اكرم حسين .
تُمثّل الديمقراطية والمواطنة المتساوية إحدى القضايا الاكثر أهمية في النقاش السياسي والاجتماعي حول إعادة بناء الدولة السورية . فقد شهدت سوريا عقوداً من الحُكم الاستبدادي الذي أفرغ المؤسسات الحكومية من محتواها الديمقراطي ، ورسّخ نهجاً سلطوياً عمّق الفجوة بين الدولة والمجتمع ، ومع الهجوم الذي قامت به هيئة تحرير الشام ، وافضى إلى هروب الأسد وإسقاط نظامه ، برز لدى الجميع سؤال محوري حول طبيعة النظام البديل ، وآليات تحقيق الديمقراطية والمواطنة المتساوية في مجتمع متنوع يعاني من الانقسامات العرقية والطائفية والسياسية وفي المقدمة منها كيفية صياغة عقد اجتماعي جديد يعبّر عن إرادة الشعب السوري بكل مكوناته ، ويضمن حقوق الأفراد والجماعات بعيداً عن منطق الهيمنة والإقصاء. بحيث يستند إلى مبادئ الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ويضمن التمثيل العادل لجميع الأطياف السورية في إدارة شؤون البلاد.
فالديمقراطية، بمعناها الأوسع، ليست مجرد أداة لانتقال السلطة بل ثقافة سياسية واجتماعية تحتاج إلى تهيئة الأرضية المناسبة لترسيخها ، ومعالجة مجموعة من التحديات البنيوية التي خلّفها النظام السابق ، بما في ذلك تدمير النسيج الاجتماعي وانعدام الثقة بين مكونات المجتمع . ما يجب على “الادارة السورية الجديدة ” الاسراع في تقديم رؤية لكيفية إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق أسس ديمقراطية والعمل على تفعيلها ، بحيث تضمن الفصل بين السلطات ، واستقلالية القضاء ، واحترام حقوق الإنسان ، والاعتراف بتنوع المجتمع السوري ، والتعامل مع هذا التنوع ، بوصفه مصدر قوة وليس خطراً أو تهديداً يمس امنه وكيانه.!
في حين ، يُعد تحقيق المواطنة المتساوية في سوريا الجديدة ، عنصراً اساسياً لضمان استقرارها واحتياجاتها . بما تعنيه تساوي جميع السوريين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس أوالانتماء السياسي . بحيث يكون هذا المبدأ حجر الزاوية في النظام السياسي الجديد لضمان تجاوز الانقسامات والصراعات التي أضعفت البلاد على مدار عقود. وهو ما يستدعي سيادة القانون ، واعتماد سياسات شاملة تعالج المظالم التاريخية ، وتعزّز الشعور بالانتماء الوطني لدى جميع مكونات الشعب السوري.
من هنا فإن التحديات أمام الانتقال الديمقراطي في سوريا الجديدة ليست بسيطة ، ومن أبرزها يأتي الإرث الثقيل لنظام الأسد الذي زرع الخوف ، وعدم الثقة بين السوريين ، وعزّز الانقسامات الطائفية والعرقية. إضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية التي عقّدت المشهد السوري، ممن خلال سعي بعض الأطراف الإقليمية إلى استغلال الأزمة لتحقيق مصالحها على حساب بناء الدولة السورية الديمقراطية.
ان قضية التحول الديمقراطي في سوريا تتطلب وجود إرادة وطنية جامعة وقادرة على تجاوز هذه العقبات ، وبناء نظام جديد يقوم على الشراكة السياسية والحيادية تجاه مكونات الشعب السوري.
وفي هذا السياق يكتسب دور النخب السياسية والمجتمع المدني أهمية استثنائية في تجاوز الخلافات الأيديولوجية والتكتلات الحزبية الضيقة وبناء توافق وطني واسع يشمل جميع السوريين. بينما يمكن للمجتمع المدني، أن يلعب دوراً حيوياً في نشر ثقافة الديمقراطية والمواطنة عبر التوعية وتعزيز الحوار بين المكونات المختلفة. في حين يمكن ان تساهم المنظمات الحقوقية والمدنية في مراقبة العملية الانتقالية وضمان التزامها بالمبادئ الديمقراطية.
وعلى المستوى الاقتصادي، يتطلب تعزيز الديمقراطية والمواطنة المتساوية سياسات تنموية عادلة تُحقق توزيعاً متوازناً للموارد بحيث تُعالج الفقر والتفاوت الاجتماعي وتحسّن الظروف الاقتصادية للسوريين الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تقوية الثقة بالمؤسسات ويعزٌز الشعور بالمواطنة. عبر اعادة الاعمار وتحقيق تنمية مستدامة تفيد جميع السوريين دون استثناء.
دولياً، يحتاج السوريون إلى دعم حقيقي من خلال التركيز على مساعدة السوريين في بناء مؤسسات ديمقراطية قوية ، وليس فرض أجندات خارجية ،ومعالجة القضايا الإقليمية المرتبطة بالصراع السوري، بما في ذلك التدخلات الأجنبية ودور القوى الكبرى.
باختصار، مستقبل الديمقراطية والمواطنة المتساوية في سوريا بعد إسقاط الأسد يعتمد على قدرة السوريين على بناء نظام سياسي جديد قائم على التوافق الوطني ، واحترام التنوع والعدالة الاجتماعية ، وتقديم جهد مشترك من قبل جميع القوى الوطنية والاقليمية والدولية ، وإذا نجح السوريون في تحقيق هذا التحول، فإن سوريا يمكن أن تكون نموذجاً يُحتذى بها في المنطقة كدولة ديمقراطية حديثة قائمة على المواطنة المتساوية وسيادة القانون.