيد انور البني لم يتخلص بعد من الشوفينية كغيره من القوميين العرب
    وغير جدير بالشجاعة بطرح الحقوق القوميةالكوردية وهي ثاني قومية بعدالقومية العربية وله حججه الانتهازية ويدرك الحقيقة عن الحقوق المشروعة للشعب الكوردي في كوردستان الجزئ الملحق بسوريا ويقفز على المعاهدات والاتفاقات الدولية التآمارية ضد الشعب الكوردي بل يتجاهلها.؟
    محمود ايوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…