– المبادئ:
وأنا أدلي بشهادتي عمّا جرى في يوم الجمعة/ الثاني عشر من شهر آذار عام 2004م وفي الأيام التي تلتها، (بعد مضى 20 عاماً عليها)، أودُّ بداية أنْ أنوّه بالآتي:
حينها كُنت مُدرِّساً لمادة التربية الفنية التشكيلية، وعضو اللجنة النقابية في شعبة مدينة قامشلي لنقابة المعلمين، وسبق لي (شخصياً) أنْ كُنتُ لاعب كرة قدمٍ ضمن التشكيلة الأساسية لنادي الجهاد (بداية تأسيسه عام 1972م)، ثُمَّ صحافياً مراسلاً لصحيفة الأسبوع الرياضي عام 1973م؛ لتغطية النشاطات الرياضية في محافظة الحسكة..
– جماهير قامشلي والروج الرياضية:
أورد مقتطفاتٍ من شهادةٍ ذكرها ابن مدينة دير الزور، النقيب مخلف العمر (إداريّ في نادي الجيش) في قامشلي، خلال لقائي الصحافيّ معه (في فندق هدايا عام 1973م)، بعد انتهاء مباراة ناديي الجيش والرميلان، وضمن أسئلتي له، كان السؤال: أخبرني عن انطباعاتك تجاه جمهور قامشلي..؟، فقال: (بكلّ صراحةٍ.. لم أرَ مثيلاً له، لا في سوريا ولا خارجها.. فهو جمهورٌ رياضيٌّ خلوقٌ، مُتَّزنٌ، حياديٌّ، يمتلك درجةً عاليةً من الذوق، يريد الاستمتاع بمشاهدة اللعب الجميل والنظيف، يحترم الفريق الخصم ويشجعه.. تلك الصفات جعلتهُ مُختلفاً عن بقية الجماهير الأخرى)؛ لذلك ومن الطبيعيّ أنْ أكون من المعنيّين بالشؤون الرياضية..
أوَّلاً – نادي الجهاد.. ترتيباتٌ استثنائيةٌ قبل المباراة:
تحسباً لأيّ طارئٍ (أثناء سير مباراة الجهاد والفتوة يوم الجمعة 12 آذار 2004م) عقدت إدارة نادي الجهاد الاجتماع ( يومي الأربعاء والخميس 10- 11/ 3/ 2004م)؛ للتباحث حول تأمين المستلزمات الضَّرورية لإنجاح سير المباراة (منها: تهيئة الملعب، تأمين الفريق الضيف، تأمين رغبات الحكام، حفظ النظام، ومستلزمات أخرى..)، وارتأت الإدارة بأنْ تكون للمباراة تحضيراتٌ استثنائيةٌ، وترتيباتٌ إضافية خاصَّة.. نظراً لحساسية المواقف السياسية بعد الغزو الغربي للعراق، وتغيِّر المِزاج والتعاطف الشعبي.. وقرّرتْ: زيارة مدير منطقة قامشلي (السيد العميد ياسين الخطيب)، وزيارة رئيس قسم المدينة (السيد العقيد فؤاد) واطلعتهما على مطالب النادي، وهي: تكليف ضابطٍ وإرساله ليطّلع ميدانياً على الملعب، وعلى إجراءات إدارة النادي، وهي: تحديد الباب الجنوبي الغربي للملعب لدخول جمهور الفتوة القادم من دير الزور، وتحديد المدرج الجنوبي الغربي للملعب لجلوس جمهور الفتوة، وتكليف عمال نادي الجهاد بإزالة وإبعاد كافّة الحجارة عن المدرج ومحيطه تحسباً لأيّ طارئٍ، ومراسلة القيادة الرياضية/ فرع الاتحاد الرياضي ومطالبتها بإرسال المزيد من رجال حفظ الأمن والانضباط من الحسكة، مع التأكيد على ضرورة أنْ تنفّذ إجراءاتٌ أكثر تشدداً؛ لمنع دخول من قد يُعكِّر صفو المباراة، وأيضاً عقد لقاءٍ مع إدارة نادي الفتوة واطلاعهم على ضرورة التزام جمهورهم الدخول للملعب من الباب الغربي وجلوسهم على المدرج المخصّص لهم.. وقد حصلت إدارة الجهاد على موافقة وتأييد تلك الجهات..
ثانياً – جريمة ملعب قامشلي لم تكنْ عفويةً:
عُقلاء الناس (البشر) يُدركون بأنّ الإنسانية (التي شرَّعها الله لعباده) تقوم على مفهوم الرَّحمة المبنية على المحبة.. فإذا كانت المحبة راسخةً في قلوب الناس صارت صمام الأمان؛ للحفاظ على إنسانيتهم.. ولكوني من هؤلاء الناس مِمَّن عاصروا الأحداث الدامية (وقائع جريمة يوم ملعب قامشلي وجرائم الأيام التالية)، ومن خلال رؤيتي (الشخصية) لتلك الأحداث: أشهد بأنّني لم أرَ الإنسانية (التي يدركها العقلاء) في سلوكية عرب سوريا القادمين من دير الزور (وأعني جماهير نادي الفتوة)..!، كما لم أراها في سلوكيات عرب سوريا، وأعني قادة نظام البعث في محافظة الحسكة (المحافظ ورؤساء فروع الأجهزة الأمنية ومدراء المناطق والنواحي ورجال الشرطة وعناصر الفروع الأمنية)..!.
لو كانت الإنسانية (القائمة على الرحمة والمحبة) راسخةً في قلوب المذكورين (أعلاه) لما اكتسبوا الأنانية صفةً لإنسانيتهم.. ولا النفاق رمزاً لعلاقاتهم..!، ولما صارت ازدواجية المواقف وسيلةً لشطارتهم..؟، ولما بات مسح الأجواخ لباقةً لمدنيّتهم..!، ولما كرَّمُوا الحقير وأَهْمَلُوا النبيل..!.
لو كانت الإنسانية (التي يدركها العقلاء) راسخةً في قلوب السُّوريين (المذكورين أعلاه) لِمَ ذَبحُوا الأمن والأمان يوم 12 آذار في شوارع قامشلي..؟، ولِمَ أحرقُوا قلُوب الأُمهات الكرديات بقتل أولادهنّ عمداً من دون وجه حقٍّ وفي وضح النهار..؟.
أولئك العرب السّوريّون (أعلاه) حينها أظهروا للعلن.. الوجه السلبي لإنسانيتهم المقيتة تجاه حقوق الإنسان الكرديّ السّوريّ عبر مواقفهم المزدوجة وسلوكياتهم اللاإنسانية.. هُم أولئك (السّوريّون أعلاه) مِمَّنْ وصفهُم الله تعالى بقوله :
1 ــ “ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين” (البقرة 8)، وكلام الله (في الآية) جاء لغايةٍ مخصوصةٍ: نعت المنافقين/ أهل النفاق، الذين يُخالِفُون قول الله ورسله، عملياً في السِّـرِّ وفي العلن..
2 ــ “أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين” (البقرة 16)، والمعنى: أولئك المنافقون باعوا أنفسهم في صفقةٍ خاسرةٍ، فأخذوا الكفر، وتركوا الإيمان والإنسانية، فما كسبوا شيئاً، بل خَسِروا الهداية في دنياهُم، وهذا هو الخسران المبين.
3 ــ وهُم مِمَّنْ أخبرنا عنهم الله تعالى بقوله: “إنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة زيّنّا لهم أعمالهم فهم يعمهون، أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هُمُ الأخسرون” (النمل 4- 5)، والمعنى: أنّهُم لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من عقابٍ، فالله يُحسِّنْ لهم أعمالهم ويُحببها إليهم، بسبب استحبابهم العمى على الهدى، والغي على الرشد، اعتقاداً منهُم أنّ هذه فقط هي حياتهُم ولا حياة بعدها..! ويتناسون أنّ الله لم يخلقهُم عبثاً.. لذلك فهم يتحيّرون ويتخبّطون ويرتكبون قبائح الأعمال، ظنّاً منهم أنّ أعمالهُم حسنةٌ.
4 ــ وهُم مِمَّنْ يعنيهم الله تعالى بقوله: “..إنّهم كانوا قوماً فاسقين.. وجحدوا بها واستيقنتها أنفسُهُم ظلماً وعلواً..” (النمل 12- 14)، ومعنى فاسقين؛ أيْ: كافرين بالله ونعمه، والفسق: هو خروج الإنسان عن حدود ما شرعه الله ورسوله محمد ﷺ (كما في المصطلح الشرعي)، وهو انتهاك لقوانين دين الله (الإسلام) بالسيئات وارتكاب المحرمات (ومنها القتل المتعمد، وهو من الكبائر) والإصرار عليها، ومعنى جحدوا؛ أيْ: كذبوا بآيات الله وتعاليم رسله (والجحود تعني: التكذيب بها)، ومعنى واستيقنتها أنفسُهُم؛ أيْ: وعلموا يقيناً (في قلوبهم) أنّها من عند الله، ورغم ذلك عاندوا، ومعنى ظُلْمًا وَعُلُوًّا: اعتداء وتكبر؛ أيْ: الاعتداء تعظماً واستكباراً.
5 ــ وهُم مِمَّنْ يعنيهم الله تعالى بقوله: “ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيمٌ” (البقرة 7)، والتفسير: أنّ الله جلّ جلاله طبع على قلوب أُولئك وعلى سمعهم، وجعل على أبصارهم غطاءً بسبب كفرهم وعنادهم.
6 ــ وهُم مِمَّنْ خالفُوا قوله تعالى: “ومَن يُشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نُولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيراً” (النساء 115)، والمعنى: الذين يسلكون غير طريق الشريعة التي جاء بها رسول الله ﷺ، وأصبحوا ينتهجون طريقاً آخر يُعاكس طريق شريعة الرسول ﷺ، وذلك عن عمدٍ منهُم بعدما ظهر لهُم الحقّ وتبيّن لهُم واتَّضح.
