لا جدوى من الحوار مع الشرع: المطلوب جبهة سورية موحدة ضد الاستبداد

عدنان بدرالدين

 

في 13 مارس 2025، وقع الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع على مسودة دستور مؤقت سيظل ساري المفعول لمدة خمس سنوات. وبدلاً من أن يؤسس لدولة ديمقراطية وشاملة، يرسخ هذا الدستور الحكم الاستبدادي بغطاء ديني. فهو يعلن أن سوريا دولة عربية، وأن اللغة العربية هي لغتها الرسمية، وأن الفقه الإسلامي هو المصدر الأساسي للتشريع. كما يشترط أن يكون الرئيس مسلماً. لا يتضمن هذا الدستور أي إشارة إلى المكونات العرقية والدينية المتنوعة في سوريا – الكرد، الدروز، العلويين، المسيحيين، التركمان، الإسماعيليين وغيرهم – فضلاً عن حقوقهم. علاوة على ذلك، فإنه يركز سلطات مفرطة في يد الرئيس، مما يجعله نظاما استبدادياً مشابهاً، إن لم يكن أسوأ، من نظام الأسد.

 

عهد جديد من القمع

 

إن هذه المسودة الدستورية ليست خطوة نحو الحرية، بل إطار قانوني لشكل جديد من الطغيان يتعارض مع مصالح الغالبية العظمى من السوريين. فهي لا تهمش فقط المكونات العرقية والطائفية في البلاد، التي تشكل جزءاً مهماً من النسيج الديموغرافي السوري، بل تخون أيضاً آمال الكثير من العرب السنة، الذين يدّعي نظام الشرع تمثيلهم. وبدلاً من تعزيز الديمقراطية والوحدة، فإن الدستور الجديد يؤسس للإقصاء والتمييز.

 

نهاية وهم اتفاق الشرع – عبدي

 

إن الإعلان الدستوري، بتوجهه الطائفي والعنصري الصارخ، يسلب اتفاق الشرع – عبدي أي شرعية. فقد تم الترويج لهذا الاتفاق من قبل مؤيديه على أنه خطوة نحو تحقيق الاستقرار والعدالة في سوريا لامركزية وتعددية وديمقراطية. لكن الحقيقة باتت واضحة الآن: إدارة الشرع، وهي سلطة أمر واقع غير منتخبة فُرضت من قبل فصائل مسلحة مصنفة بغالبيتها كمنظمات إرهابية، تسعى إلى بناء دولة استبدادية إقصائية تتمحور حول عبادة زعيم معصوم من الخطأ.

 

دعوة إلى جبهة سورية موحدة ضد الاستبداد

 

يجب على القوى الديمقراطية في سوريا أن تدرك خطورة اللحظة الراهنة. فهناك نظام استبدادي جديد في طور التشكّل، يهدد بالقضاء على أي فرصة لسوريا حرة وعادلة. يتوجب على جميع القوى الديمقراطية، ومنظمات المجتمع المدني، والمثقفين، والنشطاء من كل المكونات أن يتوحدوا في جبهة سورية واسعة ضد الاستبداد. يجب أن يتم تنظيم هذه الجبهة عبر جميع الأراضي السورية، وأن تعبر فوراً عن رفضها القاطع لسياسات الشرع بكل الوسائل الديمقراطية المتاحة.

 

ومن بين أكثر الاستراتيجيات فعالية لمواجهة هذا النظام الديكتاتوري الناشئ، تنظيم الاحتجاجات الجماهيرية، والعصيان المدني، والدعوة إلى تدخل دولي لحماية الحقوق والحريات. كما أن دور المثقفين أساسي: فهم مسؤولون عن كشف حقيقة هذا النظام، وزيادة الوعي داخل المجتمع السوري، وإشراك المؤسسات الدولية لمنع ترسيخ دكتاتورية أخرى تحت ستار وطنية وديمقراطية مزيفتين.

 

رفض التعاون مع سلطة غير شرعية

 

يجب أن تتخذ هذه الجبهة الموحدة موقفاً واضحاً: إن إدارة الشرع هي سلطة أمر واقع وليست ممثلاً شرعياً لسوريا. وأي مفاوضات معها ستكون بلا جدوى ما لم تتحول إلى حكومة ديمقراطية غير طائفية تعمل فعلياً لصالح جميع السوريين. وحتى ذلك الحين، فإن الانخراط معها لن يؤدي إلا إلى إضفاء الشرعية على تحول سوريا إلى إمارة إسلامية يحكمها المتطرفون.

 

لقد انتهى وقت الانتظار. يجب على الشعب السوري أن ينهض لاستعادة بلاده من موجة جديدة من الإستبداد والقمع الذي شهدنا فصلا دمويا بشعا منه في الساحل، قبل فوات الأوان. إن النضال من أجل سوريا حرة وديمقراطية ولامركزية يجب أن يبدأ الآن.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ألبيرتو نيغري النقل عن الفرنسية: إبراهيم محمود ” تاريخ نشر المقال يرجع إلى ست سنوات، لكن محتواه يظهِر إلى أي مدى يعاصرنا، ككرد، أي ما أشبه اليوم بالأمس، إذا كان المعنيون الكرد ” الكرد ” لديهم حس بالزمن، ووعي بمستجداته، ليحسنوا التحرك بين أمسهم وغدهم، والنظر في صورتهم في حاضرهم ” المترجم   يتغير العالم من وقت لآخر: في…

شادي حاجي مبارك نجاح كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روژآڤاي كردستان في قامشلو ٢٦ نيسان ٢٠٢٥ الذي جاء نتيجة اتفاقية بين المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) واتحاد الأحزاب الوطنية (PYNK) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي بعد مفاوضات طويلة ومضنية على مدى سنوات بمبادرات وضغوط كردستانية واقليمية ودولية وشعبية كثيرة بتصديق وإقرار الحركة الكردية في سوريا بمعظم أحزابها ومنظماتها الثقافية…

د. محمود عباس   إلى كافة الإخوة والأخوات، من قادة الحراك الكوردي والكوردستاني، وأعضاء الكونفرانس الوطني الكوردي، والضيوف الكرام، وإلى كل من ساهم وشارك ودعم في إنجاح هذا الحدث الكوردستاني الكبير. أتوجه إليكم جميعًا بأسمى آيات الشكر والتقدير، معبّرًا عن فخري واعتزازي بما حققتموه عبر انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي في مدينة قامشلو بتاريخ 26 نيسان 2025. لقد كان هذا الكونفرانس…

أثمرت إرادة الشعب الكردي في سوريا، الذي لطالما تطلّع إلى وحدة الصف والموقف الكردي، عن عقد الكونفرانس الذي أقرّ وثيقة الرؤية الكردية المشتركة لحل القضية الكردية في سوريا، بإجماع الأحزاب الكردية، ومنظمات المجتمع المدني، والفعاليات المجتمعية المستقلة من مختلف المناطق الكردية وعموم سوريا. ويجدر بالذكر أن هذا الإنجاز تحقق بمبادرة من فخامة الرئيس مسعود بارزاني، وبالتعاون مع الأخ الجنرال مظلوم…