كنت خلال يوم الجمعة 13/3/2004م مصاباً بكريبٍ شديدٍ، حين اتصل بي محافظ إدلب السيد حسين الهدّار رحمه الله، إذْ علم بأنّني مريضٌ، وأعلمني أنّه سيزورني في منزلي.. هيّأتُ نفسي كي أدعوه لتناول طعام العشاء في مطعم الشلال في حلب، وبينما نحن في طريقنا باتجاه المطعم، وردني اتصالٌ هاتفيٌّ من السيد سليم كبول محافظ الحسكة، رددتُ عليه، وراح يسألني الدكتور سليم: (وينك يا أبو طلال؟)، فأجبتُه: أنا في حلب..!، فقال لي: (أرجوك تعال بسرعة، وانظرْ جماعتك شو عملوا معي..!(، فسألتُه: ما المشكلة..؟، قال: (لا أستطيع أن أشرح لك هاتفياً تعال بسرعة للقامشلي أرجوكَ لا تتأخر!).
اعتذرتُ من محافظ إدلب وعدنا إلى منزل، واتصلتُ مع ابنَيْ عمّي: (عبدالإله خليل إبراهيم باشا رحمه الله وصبحي محمود إبراهيم باشا، ورافقاني إلى أنْ وصلنا إلى قامشلي في الساعة الخامسة فجراً، أخبرتُ محافظ الحسكة بوصولي؛ فأرسل إليّ سيارةً كي تدلّنا على مكان وجوده.
ما إنْ وصلتُ حتى وجدت أنّ اللجنة الأمنية كلها مجتمعة.. تحدثنا معاً حوالي نصف ساعة تقريباً، وتركتُهم وتوجّهتُ نحو الأستاذ نذير مصطفى رحمه الله، وأيقظتُه من النوم، واتصل مع قياديّين عدّة من المسؤولين عن الأحزاب الكردية واتفقنا أنا والأستاذ نذير على أنّ جنازات شبابنا ستنطلق من المسجد، في الحي الغربي، نحو المقابر من دون أنْ نرى في الشارع أيّ شرطيٍّ أو رجل أمنٍ.
ومباشرةً اتصلت مع الدكتور سليم كبول وقلتُ له: هذه شروطنا أثناء الدفن، فأجابني بأنّه واللجنة الأمنية موافقون على شرط الحركة الكردية.. وأثناء خروج الجنازات من المسجد إلى المقبرتين في كل من: قدور بك والهلالية.. اتجه الموكبان في اتجاهين مختلفين؛ ليواري كلّ منهما جثامين الشهداء في المقبرة المجاورة لسكن ذويهم، وكان طريق الموكبين يمرّ من أمام أكثر من دائرةٍ حكوميةٍ: دائرة الجمارك- الريجي- ومستودع الأعلاف.. ويبدو أنّ الشباب الكرد ونتيجة “فورة الدم” قد أحرقوا المقرّ الحكومي ومستودع الأعلاف..!
اتصل بي الدكتور سليم كبول وقال: (العهد الذي بيني وبينك يا أبا طلال انتهى؛ لأنّ جماعتك لم تلتزم بالاتفاق الذي بيننا، فقد أحرقوا مستودع الأعلاف ومركزاً آخر للدولة)، رددتُ عليه: أنتم قتلتُم تسعة من خيرة شبابنا، وكلّ ما أحرقتْه جماعتنا لا يساوي جزءاً بسيطاً ممّا سرقه مدير مصرف عامودا..، ردّ عليّ الدكتور سليم: أرجو عدم تكرار الاعتداءات؛ لأنّ هذه أملاك الشعب.
عند المساء اتصل بي محافظ الحسكة وطلب مني الحضور إلى مقرّ مدير منطقة قامشلي، حيث كان مقرّ اجتماعات اللجنة الأمنية هناك.. كنتُ أنا وابنيْ عمّي نائمين في فندق التلال، في قامشلي، اتجهتُ من الفندق إلى مقرّ اجتماعهم في منطقة قامشلي، وإذا بي أرى في الاجتماع اللواءين هشام بختيار ومحمد منصورة.. وحين جلوسي تكلّم اللواء محمد منصورة مع اللواء هشام بختيار، قائلاً: (إذا كان أبو طلال يريد خدمة الوطن وخدمتنا، فإنّ عليه أنْ يتوجّه إلى مدينة رأس العين، ويشكّل مسيرة تنديدٍ لما حصل في قامشلي.