في الحقيقة كان كرد سوريا (خلال تلك المصيبة/ الكارثة) وحدهم في ساحات المواجهة.. فلم يتضامن معهم خلال محنتهم سوى القلّة القليلة جداً من شركائهم في الوطن (عرب سوريا)، فباتوا يُعانون عذابات المظالم التي تتالت عليهم واحدةً تلو أخرى، من قبل أولئك المرضى (عرب سوريا)، لقوله تعالى: “في قلوبهم مرضٌ فزادهم مرضاً ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون” (البقرة 10)، وعليه يتَّضح: بأنّ جريمة قتل الكرد (في آذار عام 2004م) لم تكن عفويةً، بل خطّط لها مُسبقاً سوريّون خبثاء، ونفّذها سوريّون مُجرمون (وهم العرب لا سواهم)، والأدلة كثيرةٌ، ودليلي ما قالهُ لي (شخصياً) أحد الجرحى من جمهور نادي الفتوة القادم من دير الزور: (وذلك خلال زياتي له في المشفى الوطني يوم الجمعة مساءً/ سيأتي حديثي عن الزيارة لاحقاً)، يُضاف إليه أدلةٌ أخرى تحصّلتُ عليها من خلال إعداد وتنظيم شهاداتٍ توثيقيةٍ، أجريتُها مع العديد من الأشخاص (يتَّصفون بالصدق والطيبة)، منهم حالياً داخل سوريا، ومنهم خارجها.. مِمَّنْ واكبوا أحداث 12 آذار عام 2004م، ومن خلال استقصاء المعلومات منهم، تبيّنتْ لي حقائق كثيرةٌ.. وفي الآتي أوردُ بعضها:
1 ــ ذكر لي أحد طلابي (معروف بنبله وصدقه): أثناء انتفاضة 2004م، فإنّ مسؤولي محافظة الحسكة (الأمنيون والعسكريون) استدعوا شيوخ ووجهاء العشائر العربية للاجتماع في قرية جرمز (القريبة من قامشلي)، وفيه بدأ المسؤولين بتحريض شيوخ ووجهاء عشائر العرب ضدّ الكرد، واقترحوا تقديم الأسلحة لهم؛ من أجل مهاجمة الكرد العُزّل.. حينها وافق نفرٌ مِمَّن ختم الله على قلوبهم.. أولهم محمد الفارس (شيخ عشيرة الطي)، لكنّ النبلاء من الشيوخ استنكروا المقترح ورفضوه.. منهم شيخ عشيرة الشمر (أحمد دهام الهادي)، وشيخ عشيرة الحرب (عبدالله المنصور)، وشيخ عشيرة الجبور (محمد الشيخ أحمد المسلط)، وقالوا علناً: إذا قمتُم بتسليم السلاح للعشائر العربية، فنحن سنقف مع إخوتنا الكرد؛ لأنّهُم إخواننا وبيننا وبينهُم صلة رحمٍ..
2 ــ أعلمني أحد الشباب من الإعلاميين الكرد: أنّ صديقاً له (م . س/ من دير الزور) أخبره بأنّ جماهير نادي الفتوة (أثناء وجودهم في دير الزور) كانوا قد أعدُّوا العُدَّة مُسبقاً لتنفيذ مخططهم الخبيث، ولذلك جلبوا معهم حجارة وسكاكين إلى قامشلي؛ لمواجهة جماهير الجهاد..
3 ــ أعلمني أحد طلابي (موثوق وصادق): أنّه في يوم الجمعة 12 آذار (مساء)، وبعد معمعة الملعب البلدي.. رافق أحد الشباب الجرحى (من مشجعي نادي الفتوة) وأمّن له سيارةً؛ لتنقله إلى محطة قطار قامشلي كي يعود إلى دير الزور، وأثناء سيرهم في الطريق، أخبره (الشاب الجريح): أنّه طالبٌ في كلية الحقوق.. وهذه هي المرّة الأولى في حياته التي يأتي فيها إلى مباراةٍ..!، أمّا حضوره إلى قامشلي فكان بسبب إلحاح أقاربه..!، وأضاف: في دير الزور كان بعض الأشخاص يُجبرُون الناس على الذهاب لحضور مباراة الفتوة في قامشلي..!؛ بحجّة أنّ المسألة مُرتبطةٌ بأمننا القوميّ ضدّ الأكراد، ويتوجّب تكسير رؤوس الأكراد (بعد فوزهم السابق على الفتوة في ملعب دير الزور..!)، وأنّه يتوجّب افتعال مشكلةٍ ضدّ الأكراد في بلدهم قامشلي..!، وأضاف (الشاب الجريح ): أنّه استغرب كثافة حضور أهالي دير الزور إلى قامشلي..!، كما استغرب أنّ السفر من دير الزور بالقطار إلى قامشلي كان مجانيّاً..!.
4 ــ أعلمني أحد أصدقائي (صادق وموثوق): أنّهُ في اليوم الثالث (الأحد 14 آذار 2004م/ ليلاً)، أقدمتِ السلطات الأمنية على سحب جميع الجرحى (المصابين في الأحداث) مِمَّن كانوا يُعالجون في المشافي الخاصة.. وإيداعهم في المشفى الوطني تحت حراسةٍ مشدَّدةٍ، وأصدرت بحقّهم مذكرات توقيفٍ..!، علماً أنّ الأطباء (في المشافي الخاصة) كانوا يمارسون عملهم بشكلٍ طبيعيٍّ وجيدٍ..!!.
5 ــ ذكر هيثم المالح (في حديثه المتلفز للمرصد السوري القناة 9/ شباط عام 2019م) قائلاً: {أثناء أحداث آذار 2004م في قامشلي، قابلتُ محمد سعيد بخيتان (رئيس المكتب القوميّ)، وذهبتُ إلى الحسكة وقامشلي (ضمن وفدٍ من الحقوقيين والناشطين السوريين)، فتوضّح لي بأنّه كانت هناك تعليماتٌ عام 2004م بقمع الأكراد، وإطلاق الرَّصاص عليهم.. حتى إنّ محافظ الحسكة (سليم كبول) سحب المسدس وأطلق الرصاص والناس، وما حدا حاسبوا ولا حدا عمل معو تحقيق)..!.
ثالثاً – تفاصيل الحدث.. فاجعة يوم الجمعة الدّامي (12 آذار 2004م):
1 ــ في وقتٍ مبكرٍ توافدت حافلات جماهير نادي الفتوة إلى مدينة قامشلي (يوم الجمعة 12 آذار عام 2004م) قبل موعد المباراة.. فتعمَّد جمهور الفتوة التجول في شوارع المدينة وهم يردّدون بصوتٍ عالٍ عباراتٍ سوقيةً (بذيئة) بحقّ رموزٍ قوميةٍ كرديةٍ، بهدف استفزاز كرد المدينة وإثارة مشاعرهم القومية..! إنّهُم (بتلك السلوكية الفاسقة) أظهروا ما في أنفسهم من غلٍّ وبغضٍ وكراهيةٍ؛ كي يبخسوا الكرد حقّ اعتزازهم برموزهم القومية..!!.
2 ــ حضر جمهور الفتوة إلى الملعب البلدي في وقتٍ مبكرٍ… ولم يتوجَّهوا إلى المدرج المخصّص لهم، بل ذهبوا إلى المدرج المخصص لجمهور الجهاد (المقابل للمنصة في الجهة الجنوبية الشرقية)، ثم تعمَّد الغوغائيون منهم ترديد عباراتٍ استفزازيةٍ (مخالفة للسياق المعتاد في المنافسات الرياضية)؛ مما دفع جمهور الجهاد بالرَّد عليهم.. ثم بدأ قذف الحجارة.. وازداد التراشق بالحجارة بين الجمهورين.. بعدها بدأ تقدّم جمهور الفتوة وهو يقتحم أماكن جلوس جمهور الجهاد.. وأمام هجماتهم.. لم يبقَ أمام جمهور الجهاد (وغالبيتهم من شباب الكرد) سوى الالتزام بقول الله تعالى: “فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم” (البقرة 42)، فكان التشابك أمراً واقعاً لا مفرَّ منه.. وحينها (على الفور) تدخّل رجال شرطة حفظ النظام ومعهم عناصر فروع الأجهزة الأمنية (حاملين بأيديهم العصي والهراوات والأسلحة)، وتوجّهوا مباشرةً نحو جمهور الجهاد يضربونهم بالعصي والهراوات.. وتكرّرت مشاهد الكرّ والفرّ.. وقذف الحجارة.. ومن ثمّ بدأ إطلاق الرصاص الحيّ في الهواء.. وأثناء المعمعة وصل لأرض الملعب السادة قادة الشرطة وقادة أجهزة الأمن.. وبعدهم وصل السيد المحافظ (سليم كبول)، الذي وبوصوله ازدادت رشقات إطلاق الرَّصاص الحيّ الموجّه فوق جماهير الجهاد المتواجدين على مدرجات وساحات الملعب.. وعلى الهاربين لخارج الملعب.. وعلى المتجمعين في الشوارع المحيطة بالملعب.. فلاحقهم المسلّحون (رجال الشرطة وعناصر أجهزة الأمن) يطلقون الرصاص صوبهم مباشرة.. فسقط العديد من الشباب جرحى وقتلى.. نُقل بعض المصابين إلى مشفى فرمان (القريب من الملعب)، ومن تمّ القبض عليهم زجوهم في أقبية السجون والمنفردات (كي يهدروا حقوقهم الإنسانية)..!.
3 ــ إنّ أُولئك العرب (المحافظ، قادة الشرطة، قادة فروع الأجهزة الأمنية، ومرؤوسيهم/ رجال الشرطة وعناصر أجهزة الأمن) تناسوا تقوى الله تعالى.. فتمادوا ببطش كرد قامشلي بطش الجبّارين.. وغاب عن بالهم عذاب يومٍ عظيمٍ (يوم يقفون أمام الله ربّ العرب والكرد والناس جميعاً)، فالسلوكية العدوانية لأولئك (العرب) أنتجت فاجعة مقتل كرد قامشلي..
4 ــ ذكر لي أحد الصحافيّين (مراسل جريدة الرياضية): بعد حصول المشكلة ضمن الملعب، وإخراج جمهور نادي الجهاد، تمَّت مُحاصرتنا مِنْ قبل جمهور نادي الفتوة الذي تهجَّم على غُرفة الإعلاميّين وغرفة الإذاعة، وتمّ رمي الحجارة بكثافةٍ على الغرفتين، لكنْ حمتنا مساتر الحديد الموجودة على واجهة الغرفتين حتى قدِم عناصر من الشرطة فأخلت المدرجات من المجموعات المهاجمة، وأبعدت جمهور الفتوة الذي أقدم على مهاجمتنا (ونحن داخل غرفة الإعلاميّين)..!.
