ملاحظات أولية على الإعلان الدستوري السوري

 أحمد حسن

 

معلوم أن سوريا بلد متعدد المكونات ( عرقية – مذهبية – دينية – اثنية – ……… ) وهذا يتطلب دستورا ديمقراطيا عصريا وحضاريا يحقق طموحات وأمال كافة المكونات بعد سنوات من الظلم والغبن من الأنظمة الديكتاتورية بحق كافة المكونات لا سيما نظام الأسدين ( الأب والابن ) لكن بعد انهيار نظام الطاغية بشار الأسد في 8/12/2024 وهروبه من سوريا واستلام الرئيس أحمد الشرع السلطة وتشكيله حكومة مؤقتة افتتحت قريحة السوريين على التغيير وتنفسوا أوكسجين الحرية واستبشروا خيرا لوضع اعلان دستوري حضاري يلائم وضع سوريا كبلد متعدد المكونات لتنظيم المرحلة الانتقالية وتأسيس عملية سياسية ديمقراطية عادلة وشاملة إلا أن الإعلان الدستوري الذي صدر يوم الخميس الموافق 13 آذار 2025  بصيغته الحالية جاء مخيبا لآمال وطموحات  وتطلعات الشعب السوري في بناء دولة لامركزية يحترم فيها  المواطنة والديمقراطية واستمرار وديمومة لنهج الإقصاء والتهميش بحق المكونات القومية والدينية والمذهبية السورية ويلغي أسس العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد ومن هنا فإننا كأبناء الشعب الكوردي كباقي المكونات نقول بأن ( الإعلان الدستوري لا يمثلنا ) لجملة من البنود والمواد الواردة في الإعلان الدستوري ومنها :

1- تشكيل اللجنة التي أعدت الإعلان الدستوري فيها اجحاف بحق مكونات الشعب السوري كان من المفروض أن تكون لجنة توافقية شاملة تكنوقراطية تمثل تطلعات كافة مكونات الشعب السوري .

2- الاقصاء الواضح والصريح لحقوق الشعب الكوردي وباقي المكونات في الدستور وعدم ذكر الإعلان الدستوري المكونات العرقية والدينية والمذهبية وهذا منافي لما ورد في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وإعلان حقوق الشعوب الأصلية الصادر عن الأمم المتحدة.  

3- فرض أن يكون رئيس الجمهورية مسلمًا يمثل انتهاكًا للكفاءة ولمبدأ المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان،وهذا مايكرس التمييز وتفضيل مكون على أخر . كان من العدل والانصاف أن يكون انتخاب الرئيس على أساس الكفاءة والنزاهة والإخلاص والتكنوقراط .

4-  فرض الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع يتنافي مع مبادئ القوانين المدنية المتطورة ، مما يعني أن قوانين الدولة تخدم مكون واحد أكثر مما تخدم قيم المواطنة و العدالة والحرية. وهذا يتنافى مع واقع سوريا كدولة متعددة الأديان والمذاهب بل  يجب أن يكون مستندًا إلى مبادئ حقوق الإنسان والمعايير الدولية وميثاق الأمم المتحدة .

5-  أشار الإعلان الدستوري إلى مكانة المرأة الاجتماعية، لكن لم يحدد أي ضمانات دستورية لدورها في الحياة السياسية وألية تمثيلها في كافة مؤسسات الدولة على مبدأ القدرة والكفاءة والتكنوقراط .

6- تحديد الفترة الانتقالية 5 سنوات طويلة جدا كذلك عدم تحديد مدة الدورة الرئاسية وإعطاء الرئيس صلاحيات ستؤدي الى فرض أشكال وألوان محددة لاتخدم الأجندات الوطنية مثل ( تعيين الرئيس ثلث أعضاء مجلس الشعب ) .

7-  اسم الدولة  “الجمهورية العربية السورية”، حيث نعلم أن العرب أحد مكونات الشعب السوري وهذا يعد إقصاءا لمكونات أصيلة من الشعب السوري كالكورد والسريان الآشوريين ، الأرمن، والتركمان وغيرهم.