رفضت الطلب فوراً، وقلتُ لهم: إنّ أيّ تجمعٍ في هذه الأوضاع ستكون نتيجته سلبيةً، وما فهمته بعد مغادرتي مركز اجتماع اللجنة الأمنية أنّه قد تمّ الاتصال مع سيادة مطران السريان (متى) وطلبوا منه ما طُلب مني، إذْ توجّه إلى رأس العين، واتجهتِ المسيرة التي قادها وشارك فيها حوالي 2000 متظاهرٍ نحو منازل بعض أحفاد إبراهيم باشا في رأس العين.
كان المركز الثقافيّ في المدينة يقع إلى جانب مركز مديرية منطقة رأس العين ومفرزة الأمن السياسيّ في المدينة، وكان من جملة الحضور اثنان من أحفاد الأمير إبراهيم باشا وهما: الدكتور خليل إبراهيم باشا وفؤاد عبدالعزيز إبراهيم باشا، إضافة إلى عصمت سويركلي، طيار بكي برازي، وأحد شباب الملية المخلصين للقضية الكردية وللعائلة وهو: المحامي عبدالعزيز أيو، من قبائل الترن الملية، وبدأ بعض الحضور العرب استفزازَ الكرد الأربعة الموجودين، وأثناء خروجهم من الندوة مباشرةً، التفّ حولهم بعض الإخوة العرب وهم: المحامي وليد القصاب، وخالد محمود الحلو، وأمين رابطة الفلاحين السابق في رأس العين، وقاموا بحمايتهم إلى حين إدخالهم مفرزة الأمن السياسيّ، وأغلقوا الباب الخارجيّ؛ لمنع دخول المتظاهرين؛ لأنّهم كانوا يريدون التّهجّم عليهم وقتلهم في الشارع..
توجّه هؤلاء المسيّرون بعدها إلى بيوت ثلاثةٍ من أحفاد إبراهيم باشا، وبدأتْ هتافاتهم برحيل الكرد، وبقي الاشتباك بين هذه المجموعة وثلاثةٍ من أبناء عمّي ولم يستطيعوا اقتحام بيوتنا، وأثناء هذه المعركة أصيب ابن عمّي: (نوري محمود إبراهيم باشا) بالرصاص، وطلب الأهل سيارة الإسعاف وأبى مسؤول الإسعاف أنْ يسعفَه إلا شريطة أنْ يسلّم سلاحه.. بعد تسليم سلاحه أخذوه إلى المشفى، جانب مخفر من مخافر شرطة رأس العين، وهجم عليه بعض الحاقدين من المتظاهرين وانهالوا عليه بالسواطير.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
(كلّ ما حصل في رأس العين- سري كانيي لا أدري به؛ لأنّني كنت في قامشلو لتهدئة الأمور.
قبل معركة رأس العين بيومٍ واحدٍ.. اتصل بي اللواء هشام بختيار وطلب منّي الذهاب إلى الحسكة؛ للتدخل من أجل حلّ مشكلةٍ بين قبائل (الجحيش) التابعة للجبور، وأحد أصحاب الدكاكين الكرد؛ فتوجّهتُ من قامشلو إلى الحسكة، وعند دخولي الحسكة تفاجأت بالشوارع مليئة بمن تمّ تسليحهم، كما حدث في مدينة رأس العين التي تمّ تسليح بعثيّيها وأزلامهم؛ لإفراغ المدينة من الكرد.
توجّهت إلى منزل الشيخ محمد المسلط رحمه الله؛ للبحث في قضية الكرديّ الذي قتل (الجحيشيّ) أمام دكانه، وحسب كلام الكرديّ أنّ (الجحيشيّ) جاء لسرقة محتويات الدكان.. عندما دخلت منزل الشيخ محمد المسلط وجدتُ عنده بعض الكرد يتباحثون معه لحلّ المشكلة، وكان بينهم إحدى الشخصيات الكردية وهو الأستاذ أحمد خليل (أبو جوان).
اتفقنا جميعاً على الذهاب إلى قيادة فرع الحزب في الحسكة في محاولةٍ لتهدئة الأوضاع، لكنّني لاحظتُ أثناء ذهابنا من منزل محمد المسلط إلى قيادة فرع الحسكة وجود حشودٍ كثيرةٍ من المسلّحين على طول الطريق.