ما فعله عرب سوريا (أتباع دين الرحمن) بحقّ كرد سوريا (أتباع دين الرحمن)، ذكَّرني بقول جمال الدين الأفغاني: (ملعُون في دين الرحمن مَنْ يسجن شعباً، مَنْ يخن فكراً، مَنْ يُسكت رأياً، مَنْ يهدر حقّ الإنسان)، تلك المشاهد الرهيبة.. وصفها الكاتب الكردي إبراهيم محمود في أوَّل مقالٍ نشره بُعيد أحداث الملعب مباشرةً تحت عنوان: الجمعة الدَّامية..!.
رابعاً – متابعتي للحدث.. مشاهداتي الشخصية:
1 ــ أثناء فترة العصر من يوم الجمعة 12 آذار، كنتُ وصديقي (أ. عبد العزيز حسن) قاعدين نتبادل الحديث فيما بيننا، داخل إحدى غرف منزلي الكائن في حي الكورنيش الجنوبي، وفي الوقت ذاته كنا نسمع أصوات طلقات الرصاص (تلعلع) في سماء مدينة قامشلي (من دون توقّفٍ)، مصدرها الملعب البلدي، حيث تجري مباراة كرة القدم بين فريقي الجهاد والفتوة (القادم من مدينة دير الزور)، حينها وردني اتصالٌ هاتفيٌّ من صديقنا عبد العزيز عثمان (مختار الحيّ) يُعلِمني بأنّه في المشفى الوطني بجانب ابن الأستاذ عبدالعزيز الراقد على السرير جريحاً نتيجة إصابته برصاصةٍ طائشةٍ في رجله، وينتظر قدومنا إلى المشفى.. غادرنا المنزل معاً سيراً على الأقدام، سالكين شارع الخليج العربي باتجاه الشارع السياحي.. وصلنا للشارع السياحي، وقفنا في الزاوية الشرقية المقابلة مباشرةً للملعب البلدي.. تفاجأنا برؤية المكان مكتظاً بالرجال والشباب والأطفال والنساء.. مجموعات متناثرة في وسط الشارع السياحي، وعلى طول امتداده غرباً.. وتجمّعات أخرى واقفة على أطرافه بأيديهم حجارة.. وأناس على شرفات وأسطح البنايات يشاهدون المعمعة الجارية داخل الملعب.. وصوت أزيز الرصاص يتعالى في السماء.. ومجموعات من الشباب والأطفال بأيديهم الحجارة يكرون تارة صوب سور الملعب.. وتارة يفرون.. شاهدنا منهم من كانوا فوق سور الملعب يهتفون.. يشتمون.. يقذفون الحجارة إلى داخل الملعب.. ولفت نظرنا دخان يتصاعد ولهيب نار من وسط الشارع غرباً (عرفنا فيما بعد أنّ دراجةً ناريةً لأحد عناصر الأمن أحرقها الشباب).. تلك المشاهد بدت وكأنّنا أمام معركةٍ حربيةٍ..!.
2 ــ من مكان وقوفنا (زاوية تلاقي شارعي الخليج مع السياحي) توجّهنا يميناً (شرقاً) إلى بداية الشارع المؤدّي إلى المركز الثقافي ودوائرَ حكوميةٍ عديدةٍ، لم نرَ مدنياً واحداً في الشارع، بل نرى على طول امتداده (في وسطه وعلى طرفيه) أعداداً هائلةً من المسلحين (رجال شرطة، جيش، أمنيين)، وسيارات عسكرية وأمنية وباصات نقل قادمة باتجاهنا مسرعة (آتية من الملعب البلدي)، للوهلة الأولى كدنا نرجع أدراجنا لهول ما نراه.. لكننا قررنا السير (على الرصيف الأيمن/ بمحاذاة أسوار الدوائر) نحو المركز الثقافي.. خلال سيرنا لم يعترّض طريقنا المسلحون، بل لم يسألنا منهم أحدٌ (ربما اعتقاداً منهم بأنّنا من عناصر أجهزة الأمن)، وصلنا لنهاية مبنى المركز الثقافي، وقفنا في الزاوية المقابلة لمنزل رئيس قسم المدينة، نشاهد على يسارنا حشود المسلحين على طول الشارع المؤدّي إلى الباب الرئيسي للملعب البلدي، ونرى على يميننا حشود المسلحين على طول الشارع المؤدّي إلى شارع القوتلي.. وأثناء وقوفنا في الزاوية.. تقدّم نحونا عنصرٌ من جهاز الأمن السياسي يحمل بيده مسدساً (كنّا نعرفه لكونه مسؤول قسم التربية)، سألنا (من منطلق حرصه علينا) عن سبب وجودنا في هذا المكان والوضع جدّ خطير (حيث تتعالى أصوات طلقات الرصاص)، فأخبرناه برغبتنا في الوصول إلى المشفى الوطني لأجل…. وطلبتُ منه مرافقنا إلى المشفى، فأبدى اعتذاره؛ لأنّه مكلفٌ بالتواجد أمام منزل رئيس القسم.. ونصحنا بالسير شمالاً وبمحاذاة جدران الأبنية (لتلافي الرصاص الطائش)، ففي تلك اللحظات شاهدنا باصاً قادماً من الملعب (بداخله ركاب مدنيّون) ترافقه سيارة عسكرية محملة بمسلحين للحماية.. (فيما بعد عرفنا أنّ ركاب الباص كانوا من مشجّعي الفتوة تمّ نقلهم إلى محطة القطار).
4 ــ من هناك (زاوية المركز الثقافي) تابعنا سيرنا على رصيف الشارع باتجاه الشمال (كما نصحنا عنصر الأمن) نحتمي بجدران الأبنية.. وصلنا للشارع (إلى جنوبه مبنى المشفى الوطني وشماله مبنى البريد)، دخلناه نتقدم حتى وصلنا إلى شارع القوتلي.. هناك تفاجأنا بجماهير غفيرةٍ متجمعة في زوايا وأطراف الشوارع الشرقية المقابلة للمشفى.. بأيديهم الحجارة.. وأصواتهم تتعالى.. وفي الجهة المقابلة لها (على بعد عشرات الأمتار) رأينا طوابير من رجال الشرطة المدنية والعسكرية وعناصر أجهزة الأمن، وخلفهم آليات عسكرية مُحمَّلة بجنودٍ مدجّجين بالأسلحة، وآليات مدرعة متمركزة عند تقاطعات الشوارع.. تابعنا السير (دون أنْ يوقفنا أحد) حتى وصلنا إلى الباب الرئيسي للمشفى.. فوجدنا أمام الباب رئيس فرع الشرطة العسكرية (عاصم حمدان) محاطاً بعناصر الشرطة.. تقدمنا إليه.. ثم أخبرناه عن سبب مجيئنا.. رحّب بنا، وسمح بدخولنا.. وجدنا المشفى من الداخل خالياً من الزوّار… إلا من امرأةٍ رأيناها تبكي.. وهي قاعدةٌ على الأرض قبالة باب غرفة التصوير الشعاعي.. نظرتُ داخل الغرفة؛ فوجدتُ جثة رجلٍ على أرض غرفة التصوير (ربما يكون زوج المرأة)، هناك تلقّانا صديقنا (المختار)، فقادنا إلى المهجع الذي يرقد فيه الجريح (ابن الأستاذ عبدالعزيز)، مكثنا عنده بضع دقائق، نسأله ونستمع لأجوبته: (كنتُ عائداً من عملي نحو بيتي، وأنا أسير على رصيف شارع الملعب المؤدّي للحي الذي فيه بيتي، وهناك أصابت رجلي رصاصةٌ طائشةٌ، فنقلوني إلى المشفى)، وبعد الاطمئنان عنه، طلب صديقنا (المختار) أنْ نقوم بزيارة جريحٍ آخر، توجّهنا ثلاثتنا نحو المهجع الذي يرقد فيه الجريح..
*وشهد شاهدٌ من أهله (من مشجعي جماهير دير الزور):
5 ــ خلال سيرنا نحو المهجع، أخبرنا (المختار) بأنّ الجريح هو أحد مشجّعي نادي الفتوة (القادمين من دير الزور)، دخلنا على الجريح، كان ممدداً على السرير، وقد أُصيب بكسرٍ في الرجل وجروحٍ في الرأس)، سلمنا عليه بكلّ ودٍّ ومحبةٍ.. وخلال حديثنا معه، بادر المختار قائلاً للجريح: تكلمتُ مع والدك هاتفياً.. وأكدتُ لهُ أنّكَ بخيرٍ، وبرعايتنا وحمايتنا.. ابتسم الجريح وهو يقدّم شكره للمختار، وكنّا نبادله الابتسامات.. فأبدى شكره على زيارتنا له.
ــ لحظتها (وأنا لا زلت أبتسم) سألتُ الجريح: أي يا بطل، أنتَ كُنتَ في الملعب.. هاتِ أخبرنا بما جرى، ومن هم الذين أشعلوا فتيل هذه المعمعة..؟.
ــ فردَّ الجريح (وهو يظنّ أنّنا مسؤولين أمنيين حضرنا لأخذ إفادته): والله يا سيدي المُسبّبين للحدث داخل الملعب هُم الأكراد.. هُم الذين شتمونا.. وقذفونا بالحجارة.. وهجموا علينا.. وأنهى كلامهُ بقوله: شوفوا يا سيدي ماذا فعلوا بي وسَكَتَ..؟!.
ــ فقُلتُ لهُ: أنتَ تعرف مَنْ نكون نحنُ الثلاثة الواقفين أمامكَ..؟.
ــ صار ينظر إلينا.. يتمعّن بوجوهنا.. وهو صامتٌ..!.
ــ فقلتُ له (بكلّ هدوءٍ وراحة بال): نحن الثلاثة الذين أمامكَ مِنْ أكراد قامشلي..
ــ ارتبك.. وهو ينظر إلينا، يتأمّل وجوهنا.. وقد كَبَا (تغيَّر) لون وجهه، وبانت عليه علامات الخجل والندم.. فقال (لي): (والله العظيم يا عمي نحنا سبب البلوى يلي حدثت، والله يا عمي نحنا يلي شتمنا زعامات الأكراد.. والله نحنا يلي أتينا ومعنا الحجارة.. ونحنا يلي قذفناهُم بالحجارة.. ونحنا يلي هجمنا عليهم.. ثم سكت..؟!.
