كوباني بين نار التهديدات التركية وصمت المجتمع الدولي

محمد زيتو
مدينة كوباني، أو عين العرب، لم تعد مجرد نقطة على الخريطة السورية، بل تحولت إلى رمز عالمي للصمود والنضال. المدينة التي صمدت في وجه تنظيم داعش ودفعت ثمنًا غاليًا لاستعادة أمنها، تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ جديد وأكثر تعقيدًا. فالتهديدات التركية المتزايدة بشن عملية عسكرية جديدة تهدد بإعادة إشعال الحرب في منطقة بالكاد تعافت من آثار النزاع، ما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذا التصعيد، وأين يقف العالم من كوباني ليست مجرد مدينة صغيرة في شمال سوريا، بل تمثل رمزًا مهمًا في مشروع الإدارة الذاتية الكردية، الذي يرى فيه الأكراد حلمهم في الحكم الذاتي. لكنها، في المقابل، تقع في قلب الصراعات الجيوسياسية التي تُحركها المصالح الإقليمية والدولية.
تركيا، التي تنظر بريبة إلى أي تحرك كردي على حدودها، تعتبر السيطرة الكردية على كوباني تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. لكن التهديدات التركية تتجاوز مخاوف الأمن القومي، فهي تسعى لتوسيع نفوذها الجغرافي في الشمال السوري وفرض معادلة جديدة تتلاءم مع طموحاتها الإقليمية، رغم أن أنقرة تبرر تهديداتها بحماية حدودها من “الإرهاب”، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيدًا. تركيا لا ترى في كوباني مجرد مدينة حدودية، بل تعتبرها جزءًا من مشروع كردي أكبر قد يمتد إلى الداخل التركي.
ومن هنا، فإن العمليات العسكرية التركية في سوريا، التي بدأت منذ عام 2016، تهدف إلى تقويض هذا المشروع. عمليات مثل “نبع السلام” و”درع الفرات” كانت خطوات ضمن استراتيجية أوسع تسعى إلى إعادة رسم خريطة الشمال السوري بما يتناسب مع المصالح التركية. واليوم، يبدو أن كوباني هي الهدف التالي، لما تحمله من رمزية سياسية وقيمة استراتيجية.
وسط كل هذا التصعيد، يبقى السكان المدنيون الحلقة الأضعف في الصراع. كوباني التي دفعت ثمنًا غاليًا خلال الحرب ضد داعش، لا تزال تعاني من آثار الدمار وغياب الخدمات. ومع تصاعد التهديدات التركية، يواجه السكان احتمال نزوح جديد، في ظل أوضاع إنسانية متدهورة.
لكن الخطر لا يقتصر على النزوح فقط، بل يشمل التحولات الديموغرافية التي قد تُفرض قسرًا على المنطقة، في حال نجحت تركيا في السيطرة عليها، كما حدث في عفرين ومناطق أخرى.
رغم كل ما تشهده المنطقة من تصعيد، يبقى الموقف الدولي مترددًا. الولايات المتحدة، التي كانت شريكًا رئيسيًا لقوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد داعش، لم تتخذ موقفًا واضحًا حيال التهديدات التركية.
أما القوى الأوروبية، التي تراقب الوضع عن كثب، فاقتصرت مواقفها على التصريحات الدبلوماسية دون أي خطوات عملية للضغط على أنقرة. هذا الصمت الدولي لا يثير القلق فقط، بل يُعزز الشعور بأن كوباني قد تُترك وحدها مرة أخرى لمواجهة مصيرها.
كوباني اليوم تقف على مفترق طرق، بين صراع سياسي محتدم ومأساة إنسانية تلوح في الأفق. المدينة التي أثبتت قدرتها على الصمود في وجه أقسى الظروف تواجه تحديًا جديدًا، قد لا يقتصر على البعد العسكري فقط، بل يمتد إلى مصيرها كجزء من المشروع الكردي في سوريا.
ومع غياب الإرادة الدولية الواضحة، يبقى السؤال: هل تستطيع كوباني مرة أخرى أن تتجاوز هذه المحنة، أم أن هذه التهديدات ستعيد رسم ملامح المنطقة بشكل لا رجعة فيه؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بعد مرور إحدى وستِّين سنةً من استبداد نظام البعث والأسدَين: الأبِّ والابن، اجتمعت اليوم مجموعةٌ من المثقَّفين والنّشطاء وممثِّلي الفعاليات المدنيَّة الكرديَّة في مدينة «ڤوبرتال» الألمانيّة، لمناقشة واقع ومستقبل شعبنافي ظلِّ التغيُّرات السياسيّة الكُبرى التي تشهدها سوريا والمنطقة. لقد أكَّد الحاضرون أنَّ المرحلة الحاليَّة تتطلَّب توحيدالصّفوف وتعزيز العمل المشترك، بعيداً عن الخلافات الحزبية الضيِّقة. لقد توافق المجتمعون على ضرورة السّعي…

يونس حمد الراتب هو الحد الأدنى الذي يحصل عليه الموظف يتقاضاها من الدولة نظير واجباته وجهوده. لذلك مع الراتب الذي يتقاضاه هذا الشخص إلى حد ما، يمكنه إعالة أسرته وأطفاله لمدة شهر وسوف يستمر هذا العمل حتى وتأتي نهاية شهر آخر ويحصل على راتب آخر أيضًا وسوف تستمر. هذا الحق لكل عامل وموظف في أي دولة، بغض النظر عن…

صبري رسول دخل السّيد أحمد الشّرع مدينة دمشق في السّابع من ديتسمبر كرجلٍ سياسيّ قبل أن يكون عسكرياً بعد إن زحفت قواته من إدلب أقصى الشّمال الغربي إلى عاصمةٍ تُعَدّ من أكثر المدن تحصيناً في سوريا، حيث قوات حزب الله والحرس الثّوري الإيراني وقوات الحرس الجمهوري تحيط بها، وإحدى العواصم التي اختلف عليها العالم كلّه. سوريا التي حكمها وجهٌ واحد،…

صلاح بدرالدين قد تضيع اللحظة التاريخية ولكن لن يفوت الأوان دائما هناك لحظات تاريخية في حياة الشعوب خصوصا عندما يلتقي الذاتي والموضوعي في الزمن المحدد الذي قد لايطول الى الابد ، عن الأسبوعين الأخيرين مابعد التحرير اتحدث ، والفرصة السانحة لنا نحن الكرد ، لنعيد ترتيب بيتنا الخاص عبر المؤتمر الوطني الكردي السوري الجامع ، والمقصود نعيد…