عند وصولنا إلى قيادة الفرع كان هناك عضوان من قيادة الفرع هما: المهندس عليّ العيسى والأستاذ عبود عيسى الصلال متواجدين.. وأثناء الحديث عرضوا على الحضور مرافقتهم إلى الحيّ الذي تقيم فيه عوائل من الجحيش (من قبائل الجبور) وكرد الحيّ؛ فاعترضتُ على الذهاب؛ لأنّ ما رأيتُه من مظاهر مسلحةٍ قد يؤدّي إلى مجزرةٍ كرديةٍ- عربيةٍ في الحسكة، فردّ أحد أعضاء قيادة الفرع على اعتراضي قائلاً: “يا باشا هذول كلّ واحد جايب سلاحو من بيتو”، فأجبتُه: لا هذا السلاح أنتم للأسف وزّعتموه ولم تفكّروا بعواقب هذا العمل..!، قلتُ ذلك وبقيتُ مصرّاً على ذهاب عضوي قيادة الحزب مع عناصر من الشرطة والأمن الجنائي لإبعاد المسلحين عن المناطق السكنية.
ذهب عضوا قيادة الفرع وعادا بعد نصف ساعة تقريباً، وأخبرانا أنّهم أخلوا الحيّ من المسلّحين، ومن قيادة الفرع اتجهنا نحو الحيّ، وإذا بنا نجد جماعة (الجحيش) كلّهم وهم مسلّحون، وكان المواطنون الكرد يحملون في مواجهتهم عصياً حديدية وخشبية لا أكثر..!.
بدأ بعض أبناء المسلط يطلبون من الجبور مغادرة المكان، لكنْ، للأسف، لا حياة لمن تنادي، ناديتُ الأستاذ أحمد خليل أنْ يقترب منّي، ووقفنا معاً، وبدأت أخاطب الكرد، وطلبتُ منهم العودة إلى بيوتهم؛ لكي نستطيع حلّ المشكلة بين الكرد والجحيش.
الجميع لبّى ندائي وأخلوا المكان واتجهوا نحو بيوتهم، وهنا تفاجأت بأحد الحضور هرع صوبي واحتضنني، وبدأ يقبّلني ويشكرني على هذا الموقف، وقال لي: لقد أنقذتَ البلد من مذبحةٍ، جزاك الله خيراً، وعرّفني على نفسه قائلاً: أنا سعيد إيليا عضو قيادة شعبة الحزب، ومن يومها تعرّفت عليه، وقد عُيِّن محافظاً لإدلب خلفاً لحسين الهدار، وعضو قيادةٍ قطريةٍ فيما بعد.
أردتُ العودة بعد فضّ مشكلة الحسكة إلى قامشلو برفقة ابني عمّي: عبدالإله إبراهيم باشا وصبحي إبراهيم باشا، وإذا بهم يتصلون بي وأخبروني أنّه وأثناء توزيع قيادة شعبة رأس العين لحزب البعث السلاح على المواطنين، قُتِل شيخ النعيم في رأس العين راكان الشيخ شحادة نتيجة خطأ..!؛ فذهب ابنا عمّي للمشاركة في دفن وعزاء الشيخ راكان؛ لكونه متزوجاً من أخت صبحي ابراهيم باشا وعدتُ أنا إلى قامشلو ونمتُ تلك الليلة فيها..
في الصباح اتصل بي العميد خضر- رئيس فرع أمن الدولة- للمصالحة بيني وبين محمد الفارس بعد الخلاف الذي حدث بيني وبينه؛ لأنّ الأحزاب الكردية طلبت مني التواصل مع القبائل العربية، واتصلتُ مع الشيخ عدي ميزر الجربة والشيخ محمد الفارس، وطلبتُ من محمد الفارس الاجتماع معه ومع الشيخ محمد عبد الرزاق النايف، واتفقنا على اللقاء في اليوم التالي صباحاً في مكتب محمد الفارس في قامشلي، وذهبتُ صباحا للقاء المحمدين حسب الموعد، فوجدتُ محمد الفارس ينتظرني حسب الموعد، وقال لي: إنّ محمد عبد الرزاق مشغولٌ في قرية جرمز.. هل تريد أنْ ننتظره..؟، لكنّني طرحتُ عليه فكرة أنْ نذهب إلى قرية جرمز، ونجتمع مع الشيخ محمد عبد الرزاق النايف، وترافقنا في سيارتي أنا ومحمد الفارس وابنا عمّي عبد الإله وصبحي، وتلقّى محمد الفارس اتصالاً، إذْ كان يقول للمتصل: تعالَ إلى جرمز وانظرْ بعينيكَ..!.