ــ فقلتُ (له): أطمئنّ يا بني.. وارحْ بالك فنحنا أهلك هنا.. وطلبي الوحيد منك هو: أنْ تقول الحقيقية (التي ذكرتَها لنا الآن) للمسؤولين عندما يأتون لأخذ إفادتك..؟!.
ــ وعلى الفور قال (لنا): والله العظيم يا عمي سوف أقول الحقيقة للمسؤولين، عندما يأتون لتسجيل إفادتي في محضر الضبط.. (وللتنويه: أثناء وجودنا في المهجع، كنّا نسمع أصوات رشقات الرصاص مصدرها الخارج.. وإحدى الرصاصاتِ الطائشة اصطدت بنافذة المهجع)، بقينا عنده حتى وقت صلاة العشاء، ثمّ ودّعناه، وخرجنا.. أنا غادرت المشفى، وصديقي (عبدالعزيز والمختار) بقيا داخل المشفى الوطني..
خامساً – نشاطي:
كُنتُ مهتماً بما يجري في واقعنا وتحديداً شؤون كرد سوريا.. فمع بداية واقعة الملعب البلدي ركّزتُ اهتمامي بمُتابعة كافة الحيثيّات المتعلّقة بالأحداث صغيرها وكبيرها أوَّلاً بأوَّل..
1 ــ فور مغادرتي المشفى الوطني، توجّهت إلى الحيّ الغربيّ قاصداً منزل صديقي إبراهيم اليوسف (والذي تربطني بأسرته علاقة محبةٍ متينةٍ منذ سنواتٍ)، وأثناء سيري في شوارع الحيّ، رأيتُ غالبية أهالي الحيّ أمام منازلهم.. دخلت الشارع المؤدّي لمنزله (إبراهيم)، لمحت عن بعدٍ سيارةً واقفةً في زاوية الشارع.. مررتُ بجانبها؛ فوجدتُ بداخلها عناصر الأمن.. لم أكثرت لهم، تابعتُ سيري نحو المنزل، طرقتُ الباب، فتح الباب، دخلتُ غرفة الضيوف، سلّمتُ على الموجودين (إبراهيم وأولاده وشخصان) تحدثنا.. أخبرته بمكان وجود سيارة الأمن، وعما رأيتُ في طريقي للمشفى الوطني، وحواري مع الجريح الراقد في المشفى.. وخلال وجودي كان إبراهيم يتلقّى اتصالاتٍ هاتفيةً بين فترةٍ وأخرى، ويتكلّم حول ما يجري.. وأولاده يتكلّمون عبر الهاتف ويعملون على جهاز الكومبيوتر.. وأخبرتُه بأنّني سأكتب مقالاتٍ وأرغب من الأولاد القيام بتنضيد المقالات (على الكومبيوتر)، وأرسلها للمواقع الإلكترونية.. وأنّني سأكون عندهم غداً، ثمّ غادرتُ المنزل بحدود العاشرة ليلاً.
2 ــ باشرتُ كتابة مقالاتي من يوم السبت 13 آذار ومن دون انقطاعٍ.. تحت اسم مستعار (كوني سبي)، ولا أحد (مِمَّن كانوا يحضرون منزل إبراهيم) يعلم بأنّني الكاتب كوني سبي، سوى إبراهيم وأولاده..
أشهد بأنّ بيت إبراهيم اليوسف، كان مقراً لأصحاب أقلام انتفاضة 12 آذار 2004م، بل خلية إعلامية (حيث أولاده: فائق وكرم وأيهم وآراس تأتيهم الأخبار فيتمّ تدقيقها، يستلمون الصور والفيديوهات؛ فتُرسل للمواقع.. يُشاركون في عمليات تهريبها للخارج.. أشهد بأنّني كنتُ أجد عنده (أثناء زياراتي الكثيرة لبيته) شخصيات كردية.. منهم سخروا أقلامهم لمؤازرة الكرد خلال تلك المرحلة العصيبة.. أذكر منهم (الأصدقاء): إبراهيم محمود، سيامند ميرزو، الشهيد مشعل تمو، المرحوم سيامند إبراهيم، المرحوم محمد سيد حسين، أحمد حيدر، المرحوم توفيق عبدالمجيد، حواس محمود.. وهم من القلّة القليلة ممن واكبوا الانتفاضة وساندوها منذ انطلاقتها، فأثبتوا أنّهم مثقّفون أحرار، وأكثرُ حرصَاً على قضايا شعبهم من ساسة الأحزاب الكردية.. وبالمقابل لم أجد في البقية من أصحاب الثقافة، الذين كانوا يُعرفون باسم (الكتّاب الكرد)، نعم (للأسف) كانوا غائبين، بعيدين عن الأنظار (خوفاً) يختبئون في زوايا منازلهم.. فلو كانت محبة شعبهم راسخةً في قلوبهم، لمَا تخاذلوا وتسمَّرُوا داخل بيوتهم جزعاً من طيور النظام (التي لرُبَّما تنقر رؤوسهم)..!!.
سادساً – موقفي الشخصي.. ومقترحات أدليتها لأحد الأمنيين:
في غمرة تلك الأحداث (تحديداً أيامها الأولى ).. فجأة (ومن دون مقدّماتٍ)، طرق باب منزلي عنصرٌ أمنيٌّ، بيده كرَّاسه الخاصّ، أخبرني (أمام الباب الخارجيّ) بأنّه جاء بتكليفٍ من قبل رئيس فرعه الأمني.. اصطحبتُه لغرفة الاستقبال.. فطلب مني أوَّلاً: تبيان موقفي من الأحداث الجارية..؟ ثانياً: تزويده بما لديَّ من مقترحات (أفكار أولية للمحنة الحالية)؛ ليستأنس بها المسؤولون المحليون..؟ وهو قاعدٌ أمامي، طلبتُ منه أنْ يفتح كرَّاسهُ، ويكتب بقلمه ما سأملي عليه.. فتح الكرّاس وبيده القلم، تهيئاً للكتابة، فقلتُ له: سجِّل أمامي..
1 ــ إنّ الذي جرى داخل الملعب البلدي، وخارجه في الشوارع المحيطة به.. والذي تعرّض له الكرد في الشوارع أثناء تشييع ضحايا إطلاق الرصاص الحيّ عليهم… كلّ ذلك كان جريمةً بحقّ كرد البلد، بل بحقّ الإنسانية.. ثمّ ذكرتُ لهُ أدلتي: الشتائم التي أطلقها جمهور الفتوة فور دخوله شوارع قامشلي (قبل موعد المباراة)، وعن مُشاهداتي أثناء زيارتي يوم الجمعة مساءً إلى المشفى الوطني، وعن لقائي مع أحد الجرحى من مشجعي نادي الفتوة القادمين من دير الزور.. ثمّ قلتُ لهُ (وهو يُسجّل عباراتي على كرّاسه): الذي سجَّلتهُ على كرّاسكَ، هو موقفي الشخصي النابع من إنسانيتي، وأنا من العاملين الدائمين في سلك التربية والتعليم (مدرِّس لمادة الفنون التشكيلية)، وفنان تشكيليّ، والآن عليكَ أنْ تتابع..؛ كي تكتب مقترحاتي الشخصية، وهي أنْ يجتمع المسؤولون المحليون لأجل:
1 ــ تشكيل لجنةٍ طارئةٍ، واختيار وفدٍ مؤلَّفٍ من السادة: محافظ الحسكة وأمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي ومدير منطقة قامشلي ورؤساء فروع الأجهزة الأمنية وبعض شيوخ العشائر العربية.
2 ــ أنْ يقوم الوفد (أعلاه) بزيارة كافة خيم العزاء القائمة الآن؛ لتقديم واجب العزاء.. وأنْ يُصار إلى إفهام وإقناع هالي الضحايا: بأنّ الضحايا هُم إخوتنا.. ونحن كمسؤولين محليين تألّمنا كما أنتُم.. والذي جرى كان خطأً غير متعمّدٍ، ونعتذر على ما حدث، وسيتمّ إطلاق سراح كافة المعتقلين، وسنتكفّل بمعالجة كافة الجرحى، ثم يُبادر أحد أعضاء الوفد ليتكلّم سرّاً مع ولي الضحية (صاحب الخيمة)، ويُخبره بأنّهُ سيستلم الدِّيَّة (التعويض) بيده شخصياً.
ثمّ طلبتُ منهُ إضافة ملاحظتي الآتية (فتهيأ للكتابة)، فقلتُ: لو تمّ الأخذ بمقترحاتي (أعلاه)، فالنتيجة ستكون خيراً على خيرٍ.. ستهدأ النفوس، وسيشعر الجميع بعودة الأمن والأمان.. وهذا أمرٌ طبيعيٌّ كوننا أبناء النسيج الوطني السوري.. والرجل (عنصر الأمن) سجّل ملاحظتي.. وأخيراً: تقدمتُ نحوهُ ونظرتُ لأتأكّد ممّا كتبهُ على كراسه.. وفعلاً كتب كلّ كلامي.. وسألتهُ: إنْ كنتَ ترغب فسأُوقع على أقوالي..؟ فقال (لي): ما من داعٍ للتوقيع، فنحن نعرفكَ حقّ المعرفة.. شكرني وهو يتهيّأ للخروج، وودعتُه..
لكنْ (وللأسف): لم يتمّ الأخذ بمقترحاتي.. نهائياً..! وموقف المسؤولين المحليين، ذكَّرني بقول الله تعالى: “وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون ألا إنّهم المفسدون ولكنْ لا يشعرون” (البقرة 11- 12) ، والمعنى: إن هؤلاء وأمثالهم في قلوبهم أمراض الشكوك والشبهات والخبث، وأدواء الأهواء والشهوات.. فإنّهُم من شدّة تمكّن الأمراض في قلوبهم، وما طمس الجهل والهوى والتقليد الأعمى على بصائرهم، انتكست قلوبهم، وانعكست بصائرهم، فأصبحوا يرون الفساد صلاحاً، والصلاح فساداً، والحقّ باطلاً والباطل حقاً، والشّرّ خيراً والخير شرّاً..!!.
