محاولة في تقييم دعوة اوجلان

صلاح بدرالدين

 

منذ فترة وكانت التحضيرات جارية بين تركيا، وقنديل، مرورا باربيل لاتخاذ خطوة من جانب – اوجلان –  كانت موضع ترقب وانتظار، الا ان تحققت رسالة خطية باللغة التركية كتبها عبد الله اوجلان زعيم ومؤسس حزب العمال الكردستاني بتاريخ ٢٥ – ٢ – ٢٠٢٥ تحت عنوان ( دعوة السلام والمجتمع الديموقراطي ) من سجنه في – ايمرلي – نقلها واذاعها قيادييون في– حزب ديموقراطية الشعوب  – بتاريخ ٢٧ – ٢ – ٢٠٢٥ باستانبول امام حشد من أعضاء وانصار هذا الحزب الموالي ل – ب ك ك – .

رسالة اوجلان الخطية هذه اختلفت من حيث المحتوى والتوقيت عن العشرات من سابقاتها التي كان ينقلها عنه محاموه شفويا وبشكل دوري بالدعوة الى السلام، وحقن الدماء وما الى غير ذلك من التعبيرات العامة التي لاتلزم أحدا، فالرسالة الأخيرة التي كانت محط انظار الملايين في تركيا وسائر البلدان التي يتوزع فيها الكرد وموطنهم التاريخي، وترقب المجتمع الإقليمي والدولي، اعتبرها البعض نداء، ودعوة، ولكنها بالحقيقة  بمثابة أوامر، وقرار قطعي، من اعلى موقع تراتبي في حزب ( عسكريتاري ) اقرب الى – البونابرتية، والبولبوتية – عرف عنه – عبادة الفرد – ولاحياة من دون القائد آبو – لذلك فان القرار لارجعة عنه، واية مخالفة من شانها خلق المصادمات، واهراق الدماء، والانقسامات، فماهو مطلوب من حزب الله اللبناني مثلا، او حركة حماس، او الحوثيين، او الحشد الشعبي بالعراق، بالتجريد من السلاح، والتحول الى تنظيمات مدنية، والخضوع للقوانين السائدة، مطلوب أيضا من حزب العمال الكردستاني في مركزه الرئيسي بقنديل، وجميع فروعه وتشكيلاته المنتشرة في العراق، وسوريا، وايران، والخارج .

 

في مبررات حل الحزب

   تناول القرار – الرسالة حزب العمال الكردستاني، وأسباب حله ليس من منظور ان هذا الحزب فصيل من فصائل حركة التحرر الكردستانية، وتطوراتها البنيوية، وازماتها النظرية، وانتصاراتها، واخفاقاتها، ومراحل نشوئها، ومفاهيمها القومية والوطنية، واجنحتها اليمينية واليسارية، وعلاقات فصائلها السلبية والايجابية، ومشكلة التدخل بشؤون بعضها البعض، ومسائل الهيمنة والتبعية، بل ربط القرار ( من الناحية النظرية والبرنامجية والاستراتيجية والتكتيكية، تأثر الحزب بشدة بالنظام الاشتراكي الواقعي في القرن العشرين. ومع انهيار الاشتراكية الواقعية في التسعينيات لأسباب داخلية، وتراجع سياسة إنكار الهوية في البلاد، والتطورات التي شهدتها حرية التعبير، فقد الحزب أهميته وأصبح يعاني من التكرار المفرط. ونتيجة لذلك، استكمل دوره مثل نظرائه، وأصبح حله ضرورة ) .

    بل ان مضمون القرار يوحي بالتبرؤ جملة وتفصيلا من الانتماء الى الحركة التحررية القومية (   أما الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي، أو الحلول الثقافوية، فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع.)، كما لايعتبر القرار ان كرد تركيا وهم اكثر من نصف كرد العالم، يستحقون حق تقرير المصير حتى في اطار الدولة التركية،(  إن احترام الهوية، وحرية التعبير، والتنظيم الديمقراطي، وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل فئة وفقًا لأسسها الخاصة، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي ومساحة سياسية ديمقراطية ) .

وبالاخير ينطلق القرار من (   في ظل المناخ الحالي، الذي تشكل بدعوة السيد دولت بهتشلي، والإرادة التي أظهرها السيد رئيس الجمهورية، والمواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى تجاه هذه الدعوة، أتوجه بالدعوة إلى التخلي عن السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة )  داعيا الى (  اتفقوا على عقد مؤتمر واتخاذ قرار بالاندماج مع الدولة والمجتمع، ويجب على جميع المجموعات التخلي عن السلاح، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يحل نفسه ).