عند وصولنا إلى قرية جرمز، وقبل وصولنا مضافة محمد عبد الرزاق النايف، رأيتُ جمعاً أمام المضافة يهتفون بأصواتٍ عالية.. وقفتُ مباشرةً، وطلبتُ من محمد الفارس النزول من السيارة والذهاب مشياً على الأقدام؛ لأنّني رفضتُ الدخول إلى المضافة بسبب هذا التجمع، وعرفتُ مؤخّراً أنّ المتصل مع محمد الفارس كان العميد خضر رئيس فرع أمن الدولة في قامشلي..
في الحقيقة آلمني هذا الموقف كثيراً؛ لأنّه حصل بيني وبين من هم من أصدقاء الطفولة: أنا ومحمد عبد الرزاق النايف ومحمد الفارس.. كنتُ أتصوّر أنْ أخاصم إخوتي ولا أتصوّر أنْ أخاصمهم يوماً، وعرفتُ كم أثّر خطاب الكراهية على علاقاتنا العائلية والاجتماعية.
- من الحسكة إلى فندق التلال في قامشلي:
صباحاً اتصل بي العميد خضر؛ لنلتقي في مقرّ اجتماع اللجنة الأمنية في مكتب مدير منطقة قامشلي، ذهبتُ هناك ورأيتُ محمد الفارس بصحبة العميد خضر.. حضنني محمد الفارس وقال: نحن إخوةٌ، وخرجتُ بعد لقائي مع محمد الفارس والعميد خضر، وإذْ بهاتفي يرنّ، فرددتُ، فإذا بمحمد المسلط يخبرني عن أحداثٍ في رأس العين ومقتل ابن عمّي الشهيد نوري محمود إبراهيم باشا رحمه الله.
ذكرتُ سابقاً أنّ المطران (متى) ذهب إلى رأس العين؛ لإخراج وقيادة مسيرةٍ فيها، استنكاراً لما حدث في قامشلي ممّا أسموه- عمليات شغبٍ-، أوقفتُ سيارتي وفكّرتُ بيني وبين نفسي: ماذا عليّ أنْ أفعل..؟!.
قررتُ أنْ أذهب إلى الفندق لآخذ حقيبتي وأغادر قامشلي إلى رأس العين.. عند وصولي الفندق رأيتُ الأستاذ نذير مصطفى ومعه حسن نعسو، وهما جالسان في صالون الفندق ينتظرانني.
صعدا معي إلى غرفتي، ووضبتُ حقيبتي للسفر، فأصرّ نذير رحمه الله أنْ ينزل الحقيبة بيده، وعند نزولنا وضع حقيبتي في سيارته وشرع يحاول التخفيف عنّي؛ لأنّني كنتُ مضطرباً جداً، وطلب منّي أنْ نذهب إلى بيته ونتشاور بما سنقوم به.. أخذ مفتاح سيارتي وأعطاه لحسن نعسو، وركبتُ معه في سيارته، واتجهنا نحو بيته، وبينما نحن قاعدون اتصل بي الأستاذ فؤاد بلاط، وهو صديقنا المشترك أنا واللواء آصف شوكت، وقال: إنّ اللواء آصف طلب منه أنْ يتصل بي للتشاور فيما حصل في قامشلي ورأس العين، ومقتل ابن عمي، وفعلاً بعد إنهاء الكلام بيني وبين الأستاذ فؤاد بدقائق، اتصل بي اللواء آصف، وقدّم العزاء، وقال: أنا أعرفكَ عاقلاً وحكيماً.. مباشرةً قاطعتُه وقلت: أنتم ما تركتم حكيماً بهذا البلد، والله سوف أشعل نارها من ديريك إلى حلب.. كنتُ أتكلّم بانفعالٍ والأستاذ نذير يحاول تهدئتي بالإشارات، وآصف يتكلّم بهدوءٍ قائلاً: يا باشا إهدأ، ودعنا نتفق على ما يجب علينا فعله بعد ما حدث وأعدك بأنّني سوف أفعل ما يرضيك وأغلق هاتفه..
تناولنا الطعام في بيت نذير، وقد عزمتُ بعدها على السفر إلى رأس العين.. وأخيراً اتفقت مع نذير أنْ أذهب غداً من قامشلي إلى رأس العين، وكان قد أوصى قريبه السيد حسن نعسو أنْ يأخذ حقيبتي إلى بيته، وأصرّ عليّ بالنوم في بيت الأخ حسن نعسو.. وفعلاً، ذهبتُ ونمتُ في بيت حسن، واستيقظتُ صباحاً وإذا بي أرى الأخ خالد هسو ينتظرني.