سابعاً – غليان الكرد.. وتفاصيل الانتفاضة:
1 ــ الجمعة ليلاً.. تعاظمت فاجعة كرد قامشلي بمقتل أبناء جلدتهم.. لتتحوّل إلى بركانٍ غاضبٍ يغلي في قلوبهم.. فالجريمة أثارتِ الأفئدة وألهبتِ العقول.. لينتفض أصحابها في صباح اليوم التالي (السبت 13 آذار).. توافدت مواكبهم من كافة مناطق قامشلي إلى جامع قاسمو في الحيّ الغربيّ من مدينة قامشلي؛ للمشاركة في تشييع جنازات شبابهم الشهداء.. ومن أمام الجامع تحرّكت مواكب المشيعين.. تجتاز شوارع المدينة شارعاً تلو الآخر متوجِّهة إلى مقابر المدينة.. لتتفاجأ بحواجز طيارة مكونة من رجال الشرطة وعَسَس فروع الأجهزة الأمنية يُطلقون الرصاص الحيّ (رشاً) على حاملي الجنازات وعلى جحافل المُشيعين.. فسقط القتلى، وترنّح الجرحى، وفرّ الغالبية (خوفاُ وهلعاً)، وثبتُ القليل من الشجعان تحت نعوش الشهداء محاولين دون سقوطها..
2 ــ والمشهد الدَّموي ذاته يتكرّر في شوارع حي قدور بك في اليوم التالي (الأحد 14 آذار)، حيث كان مقرراً أنْ يتم دفن شهداء السبت في مقبرة الحي.. وبسبب إطلاق الرصاص على مواكب المشيعين.. اضطروا لنقل جنازات الشهداء إلى مقبرة الهلالية.. تلك الفواجع المأساوية أثارت غضباً شعبياً عارماً شمل أرجاء قامشلي، بل تجاوزها ليصل بلدات ومدن محافظة الحسكة، ثم توسعت لتصل إلى حلب (الحيين الكرديين/ الشيخ مقصود والأشرفية)، واعتصام الطلبة الكرد داخل حرم جامعة حلب.. وإلى العاصمة دمشق (الحيين الكرديين/ زورافا وركن الدين)، واعتصام الطلبة الكرد داخل حرم جامعة دمشق، وتظاهرات الكرد التي انطلقت من حي زورافا..
3 ــ تحرّك رجال الشرطة وعناصر فروع الأجهزة الأمنية.. تحت مظلّة حالة الطوارئ (الاستنفار الشديد)، وباشروا بحملة الاعتقالات العشوائية بأوامر قادتهم (الضَّالِّين) والتي طالت آلاف الكرد رجالهم وأطفالهم وشبابهم داخل المدن.. ولم يسلم منها الطلاب الكرد في جامعتي حلب ودمشق..!! ولسان حال كرد سوريا يقول: نحن قدَّرنا الموت وما نحن بمسبوقين..! حتى إنّ سجون ومعتقلات الشرطة وفروع الأجهزة الأمنية امتلأت بالمعتقلين، لدرجة أنّه تمّ نقل الكثير من المعتقلين إلى دوائر حكوميةٍ مدنيةٍ، ليُحشروا داخل أقبيتها..! وهنا أشير لنشاط الشباب العاملين ضمن منظمات حقوق الإنسان في سوريا، الذين كثّفوا من وتيرة عملهم الإنساني عبر تواصلهم اليومي مع منظمات حقوق الإنسان الدولية (في الخارج)، ونتيجة لتلك النشاطات أقدم فرعا الأمن العسكري والسياسي على اعتقال بعض هؤلاء الشباب، وتمّ زجّهم في أقبية المنفردات.. ومُورست بحقّهم أبشع أنواع التعذيب النفسيّ والجسديّ..!!.
4 ــ ذكر لي أحد الشهود (صادق وأمين): كان في المشفى الوطني كرديٌّ قد أُصيب بكسرٍ في عظم الورك خلال الأحداث ويحتاج لعملٍ جراحيٍّ في دمشق، فذهبتُ مع زوجة المصاب إلى السيد مدير منطقة قامشلي، وطلبنا منهُ منحنا موافقةً لنقله إلى دمشق بسيارة إسعافٍ.. فكان ردَّ مدير المنطقة: (سنرسله بموجب كتابٍ رسميٍّ مع دورية شرطة وهو موقوف ومُكبّل بالسلاسل، حتى تعرفوا أنّ الله حق.. وسوف تندمُون على فعلتكم.. وتعضُّون أصابعكُم ندماً.. من أنتم حتى تقفوا في وجه الدولة هاااا..)، وبالفعل تمّ إرسالهُ (بالحالة التي ذكرها مدير المنطقة) إلى إحدى مشافي دمشق.. وفي المشفى تمّ تكبيله بالسلاسل وهو ممددٌ على السرير، بوجود دوريةٍ أمنيةٍ أمام باب غرفته.. تمنع عنه الزيارات؛ فساءت صحته، حتى بات على شفير الموت.. يصرخ من شدَّة الآلام، ويُندِّد بالذين أهملوه.. وهو في تلك الحال تعاطف معه أحد أطباء المشفى؛ فتقدّم وحلّ وثاقه وأنزله فوراً إلى غرفة العمليات وهو حيٌّ، لكنّه يعاني من عاهةٍ دائمةٍ (عرج)..!، وأضاف (الشاهد): خلال وجودي في دمشق.. طرقت أبواب أشخاصٍ للمساعدة، منهم قال لي: الآن يتمّ التعامل مع الأكراد كما كان التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين في عام 1982م..؟! وجوابي (كإنسان مسلم سوري وطني) على رد مدير منطقة قامشلي، من الطبيعي أنْ يكون الآتي:
أ- لو كان العربيّ السّوريّ (مدير منطقة العميد ياسين الخطيب)، مُسلماً يعرف أنّ الله حق، وقارئاً لقول الله تعالى: “ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً” (الإسراء 33)، وقول الله تعالى: “ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً” (النساء 93)، ولما قال للكرديّ المُسلم السّوريّ: (حتى تعرفوا أنّ الله حق..)..!!.
ب- لو كان العربيّ السّوريّ (مدير المنطقة) مُسلماً، وقارئاً لقول النبي ﷺ فيما يرويه عن ربّه عزّ وجلّ: “يا عبادي إنّي حرّمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا.. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثمّ أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه”، لما قال للكرديّ المُسلم السّوريّ: (سوف تندمُون على فعلتكم.. وتعضُّون أصابعكُم ندماً.. من أنتم حتى تقفوا في وجه الدولة هاااا..).
5 ــ ذكر لي أحد الشهود (أمين وصادق): كنتُ طالباً في جامعة حلب.. وفي يوم السبت 13 آذار 2004م (اليوم التالي لأحداث الملعب البلدي في قامشلي)، فأقدمت سلطات نظام البعث (الفرقة الرابعة من الجيش) بفرض طوقٍ أمنيٍّ مُشدّدٍ حول محيط الحرم الجامعي بحلب.. لدرجة أنَّ إجراءات الخروج من المدينة الجامعية والدخول إليها باتت معقدةً جداً، وأصبح كُلّ طالبٍ يتعرّض للتفتيش والتدقيق في هويته الشخصية وبطاقاته الجامعية..
الأوامر الصادرة عن المسؤولين المحليّين لنظام البعث السّوريّ، بفرض حالة الطوارئ.. ومنع التجول، وتكثيف حملات الاعتقال، والمُداهمات الأمنية للمنازل.. كلّ ذلك لم يمنع شباب الكرد في سوريا من الاستمرار في انتفاضتهم (من دون توقف)، وكان بإمكانهم إطالة أمد الانتفاضة، لولا جُبن وتخاذل رموز الحركة السياسية الكردية..!! الذين كانوا (سرَّاً) يتسابقون للاتصال بالمسؤولين المحليين؛ لاسترضائهم عبر تنفيذ توجيهاتهم..! فالغالبية منهم كانوا يتعمدون مقاطعة التظاهرات (تحت حجج وذرائع واهية)، ويدفعون بكوادرهم لافتعال المشاكل للشباب المتظاهرين، وتوجيه الانتقادات لهم..!!.
ثامناً – مآثر مُضيئة لبطولات شباب الكورد ( خلال الأحداث )
حقيقةً يعجز اللسان عن وصف الإنجازات البطولية التي أبدعها النشطاء من شباب الكرد..!، فغالبيتهم كانوا دون الـ 25 عاماً.. وما فكّروا فيه وفعلوه طوعاً (من دون توجيهٍ من أيّ طرفٍ سياسيٍّ) لم يكن يتخيّله عقلُ أكبر زعيمٍ من قادة الأحزاب السياسية الكردية.. لقد تجلّت بطولاتهم داخل الملعب البلدي وخارجه، ابتداءً من لحظة تصدّيهم لهجمات الغوغائيين (مشجعي نادي الفتوة القادمين من دير الزور) حتى جعلوهم يفرون كالقطط.. وصمودهم (وهم عزّلٌ من السلاح) أمام الهجمات الشرسة لرجال الشرطة وعناصر فروع الأجهزة الأمنية المدجّجين بالهراوات والأسلحة الحربية.. وإصرارهم على الخروج بالآلاف من بيوتهم لمواصلة الانتفاضة.. لقد صبروا على المآسي واحتملوا آلام التعذيب داخل معتقلات فروع الأجهزة الأمنية.. هُمُ الذين أبدعوا الأفكار، وهُمُ الذين حضَّروا المواد والوسائل اللازمة طوعاً وعلى نفقاتهم الخاصة (كوسائل النقل/ سيارات، تأمين الأقمشة بألوانها العديدة وخياطتها كأعلام ولافتات، اختيار العبارات وكتابتها، اختيار الشباب، توزيع المهام، الشعارات أثناء تشييع الشهداء، كافة أصناف كاميرات التصوير).. هُمُ الذين كانوا ينظّمون سير مواكب المشيعين، ويتسابقون طوعياً (أفراداً وجماعاتٍ) لزيارة الجرحى (في المشافي والمنازل) ويقدّمون لهم الخدمات، ويؤمّنون لهم لكافة الاحتياجات اللازمة (أدوية، فئات الدم المطلوبة)، شباب شجعان واصلوا بثباتٍ حمل نعوش الشهداء على أكتافهم رغم وابل الرصاص المنهمر عليهم.. شباب أثبتوا أنّهم أبطالٌ حقيقيون يستحقون بجدارة أنْ تُرفع لهم القبعات لا لغيرهم.. والتاريخ سجّل بأحرفٍ من ذهبٍ أنّهم أسقطوا جدار الخوف، وخلخلوا هيبة نظام البعث السّوريّ..
