لما الخوف من إقامة أنظمة إتحادية بالشرق الأوسط ؟.

شكري  بكر
طبيعة الأنظمة في الشرق الأوسط تختلف عن طبيعة الأنظمة في المجتمعات الغربية، التي لا تخشى من طبيعة أنظمة الحكم فيها. هناك نوعان أساسيان لأنظمة الحكم: الفيدرالي والكونفدرالي، وكافة دول الغرب تعتمد أحد هذين النظامين. في المقابل، نجد أن شعوب الشرق الأوسط تتخوف من تطبيق الأنظمة الاتحادية، سواء الفيدرالية أو الكونفدرالية.
فلماذا تتخوف شعوب الشرق من النظام الاتحادي (الفيدرالي أو الكونفدرالي)؟
أعتقد أن بوادر التخوف لدى شعوب الشرق من إقامة النظام الاتحادي تعود لعدة أسباب رئيسية، أهمها:
  1. انعدام الوعي لدى مكون الأغلبية في المجتمع الشرقي، مما يؤدي إلى استغلال النظام من قِبل هذه الأغلبية، سواء لأهداف قومية أو دينية. لذلك، ليس من السهل أن تتبنى هذه الأغلبية مبدأ فصل الدين عن الدولة، على غرار ما حدث في دول الغرب.
  2. تخوف الأكثرية القومية أو الدينية من هاجس الانفصال. هذا التخوف لا ينبع فقط من عدم تفهمهم لثقافة الشراكة في السلطة مع المكونات الأخرى، بل يتعمدون إقصاء تلك المكونات عمدًا، وهو ما يساهم في تعزيز الفجوة.
  3. فقدان الثقة بين الأكثرية القومية أو الدينية والمكونات الأخرى. على الرغم من أن هذه الشعوب تعيش معًا منذ عصور طويلة، إلا أن الثقة لا تزال مفقودة، وهو ما يعمق الخلافات ويعرقل إقامة نظام اتحادي.
  4. التحديات الاقتصادية. يُعتبر العامل الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية لرفض أغلبية سكان المجتمع الشرقي للنظام الاتحادي. يعود هذا الرفض إلى ثقافة الأنانية السائدة في المنطقة، والتي ترتكز على التفاخر القومي والديني. حيث يُسمح بتمجيد القومية الخاصة بالأغلبية، بينما يُحرَّم على الأقليات ممارسة الأمر نفسه.

وضع المكون الكردي في المنطقة
المكون الكردي، الذي يُعتبر من أقدم الشعوب في المنطقة، لا يزال بلا دولة مستقلة. لم يتم الاعتراف بهويته القومية ولا بثقافته التاريخية من قِبل الدول التي يتواجد فيها، ولم يُمنح حقوقه المشروعة.
هنا يطرح السؤال:
ما الدوافع التي أدت إلى حرمان الشعب الكردي من إقامة دولته المستقلة؟
أعتقد أن السبب الأساسي لذلك هو الخوف من إقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة. يعود هذا الخوف إلى ما خلفته اتفاقية سايكس بيكو السيئة الصيت، التي قسَّمت الكرد إلى أجزاء متعددة موزعة بين عدة دول: تركيا، إيران، العراق، وسوريا، بالإضافة إلى الجزء الذي كان يخضع للسلطة السوفيتية في عهد لينين تحت اسم كردستان الحمراء، والتي انهارت لاحقًا على يد جوزيف ستالين.
اتفاقية سايكس بيكو وتأثيرها على الأكراد
جميع شعوب المنطقة حصلت على دولها المستقلة بعد الحرب العالمية الأولى، باستثناء الكرد. تم تقسيم أراضيهم وشعبهم وفق مصالح القوى الاستعمارية الكبرى، وتحديدًا بريطانيا وفرنسا. هذه الاتفاقية كانت سببًا رئيسيًا في حرمانهم من دولتهم القومية.
التغيرات الدولية الحالية
بعد مرور مئة عام على اتفاقية سايكس بيكو، تغيَّرت موازين القوى الدولية. ظهرت دول جديدة تنافس بريطانيا وفرنسا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود التحالف الدولي حاليًا. بناءً على هذه التغيرات، يُتوقع أن تُجرى تقسيمات إدارية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، تتماشى مع متطلبات النظام العالمي الجديد.
هذا التقسيم الجديد سيهدف إلى:
  • إعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها.
  • وضع حد للإرهاب والتطرف.
  • منع هيمنة الأكثرية على الأقليات، سواء كانت قومية أو دينية.
الخلاصة:
التقسيم الإداري الجديد المتوقع للمنطقة سيختلف تمامًا عما كان عليه في القرن الماضي. سيضع حدًا للتناقضات الفكرية والسياسية ذات الجذور القومية والدينية والمذهبية التي سادت المنطقة. الهدف الأساسي لهذا التقسيم هو تحقيق الأمن والاستقرار، وإرساء نظام عادل يحترم حقوق جميع الشعوب والمكونات، بما في ذلك الأكراد، الذين يُتوقع أن يحصلوا على حقوقهم المشروعة ضمن هذا النظام الجديد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

منظمة حقوق الإنسان في عفرين أستُقبل وزير الثقافة في الحكومة الإنتقالية السورية محمد ياسين صالح و الوفد المرافق له في مدينة عفرين ، على أنغام الزرنة و الطبل من قبل أبناء المنطقة إلى جانب بعض من المواطنين العرب القاطنين منذ سنوات في المدينة ، وسط غياب أغلب رؤوساء البلديات و أعضاء منظمات و نشطاء المجتمع المدني و الأكاديميين الكُرد ،…

عزالدين ملا شهدت سوريا خلال العقد الماضي تحولات عميقة قلبت معالم المشهد السياسي والاجتماعي فيها رأساً على عقب، وأدت إلى تفكك بنية الدولة وفقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها. بعد سقوط النظام الذي حكم البلاد لعقود، توقّع الكثيرون بداية عهد جديد يعمه السلام والاستقرار، لكن سوريا دخلت في دوامة أعمق من الصراع، إذ تعقّدت الأزمة بشكل لم يسبق له…

عبدالرحمن كلو لم يكن مؤتمر قامشلو مجرّد لقاء عابر بين طرفين متخاصمين في الساحة الكوردية، بل كان خطوة نوعية تُلامس أفقًا سياسيًا أوسع بكثير من مجرد “اتفاق ثنائي”. فبرعاية أمريكية وفرنسية، وبإشراف مباشر من الرئيس مسعود البارزاني، تمكّن المؤتمر من جمع طيف متنوع من القوى، لا يقتصر على المجلس الوطني الكوردي أو الإدارة الذاتية، بل شمل شخصيات وطنية مستقلة،…

هولير (ولاتي مه) شفيق جانكير: بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقة موقع “ولاتي مه”، جرى في كافتيريا “أريزونا” بهولير (أربيل) تكريم الباحث والمحلل السياسي الأستاذ عماد باجلان. وجاء هذا التكريم تقديرا لدور باجلان البارز في الساحة الإعلامية والسياسية، وجهوده المتواصلة في الدفاع عن الحقوق والقضايا العادلة للشعب الكردي، ووقوفه في مواجهة الأصوات الشوفينية والعنصرية التي تحاول إنكار حقوق الكورد أو…