هذه بعض الملاحظات والانتقادات على الإعلان الدستوري أذا ما قورن بنظرة قانونية من قبل قضاة ومحامين أكفاء مراعين الحيثيات التكوينية للشعب السوري ذات الفسيفساء الجميل . وبناء على هذا فإننا لا نتأمل خيرا في تشكيل حكومة انتقالية وطنية تشمل كافة مكونات الشعب السوري الأصيلة ويعبر عن تطلعاتهم وطموحاتهم في الحرية والعدالة والمساواة فما جرى من تشكيل لجنة الحوار الوطني وكذلك جلسة الحوار الوطني والاعلان الدستوري تنبئ بمستقبل فيه الكثير من التهميش والاقصاء وعدم انتقاء الممثلين الحقيقيين لهذه المكونات وعلى أساس الكفاءة والتكنوقراط لتمثيل مكوناتهم في الحكومة ومجلس الشعب والمؤسسات والإدارات  وهذا سيؤدي الى انتاج أشكال سلطوية تفردية وأحادية الفكر والممارسة وهذا ما لم يقبله الشعب السوري الذي ضحى وقدم مئات الآلاف من الشهداء للتخلص من الطاغية والديكتاتور بشار الأسد للحصول على حريته وكرامته وبناء دولة المواطنة والديمقراطية واللامركزية .

إننا الآن كسوريين في مرحلة البناء والتأسيس وهذه العملية صعبة وتتطلب تكاتف جهود كل السوريين بكافة مكوناته والاعلان الدستوري بهذه الصيغة فيه الكثير من الثغرات والنواقص والملاحظات ولا يعبر عن وجدان وضمير وتطلعات كافة المكونات وهذا يدعو الى الرفض وإعادة النظر فيه إذا كنا نود بحق أن نؤسس لسوريا جديدة متطورة ومن فلا بد من وضع دستور عصري يمثل كافة السوريين ويضمن حقوقهم القومية والدينية والمذهبية كما يضمن المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وكذلك تشكيل حكومة وطنية على أساس الكفاءة والتكنوقراط وتمثل كافة المكونات على أساس الديمقراطية التوافقية للوصول بسوريا الى بر الأمان كي ينعم فيها الجميع بالحرية والكرامة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

المحامي عماد الدين شيخ حسن   نشر مجلس سوريا الديموقراطية ( مسد) عبر صفحته الرسمية وموقعه على منصة ” X” مقالاً لعبد القادر موحد، عضو المجلس التنفيذي في مجلس سوريا الديمقراطية، بعنوان: ( المصطلحات القومية في الفكر الاوجلاني من ” الشعب الكردي” الى ” المجتمع الكردي” و” المجتمع الاصيل”)، وسرعان ما جرى حذف المقال وازالته من الموقعين. وبالنسبة لي شخصيّاً،…

صلاح بدرالدين   بحكم تواجدنا القسري في لبنان في سنوات نظام البعث وحكم الدكتاتور حافظ الأسد ، تعرفنا عن كثب على قادة الحركة الوطنية اللبنانية وفي المقدمة الشهيد كمال جنبلاط ، الذين استقبلونا برحابة الصدر ، ولاننا كنا مستهدفين من أجهزة ذلك النظام الشوفيني المجرم ، فقد قدم لنا الرفاق اللبنانييون ، والأصدقاء في منظمة التحرير الفلسطينية ، كل أسباب…

قبل أحداث الملعب البلدي (الدَّامية) في قامشلو (يوم الجمعة 12 آذار عام 2004م)، والتي أعقبتها مُباشرةً انتفاضةُ كرد قامشلو.. في ذلك الوقت كنتُ مُقيماً في بلدة نصيبين التركية الجارة الملاصقة لقامشلو، أمارس عملي كطبيبٍ أسنان، وكذلك كنتُ أكتب المقالات تحت اسمٍ مستعارٍ (بافي رامان)، والقلَّة من الأصدقاء كانوا يعرفونني بذلك الاسم المستعار، الذي ظلّ طي الكتمان، فقد كنتُ أبعثُ مقالاتي…

المهندس باسل قس نصر الله   الرحيلُ هو نوعٌ من الهروبِ نتيجةَ الخوفِ من البقاءِ. هذه حالُ الكثيرِ من المسيحيينَ – والأقلياتِ الأخرى – الذينَ يواجهونَ اليومَ تحدياتٍ جسيمةً تتعلقُ بالخوفِ والهجرةِ، بعدَ الصراعِ الدامي الذي عصفَ بالبلادِ منذ عامِ 2011 حتى 2024، فقد أدّتِ الحربُ إلى تدهورِ الأوضاعِ الأمنيةِ والاقتصاديةِ، مما دفعَ بالعديدِ من المسيحيينَ إلى مغادرةِ وطنِهم بحثاً…