إنّني تواصلتُ (شخصياً) مع الغالبية العظمى من شباب الانتفاضة.. وتلبيةً لمطلبي أرسلوا إليّ شهاداتهم حول مآثرهم (أثناء أحداث الملعب البلدي وخلال أيام الانتفاضة)، وسأنشرها على صفحة الفيسبوك الخاصة بي خلال شهر آذار 2024م (بمناسبة مرور 20 عاماً على انتفاضة آذار 2004م).
ذكر لي أحد الشهود (أمين وصادق): أمام مأساة كرد سوريا في آذار 2004م، فكرتُ أنْ أبادر لأجل إطلاق سراح شباب الكرد المعتقلين داخل سجون وأقبية فروع أجهزة أمن نظام البعث؛ فتوجّهتُ إلى دمشق (مكتب سماحة السيد حسين فضل الله)، وأخبرتُ مدير مكتبه بتفاصيل الأحداث.. وطلبتُ منه إبلاغ سماحة السيد ليتدخّل في الموضوع.. اتصل بسماحته، وطلب منه استقبال وجهاء من الكرد لشرح مظالمهم.. وافق سماحة السيد.. فرجعتُ إلى قامشلي وتواصلت مع بعض مسؤولي الأحزاب الكردية.. ثمّ توجّهتُ إلى دمشق (يوم السبت) وبرفقتي ثلاثة من قادة الأحزاب الكردية.. استقبلنا سماحة السيد.. فحدَّثه الثلاثة، ثمّ أنا.. وسلّمتُه بيدي منشوراً (من 8 صفحات كُنتُ أنا أعددتُه بنفسي مُسبقاً) تحت عنوان: الأكراد وأحداث قامشلي)، فوعدنا سماحة السيد بالخير.. ثمّ رجعنا (في اليوم نفسه)، وصلنا إلى قامشلي يوم الأحد.. وفي يوم الإثنين تمّ إطلاق سراح ٨٢٥ من شباب الكرد، ثمّ أُطلق سراح آخرين.. إثر إطلاق سراح المعتقلين اتصل معي قادة أحزاب كردية يستفسرون: إنْ كان اللقاء بالسيد هو ما أعطى تلك النتيجة السريعة..؟؛ فأخبرتُهم: نعم سماحة السيد اتصل بالسيد رئيس الجمهورية في نفس اليوم.. فكانت النتيجة إطلاق سراح المعتقلين الكرد.. وأخبرتُهُم: أنّهُ من واجبنا الذهاب في وفدٍ كرديٍ لتقديم الشكر لسماحة السيد.. وفعلاً توجّهنا يوم السبت إلى دمشق في وفدٍ: (8 من قادة الأحزاب وأنا ومعي أحد أصدقائي)، التقينا بسماحة السيد وشكرناه.. وبالمقابل سماحة السيد ردَّ قائلاً (لنا): عاهدتُ نفسي بأنّني سأخدم قضيّتكُم أنتُم الكرد المظلومون، ومكتبي مفتوحٌ أمامَكُم لاستقبالكُم متى تشاؤون.
تاسعاً – المواقف محلياً/ دولياً من جرائم نظام البعث بحقّ كرد سوريا:
إنّ دين الله (الإسلام) هو دين الإنسانية (وأعني كامل حقوق الإنسان) التي تنطلق من مبادئ أنزلها الله تعالى، والتي بموجبها يكون التعامل بين الناس (كلّ البشر) وفق الخلق القويم، والمبادئ الإنسانية التي لا تفرّق بين عربيٍّ وكرديٍّ، مبادئ لا تتغيّر وفق المصالح والأهواء القومية، مبادئ لا تتبدّل حسب القوة والسلطان.. ثمّ إنّ حقوق الإنسان هبة من الله جلّ جلاله، كما شرعها الإسلام (دين الإنسانية)، فهي حقوق مُلزمة بحكم مصدرها الإلهي.. لكون الناس (من دون استثناءٍ) أسرة واحدة تجمعهم العبودية لله، وجميعهم مُتساوون في أصل الحرية والكرامة والحياة الإنسانية الكريمة، وفي أصل التكليف والمسؤولية من دون تمييزٍ بسبب العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الجنس، أو المُعتقد الدِّيني، أو الانتماء السِّياسي، أو الوضع الاجتماعي.. وبالتالي فإنّ حقوق الإنسان (في أيّ تشريعٍ سماويٍّ أو أرضيٍّ) لا تقبل الحذف، ولا النسخ، ولا التعطيل، ولا يُسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز التنازل عنها؛ فهي حقوقٌ لا تتغيّر وفق أهواء القوميّين العرب، ولا تتبدّل حسب قوة وسلطة العرب البعثيّين، كما وجدناها منحرفةً خلال أحداث قامشلي يوم الجمعة 12 آذار عام 2004م..! وعليه (أعلاه ):
أتدرون لماذا أشهد (أنا الكرديّ السّوريّ) بأنّ الإنسانية (وأعني حقوق الإنسان الكرديّ السّوريّ) قد هُدِرتْ، بل سُحِقت خلال أحداث قامشلي عام 2004م..؟!.
السبب هو أنّ عرب سوريا تناسوا: بأنّ الله تعالى حرص على تكريم الإنسان (عربياً كان أم كردياً)، فجعل للإنسان حقوقاً كاملة غير منقوصةٍ (في حريته وكرامته وحياته اليومية)، وأنّ الله سبحانه وضَّح للناس (ومنهم السّوريّون عرباً وكرداً) أنّ الإنسانية عاطفةٌ ساميةٌ، لا تعرف وطناً ولا قوماً ولا جنساً ولا لوناً، وبالتالي فالناس (ومنهم السّوريّون عرباً وكرداً) عليهم واجبات ملزمين أنْ يؤدّوها تجاه بعضهم بعضاً في جوٍّ من الألفة والمحبة..
لكنّني ما رأيتُ الإنسانية (حقوق الإنسان الكرديّ) إلا قد تبخَّرتْ لدى عرب سوريا (خلال أحداث قامشلي) وأعني:
-أوَّلاً: جماهير نادي الفتوة (عرب سوريا الذين جاؤوا من دير الزور)، ومحافظ الحسكة (سليم كبول)، وقادة الشرطة وقادة فروع الأجهزة الأمنية (وهم من عرب سوريا)..! ورجال الشرطة وعناصر الأجهزة الأمنية (غالبيتهم العظمى من عرب سوريا )..!، فأولئك كانوا قبل آذار 2004م من أدعياء الإنسانية (المزيّفة) يتشدّقون بها أمام العالم، وفي الواقع العملي كانوا يحتكرونها لبني جنسهم العرب ولأهل ملّتهم وحدهم..! أولئك تناسوا قول الله تعالى: “يا أيّها الناسُ إِنَّا خلقنَاكُم مِنْ ذكرٍ وأُنثى وجعلنَاكُم شعُوباً وقبَائِل لِتَعَارفُوا” (الحجرات 13)..!، وتناسوا قوله تعالى: “من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً..” (المائدة 32)..!، فالله جلّ جلاله لم يخلقهم (عرب سوريا) ويجعلهم حكّاماً، كي يحتقروا كرد سوريا، ويظلموهم، ويبخسوا حقوقهم، ويعتدوا عليهم، ويقتلوهم عمداً (جهاراً بلا رحمة)..! إنّهم شطبوا قول رسول الله ﷺ: “لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى”..! إنّهم تغافلوا عن قوله ﷺ: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَنْ في الأرض، يرحمكم مَنْ في السماء”..!.
-ثانياً: وعلى ما سبق: أشهد بأنّ حقوق الإنسان الكرديّ السّوريّ قد هُتكت، بل سُحقت خلال أحداث 12 آذار عام 2004م، نتيجة المواقف الرَّسمية لقادة أنظمة الدول العربية الإسلامية (تحديداً قائد السعودية الملك عبد الله) التي أيَّدتْ وآزرتْ الموقف الرسمي لنظام البعث السّوريّ.. والحقيقة أنّ مواقف الأنظمة العربية الإسلامية كانت الدافع والمشجّع لنظام البعث السّوريّ في استخدامه الحلّ العسكريّ (استعمال السلاح والرصاص الحيّ) لمواجهة كرد سوريا العُزَّل..؟! إنّ قادة الأنظمة العربية الإسلامية (بمواقفهم الفاسدة) خالفوا التشريعات التي سنّها الإسلام دين الإنسانية..؟ إنّهُم وقادة نظام البعث السّوريّ، من المعنيين بقول الله تعالى: “إنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة زيّنّا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هُمُ الأخسرون” (النمل 4- 5).
الإعلام العربيّ.. وكلمات حقٍّ لـ صالح القلاب وأحمد الحبوبي:
خلال أحداث 12 آذار 2004م (مجازر قامشلي)، تعالت أصوات العديد من إخوتنا العرب (مثقفين وإعلاميين وساسة) عبر وسائل الإعلام العربيّ.. مُندِّدةً بالأسلوب الأرعن الذي استخدمته سلطات نظام البعث السّوريّ.. ولفت انتباهي الأصوات المؤيدة لحقِّ الكرد في تقرير مصيرهم، منها: صوت السيد صالح القلاب (وزير أردني سابق)، وصوت السيد أحمد الحبوبي (وزير عراقي سابق)، فقد قال السيد صالح (حرفياً): (لقد تغيَّرتْ نظرة المثقف العربيّ تجاه القضية الكردية؛ لأنّهُ كان هناك سُوء فهمٍ تجاه الكرد، بسبب التَّقييم الخاطئ، فتبدّلتْ المفاهيم السَّابقة، وحلّ مكانها رأيٌ ايجابيٌّ جديدٌ حول حقّ الكرد في تقرير مصيرهم)، وقال السيد أحمد (حرفياً): (كُنتُ سابقاً ضدَّ القضية الكردية، انطلاقاً من العقلية العربية العسكرية المُناهضة لحقّ الكرد، واليوم أنا وغيري من القوميّين العرب مع حقّ تقرير مصيرهم، ولا ضير إنْ أعلنوا دولةً مُستقلَّةً لهُم)، فكانت في اتجاهٍ عاكسه قائد المملكة العربية السعودية (الملك عبدالله حامي الحرمين الشريفين)..!!.