 

مالم يذكره اوجلان

   لاشك ان قراره بحل – حزب العمال الكردستاني – وجميع فروعه، وتشكيلاته ومن ضمنها ( الفرع السوري )، وتجريده من السلاح، والعودة الى الحوار السلمي من اجل معالجة القضية الكردية في تركيا بالطريقة الممكنة خطوة بالاتجاه الصحيح، ولو انها متأخرة،  ولاقى تجاوبا من جانب غالبية الكرد بالعالم، ومن اصدقائهم، ومحبي الحرية والسلام وذلك ليس للأسباب التي ذكرها زعيمه، ومؤسسه فقط بل لضرورات أخرى أساسية ومنها :

  أولا – في اول ظهور هذا الحزب في ثمانينات القرن الماضي  ارتبط نشوءه بنظام الدكتاتور حافظ الأسد، الذي كان معاديا، ومضطهدا، للكرد السوريين، ثم استغله النظام لخدمة مصالحه، واستخدمه كمخلب ضد الحركة الكردية في سوريا، والعراق .

  ثانيا – اخفق الحزب في ساحته التي ظهر من اجلها، وبما انه جسد تيارا مغامرا استخدمته الأنظمة الأربعة كراس حربة موجهة الى الحركة الكردية في الأجزاء الأخرى وخاصة ضد الإنجاز الفيدرالي بإقليم كردستان العراق .

  ثالثا – ارتبط اسمه بالإرهاب لأول مرة في تاريخ الحركة التحررية الكردية، وصنف حزبا إرهابيا في القوائم الدولية .

  رابعا – اول حزب في الحركة الكردية استخدم العنف والاغتيالات، وتصفية الخصوم بسبب الخلافات الفكرية، والسياسية .

  خامسا – منذ نشوئه كان حزبا قلقا غير مستقر من النواحي الفكرية، فمن اعلان تحرير وتوحيد كردستان الكبرى، انتهى به المطاف الى ( الامة الديموقراطية ) وانكار مبدأ حق تقرير مصير الشعوب .

  سادسا – ومن تناقضات هذا الحزب  الصارخة بدأ من منطلق السيطرة على كافة الأجزاء، وبناء فروع في العراق وسوريا وايران، كبديل للحركات الكردية الاصيلة، وانتهى به الامر للاستجابة الى طلب زعيم قومي عنصري متعصب سعى لابادة الكرد ومن دون مقابل يذكر .

  لكل هذه الأسباب الداخلية المرتبطة بالعامل الذاتي، كان يجب القول ان الحزب فشل، واخفق، ووجوده يلحق الضرر بالقضيتين القومية والوطنية، وليس فقط لاسباب خارجية موضوعية .

شارك المقال :

3 2 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عزالدين ملا شهدت سوريا خلال العقد الماضي تحولات عميقة قلبت معالم المشهد السياسي والاجتماعي فيها رأساً على عقب، وأدت إلى تفكك بنية الدولة وفقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها. بعد سقوط النظام الذي حكم البلاد لعقود، توقّع الكثيرون بداية عهد جديد يعمه السلام والاستقرار، لكن سوريا دخلت في دوامة أعمق من الصراع، إذ تعقّدت الأزمة بشكل لم يسبق له…

عبدالرحمن كلو لم يكن مؤتمر قامشلو مجرّد لقاء عابر بين طرفين متخاصمين في الساحة الكوردية، بل كان خطوة نوعية تُلامس أفقًا سياسيًا أوسع بكثير من مجرد “اتفاق ثنائي”. فبرعاية أمريكية وفرنسية، وبإشراف مباشر من الرئيس مسعود البارزاني، تمكّن المؤتمر من جمع طيف متنوع من القوى، لا يقتصر على المجلس الوطني الكوردي أو الإدارة الذاتية، بل شمل شخصيات وطنية مستقلة،…

هولير (ولاتي مه) شفيق جانكير: بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقة موقع “ولاتي مه”، جرى في كافتيريا “أريزونا” بهولير (أربيل) تكريم الباحث والمحلل السياسي الأستاذ عماد باجلان. وجاء هذا التكريم تقديرا لدور باجلان البارز في الساحة الإعلامية والسياسية، وجهوده المتواصلة في الدفاع عن الحقوق والقضايا العادلة للشعب الكردي، ووقوفه في مواجهة الأصوات الشوفينية والعنصرية التي تحاول إنكار حقوق الكورد أو…

د. ولات محمد   “وبضدها تتميز الأشياء” المتنبي   تراجعت الحملة الدعائية الروسية ضد أمريكا والكورد بشكل ملحوظ ما بين صيف عام 2022 وصيف عام 2024 (هل كانت موسكو على علم بالتحضير الغربي لإسقاط النظام؟)، لكنها عادت نسبياً إلى نشاطها من جديد ابتداء من خريف ذلك العام. ويلاحظ من تواريخ التصريحات أنها تكثفت قبل سقوط النظام ثم خفّت بعده…