عاشراً – دور الحركة السياسية للأحزاب الكردية:
بكل تأكيدٍ كان قادة الحركة السياسية الكردية يقولون في أنفسهم: (إنّ المصلحة العامَّة أكبر كذبةٍ في التاريخ.. وعملنا في الحركة السِّياسِية هو من أجل أنْ نأخُذ.. وليس من أجل أنْ نُعطي ونُقدِّم).. فأولئك مِمَّنْ يصفهم الله تعالى بقوله: “يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون” (البقرة 9)، وعليه: أشهد بأنّ الأحزاب السياسية الكردية (بغالبية قادتها وزعمائها) كانت عرجاءَ.. عاجزةً عن أداء مهامها، تائهةً لا تعرف كيفية التعاطي مع الكارثة التي نكبت الكرد في الأيام الأولى البشعة.. وما تلاها من مصائب نزلت بشبابهم.. ولقد تناسلت سوءات غالبيتهم خلال انتفاضة آذار 2004م..!، فلو كانت محبة شعبهم راسخةً في قلوبهم، لمَا هرولُوا إلى رؤساء فروع الأجهزة الأمنية يستجدون رضاهم..!، ولمَا سَخَّروا نضالهُم السياسي لتهدئة انتفاضة الكرد المفجوعين بشبابهم..!، ولما اختلفوا فيما بينهم على تقاسم التبرعات المُرسلة لأهالي الشهداء والجرحى..!، ولما زادت سهراتهم في مطاعم قامشلي..!، وبسبب تناسل سوءاتهم أطلقتُ (عبر مقالاتي المتتالية باسم كوني سبي) عليهم لقب مخاتير الأحزاب الكردية..؟!، ومن الأدلّة على ذلك:
1 – ذكر لي أحد المنتمين لحزبٍ سياسيٍّ كرديٍّ (أشهد على صدقه): أقول للتاريخ.. في يوم الجمعة 12 آذار عام 2004م، بعد مغيب النهار، سمعتُ بأنّ 3 شبابٍ ماتوا خلال أحداث الملعب البلدي في قامشلي.. فأجريتُ اتصالاتي مع رفاقي في عامودا.. ومع القيادة في قامشلي.. والحقيقة أنّه (حتى تلك اللحظة) لم يكن هناك أيّة بلورةٍ أو توضيحٍ لما ستتخذه الحركة السياسية الكردية، سوى قولهم: إنّه في الغد (السبت) سيتمّ تشييع الشهداء من أمام جامع قاسمو في قامشلي.. وفي صباح اليوم التالي (السبت 13 آذار) تفاجأتُ بتظاهرة شباب عامودا..
2 – عضو أحد الأحزاب السياسية الكردية، وخلال زيارته لمنزل إعلاميٍّ كرديٍّ، وعد بأنّه سيُحضر لقطةً مصوّرةً لمحافظ الحسكة (سليم كبول) وهو يطلق الرصاص من مسدسه، لكنّه (السياسي) لم يفِ بوعده (من دون معرفة الأسباب)..!.
3 – ذكر لي أحد الشهود (صادق وأمين): أثناء أحداث قامشلي، كُنتُ مقيماً في إحدى دول الاتحاد السوفييتي، تحرّكتُ وبعض أصدقائي منذ يوم الجمعة 12 آذار، فحصلنا على موافقةٍ لعقد مؤتمرٍ صحافيٍّ، خلاله أوضحنا للمجتمع الدولي وللرأي العام العالمي كلّ ما جرى ويجري لكرد سوريا..، وأضاف (الشاهد): وقتها تعمَّد سياسيٌّ كرديٌّ قياديٌّ، فوقف ضدّنا.. وهدّدنا بتسليمنا للمخابرات.. والقياديّ (ذاته) قدّم هديةً للبيت الكرديّ (جهاز يو پي إس UPS مع طابعة)، وعندما قمتُ بتركيب الجهاز بناءً على طلب أعضاء البيت الكرديّ، تفاجأتُ والجميع بوجود جهاز تنصّتٍ/ تجسّس في اليو پي إس..!!.
4 – ذكر هيثم المالح (في حديثهُ المتلفز/ المرصد السّوريّ/ القناة 9/ شباط عام 2019م) قائلاً: (أثناء أحداث آذار 2004م في قامشلي، قابلتُ محمد سعيد بخيتان رئيس المكتب القوميّ، وذهبتُ إلى الحسكة وقامشلي (مع وفدٍ لحقوقيين وناشطين سوريين)، والتقينا مع قادة الأحزاب الكردية، وقد وقّعنا (أنا وأعضاء الوفد) مع قادة 12 حزبٍ كرديٍّ بياناً مشتركاً (ينصّ على وحدة التراب الوطني ووحدة العلم وعدم الاستقواء بالخارج)، وليلاً استدعاني محافظ الحسكة (سليم كبول)، وكان اللواء هشام بختيار موجوداً عندهُ، فقلتُ لهم: إنّنا وقّعنا مع الأحزاب الكردية البيان المذكور..
5 – ذكر لي أحد نشطاء شباب الكرد (صادق وأمين): للأسف فإنّ بعض ممثّلي الأحزاب الكردية سعوا من أجل تهدئة الناس؛ لمنع اتساع وتيرة الانتفاضة.. لدرجة أنّ كوادرها لم يشاركوا في تشييع جنازات الشهداء..!، وبعدها بأيامٍ (في نوروز يوم 21 آذار) لم يحضروا للمشاركة في النوروز كبقية الكرد الذين حضروا لإقامة النوروز على ملعب الهلالية، بل إنّهم اكتفوا برفع أعلامٍ سوداءَ فوق منازلهم؛ ليُعبّروا للكرد عن حزنهم، وبأنّهم مناضلون مُتألمون لمقتل شباب الكرد..!، وحين تواجدي مع مئات الشباب أمام منزل الشهيد أحمد خليل يوسف (في حي الهلالية)، كان الجميع يُردِّد عباراتٍ مناهضةً للنظام، حينها أبدى عددٌ من كوادر الأحزاب الكردية انتقاداتهم (اعتراضاً منهم على ترديد العبارات)..!، وأضاف: في الذكرى الأولى لسنوية انتفاضة (12 آذار 2005م) ، قرَّر شباب حي الهلالية (وأنا كنتُ معهم/ في الساعة الحادية عشرة) إقامة وقفةٍ صامتةٍ على طريق عامودا؛ تحية لأرواح شهداء الانتفاضة، بعدها توجّهنا جميعاً إلى مقبرة الهلالية لقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء الثلاثة (أحمد خليل يوسف وعبدالرزاق محمد وغيفارا خلف برو).. وللتنويه: فإنّ جميع أحزاب الحركة السياسة الكردية (تقريباً) رفضت حضور تأبين شهداء الانتفاضة، باستثناء اليكيتي الكرديّ، الذي أحيا الذكرى في مقبرة حيّ قدور بك عصر ذلك اليوم (12 آذار 2005م).
6 – ذكر لي أحد الشهود (أمين وصادق): كُنتُ موجوداً في مكتب مدير المنطقة في قامشلي (يوم الجمعة 12 آذار 2004م بعد المغرب/ قبل العشاء)، وكان فيه أمين فرع حزب البعث ورئيس فرع الأمن العسكري وكافة رؤساء فروع الأجهزة الأمنية، ومعهُم أُمناء أحزاب الحركة السياسية الكرديّة (عبدالحميد درويش ومحمد نذير مصطفى ونصرالدين إبراهيم وفؤاد عليكو وصالح كدو وآخرين لا أتذكّر أسماءهم)، وأمام جميع الحاضرين سألتُ أمناء الأحزاب الكردية: هل عندكم الإمكانات والضمانات لضبط الشارع الكردي مِمَّا قد يصدر عن الشباب الكرد وعن أهالي الشهداء..؟ فأجابني عبدالحميد درويش (نيابةً عنهُم): (ما عنّا الإمكانيات ولا الضمانات)، وأضاف (الشاهد): أشهد أنّ غوغائيين (عرب) جاؤوا من الجنوب وحارة طي، وبدؤوا يغزون أسواق المدينة.. وقد سلبوا/ سرقوا محلات كرد المدينة (تحديداً محلات الموبايلات).. جرى ذلك تحت أنظار جميع المسؤولين المحليين، ولكنْ (بكلّ أسف) لم تتمّ محاسبة أحدٍ من أولئك الغوغائيين الغزاة..
7 – ذكر لي أحد الشهود (أمين وصادق): أنّ قادة أحزاب الحركة السياسية الكردية، لم يكونوا راضين عمَّا فعله شباب الكرد خلال الانتفاضة.. وأنّهم لم يُحسنوا استثمار الانتفاضة سياسياً..!، بل على العكس تماماً، فقد أظهر بعضهم الوقوف علناً إلى جانب نظام البعث.. وكمثالٍ قول عبدالحميد درويش (عبر مقابلةٍ إعلاميةٍ): في عامودا الذين قاموا بإسقاط تمثال حافظ الأسد وقتلوا رئيس المخفر، هُم أبناء شوارع وغرباء عن عامودا..! وفيما بعد سمعنا بأنّهُ (عبدالحميد) ذهب مع وفدٍ (من قادة بعض الأحزاب الكردية)، إلى مطار قامشلي لتوديع سليم كبول (محافظ الحسكة)، وحينها قال (لسليم كبول): إنّ رحيلكَ خسارةٌ لنا..!.
8 ــ ذكر لي أحد الشهود (صادق وأمين): أنّه في يوم الأحد 13 آذار 2004م، جاء إلى قامشلي وفدٌ أمنيٌّ رفيع المستوى من دمشق، واستنجدوا بعددٍ مِن زعماء الحركة السياسية الكردية.. طالبين منهُم التدخّل لوقف الانتفاضة..! وأثناء اللقاء اشترط الوفد الأمنيّ على الحاضرين (من زعماء الأحزاب الكردية)، أنْ يُبادروا لإصدار بياناتٍ حزبيةٍ تطالب الكرد بعدم الخروج إلى الشوارع..! وكان لهُم ذلك..!!، وأضاف (الشاهد): لقد طالبنا زُعماء الأحزاب الكردية بأنْ يُقاطعوا اجتماعاتهم مع الوفد الأمنيّ إلى أنْ يتمّ إيقاف حملة الاعتقالات (وذلك كشرطٍ أساسيٍّ للعودة إلى مُتابعة الاجتماعات)، لكنّ الزعماء لم يصغوا لمطالبنا، بل استمروا.. ومعظم اللقاءات كانت تعُقد في مكتب الحزب الديمقراطي التقدميّ، وفي منزل عبدالحكيم بشار (سكرتير الحزب الديمقراطيّ الكرديّ في سوريا / الپارتي)..!!.
أخيراً – دور كرد سوريا (كتاب/ إعلاميين/ نشطاء):
عموماً كان الموقف التضامنيّ لكرد سوريا (داخلياً وخارجياً) مشرّفاً، من خلال تكاتفهم ووقوفهم صفاً واحداً تجاه أساليب القمع التي استخدمتها الأجهزة الأمنية لنظام البعث السّوريّ.. وكانت مشاهد خروج كرد سوريا بالآلاف المؤلَّفة إلى شوارع المدن.. مشاهد استثنائية لم تشهدها أيَّة مدينةٍ سوريةٍ من قبل..
ومن خلال قيامي بإعداد وتنظيم شهاداتٍ توثيقيةٍ، أجريتها مع العديد من الأشخاص (أناس صادقين/ طيبين) من داخل سوريا وخارجها (الذين واكبوا أحداث 12 آذار عام 2004م)، تبيّنت لي حقائقُ كثيرةٌ عزَّزت مواقفي.. وسأنشرها مع بداية شهر آذار على صفحة الفيسبوك الخاصّ بي بمناسبة مرور 20 عاماً على أحداث قامشلي.. وهنا سأورد أسماءً لنشطاء (هم ذكروها لي):
– محلياً (داخل سوريا):
قلّةٌ قليلةٌ من كتّاب كرد سوريا (في الداخل) هُمُ الذين سخَّروا أقلامهم لمناهضة السلوكية العدوانية الفجّة التي انتهجتها الأجهزة الأمنية السّوريّة خلال الأحداث.. ومؤازرةً لشباب الكرد طيلة الفترة العصيبة.. والغالبية كتبوا مقالاتهم تحت أسماءٍ مُستعارةٍ، ذكرتهم سابقاً (وأنا منهم).. وبحقٍّ فإنّ الشجاعة والجرأة كانتا من نصيب (الإبراهيمين): صديقي إبراهيم اليوسف (كبير الكتاب الثائرين) وصديقي إبراهيم محمود (عميد مثقفي وكتاب كرد سوريا)، حينها كان منزل إبراهيم اليوسف قد تحوّل إلى مركزٍ إعلاميٍّ يلتقي فيه بشكلٍ دائمٍ الكتاب ويرتاده غالبية الإعلاميين والصحفيين والنشطاء من الشباب.. ففيه كان يتمّ التواصل والتنسيق فيما بينهم.. وتزويد الإعلاميين بالأخبار ومقاطع الفيديو والصور للنشر..
إعلاميو كرد سوريا غالبيتهم العظمى كانوا صحافيّين شباب نشطاء بمقتبل العمر.. منهم أولاد إبراهيم اليوسف (أيهم وكرم وفائق وآراس) وفرهاد أحمي وقادو شيرين وعبدالرزاق سليم وإبراهيم حسين وحسين لوند.. ومن الذين نشطوا في تصوير أشرطة الفيديو حول الأحداث كثيرون.. منهم: ريزان بيجو، أكرم درويش وابنه، محمد زبير، منذر ناراس، محمد (استوديو نضال)، دلبرين محمد، سعود حسين، بهاء شيخو، مصطفى عثمان، كادار موسي (مركز مونتاج فيديوهات)، ومن الشباب النشطاء (فنياً وميدانياً): نصرالدين أحمي، منذر أوسكان، سيامند ميرزو، مسعود عكو، سعود حسين، نهاد إسكان، حسن زكي (حسن خاني صوري)، دلكش شيخموس، عدنان محمود، كادار سعدو (الخطاط)، آزاد محمد إبراهيم (الخياط/ صاحب محل أزياء آزاد)، محمد خير أوسو، لقمان سليمان، جوان سليمان، أحمد سلام، شيرين ملا شكري، دشوار كلش، آزاد حسن عيسى، شيرزاد حسن عيسى، محمد جمال الدين علو، جوان زبير متيني، نصرالدين برهك، عبدالسلام ملا علي داري، ريزان آدم، أحمدي موسي، الدكتور محمد سراج جوي، الأستاذ أسد الدين يوسف، هامان علي، رمضان محمد، حسن حسن، شفان عبدو.
– دولياً (خارج سوريا):
مع بداية أحداث ملعب قامشلي.. ساهم الكثير من كرد سوريا (المقيمين في الدول الخارجية) في التضامن الفوري مع إخوتهم.. حيثُ نظّموا العديد مِنَ الاعتصامات والتظاهرات.. وأقاموا الكثير مِنْ الندوات.. وكان العمل في البالتوك وسيلةً ناجحةً لتلاقيهم وعقد الاجتماعات لتبادل الأفكار والآراء وإعداد خططٍ فوريةٍ؛ من أجل تقديم المساعدة والدعم المادي لبني جلدتهم في الداخل سوريا (تحديداً لأهالي الشهداء والجرحى)، إلى جانب مواصلة تقديمهم الدعم ثقافياً وإعلامياً وسياسياً..
خلال تواصلي مع مَنْ واكبوا أحداث 12 آذار عام 2004م ذكروا لي (عبر شهاداتهم) أسماء العديد من الذين أظهروا للعلن تضامنهم مع أبناء جلدتهم (كرد سوريا).. منهم الفنان التشكيلي بشار العيسى (كرديّ سوريّ مقيم في فرنسا)، حيث كان له دورٌ فعَّالٌ في تأمين تواصل وكالة الأنباء الفرنسية بالداخل السّوريّ مع المثقّفين والكتّاب الكرد في سوريا.. وكذلك الإعلاميّ سيروان حاج بركو (مدير موقع عامودا. كوم)، والدكتور محمد محمود (مقيم في نصيبين/ تركيا )، والدكتور كنان حسن، والدكتور أحمد درويش (مقيمان في إحدى دول الاتحاد السوفييتي)، والشباب العاملون في فضائيّتي Kurdistan TV وكرد سات، وفضائية Roj TV (منهم نواف خليل وطارق حمو)، ومواقع عديدة منها KNN- Kurd roj- Rojava.
-كلمةٌ أخيرةٌ موجّهةٌ لأبناء الوطن السّوريّ:
1 – الوطنية تتمثّل في الإحساس أوَّلاً بالانتماء للأرض ولنسيج مجتمع الوطن، وثانياً بالدفاع عن أمن الوطن والمواطنين.. والوطنية تُكتسب عبر التربية والتوعية.. في مقابل الحفاظ على ثروات الوطن وتوزيعها بالعدل على المواطنين (من دون تمييزٍ)، وضمان حريات وحقوق المواطنين عبر تطبيق القانون (من دون تمييزٍ)، أمَّا حُكَّـام الوطن فما هم إلا أشخاصٌ تمّ تفويضهُم بالسلطة (من قبل المواطنين)؛ ليحافظوا على التوازن بين أمن نسيج مجتمع الوطن والحرية الفردية للمواطن، وعليه: فالوطنية ليست رداءً أو خزّاناً لحكّام الوطن (أصحاب السلطة) يرتوون منه لتأمين حاجاتهم (غرائزهُم الدنيوية)..! فلو كانت المُثل الوطنية راسخةّ في قلوب السّوريّين، لَمَا سُمِحَ للغوغائيين من جماهير الفتوة (الضيوف) أنْ يبدؤوا أحداث 12 آذار عام 2004م في قامشلي..!، ولَمَا تعرّض كرد سوريا (وهم جزءٌ أساسيٌّ مِنْ النسيج الوطنيّ السّوريّ) للغبن والظلم والقتل والاعتقال (جهاراً)..!!.
2 – إنّ أبناء الوطن السّوريّ، استمعوا (بُعيد أحداث قامشلي آذار 2004م) لخطاب رئيس الجمهورية العربية السّوريّة السيد بشّار الأسد، خاصَّة عرب سوريا وأعني قادة نظام البعث في سوريا، وبالتحديد محافظ الحسكة وقادة الشرطة وقادة فروع الأجهزة الأمنية وجماهير نادي الفتوة، الكلّ سمع الرئيس (وقوله): كرد سوريا جزءٌ أساسيٌّ مِنَ النَّسيج الوطنيّ ومن التاريخ السّوريّ.. وبأنّ التحقيقات أثبتتْ عدم وجود تدخّلٍ خارجيٍّ في أحداث آذار..
وعليه :
أوَّلاً ــ أنا ممّنْ استمع للرئيس.. وبانتهاء الخطاب توجّهت إلى مركز بريد قامشلي، فكنتُ أول مواطنٍ (سوريّ من قامشلي) يُرسل برقية شُكرٍ للسيد الرَّئيس.
ثانياً ــ بعد خطاب الرئيس.. هدأت واستقرَّت الأوضاع، لكنّني لم أرَ ولم أسمع:
1 – أنّ العرب السوريّين انتابهم الشعور بالندم على أقوالهم وأفعالهم (العنصرية الهمجية)، وأعني قادة نظام البعث في سوريا وبالتحديد محافظ الحسكة وقادة الشرطة وقادة فروع الأجهزة الأمنية وجماهير نادي الفتوة..؟!.
2 – أنّ نظام البعث السّوريّ حاسب أعضاء اللجنة الأمنية العليا التي جاءت إلى قامشلي خلال الأحداث..؟!.
3 – أنّ نظام البعث السّوريّ أجرى محاكمة (لمحاسبة ومعاقبة) الذين خطّطوا للفتنة.. والذين أشرفوا على تنفيذ جرائم قتل شباب كرد سوريا عمداً..؟!.
4 – أنّ نظام البعث السّوريّ تقدّم باعتذارٍ للكرد السوريين..؟ أو ودفع تعويضاتٍ لأهالي الضحايا الأبرياء (37 شهيداً) ولعشرات المعاقين..؟!.
* تشكيلي وباحث مستقل