تناولنا الفطور في بيت السيد حسن نعسو، وبعد ذلك أخذ خالد حقيبتي، وصعد معي في سيارتي واتجهنا إلى منزل آل هسو، وفوجئتُ بأنّهم قد أفرغوا الدور الأول من بيتهم لإقامتي، لكنّني كنتُ مصرّاً على السفر إلى رأس العين، وخلال دقائق حضر السيد حميد هسو وقال لي: كلّ ما تريده نحن جاهزون لتنفيذه واليوم مساءً سنذهب إلى رأس العين..
وفعلاًً، في المساء كانوا قد أحضروا سيارتين/ وكان كلّ من في السيارتين مسلّحين؛ لمرافقتي إلى رأس العين.. انطلقنا من قامشلي إلى الحسكة وأخذنا معنا ابن عمي الدكتور محمود من الحسكة إلى رأس العين، وشرحوا لي كلّ ما حصل، واتفقت مع أبناء عمّي بأنّني سأعود إلى قامشلي؛ لمتابعة الموضوع للقبض على الجناة.
طبعاً اتصل بي اللواء هشام بختيار أثناء انتشار نبأ مقتل ابن عمي، وأقسم أغلظ أيمانه أنّه سيقبض على القاتل، وسيحكم عليه بالإعدام في محكمةٍ ميدانيةٍ إذا لم يحكم عليه القضاء المدنيّ بذلك.
عدنا من رأس العين إلى قامشلي، وبقيتُ في منزل ابناء الهسو مدّةً طويلةً، ولن أنسى شجاعتهم وما قدّموه لي من طيب المعاملة والكرم، جزاهم الله خير الجزاء.. هذا ما أتذكّره بعد مرور 20 سنة على ما حدث في قامشلي بتاريخ 12/3/2004م.
بعد مرور أيامٍ على ما حدث في الملعب، تمّ تشكيل كتلةٍ من المستقلّين الكرد، أذكر منهم الإخوة: كاظم حسين- موسى سينو- محمد عبدي خلو- محمود شويش- رشيد خلو- مخلص دقوري- بهرم خلو.. وهناك آخرون لا تحضرني أسماؤهم الآن..
أكثر الاجتماعات التي تمّت بيننا وبين الحركة الكردية كانت تتمّ في ملحق بناية الدكتور عبدالحكيم بشار..
والآن أريد أنْ أكتب رأيي في محصلة ما حصل:
– النظام لم يكن حكيماً في معالجة قضية الكرد العادلة.
– آخر أيام تواجد اللجنة الأمنية، التي أتتْ على أثر أحداث الملعب، طلبوا اللقاء مع بعض المستقلين وأنا كنتُ أحدهم، حيث بدأ اللواء هشام في الحديث، وقال: سأنقل صورة ما حدث للسيد الرئيس وأطمئنه عن تمسّككم بالوحدة الوطنية..، وبعد أنْ أنهى كلامه بدأ الحوار بين الحضور واللجنة الأمنية، وجاء دوري، وسألتُ: هل ستنقل لرئيس الجمهورية والقيادة في دمشق أنّه يوجد قضيةٌ كرديةٌ علينا معالجتها..؟ وأعدتُ عليه السؤال ثلاث مراتٍ، لكنّه أبى أنْ يعترف بوجود قضيةٍ كرديةٍ في سوريا..!.
– كنّا أنا والأستاذ نذير رحمه الله في دمشق وطلب مني أنْ أطرح على السيد “محمد سعيد بخيتان” فكرة الحوار بين الكرد والنظام السّوريّ.. وقابلتُ السيد “محمد سعيد بخيتان” وطرحتُ عليه الفكرة، ورحّب بها واتصل باللواء هشام، وحدّد لي موعداً لطرح موضوع الحوار مع اللواء هشام.. وفعلاً التقيتُ باللواء هشام، وكان عنده أحد المواطنين فطلب مني التّحدّث، فقلتُ له: انتهِ من موضوع المتحدّث الذي قبلي، وسنتحدث بعدها على انفرادٍ..، فقال: لا.. تكلم هذا ليس بغريبٍ.. هذا الدكتور صلاح كفتارو، فقلتُ: أنا آتٍ لأطلب منكم الحوار بينكم وبين الكرد.. ومباشرةً نهض من فوق الكرسي وقال: (نحن ما عندنا حوار عندنا سجون نملؤها بكم)، ودار الحوار بانفعالٍ بيني وبينه.. والدكتور صلاح منبهرٌ ممّا يدور من حديثٍ بيننا.. وآخر كلامٍ قاله لي: (نحن أمريكا ما خوّفتنا وأنتم تهددونا..)، فقلت له: نحن كلنا مع بلدنا ضدّ أيّ اعتداءٍ خارجيٍّ، لكنّنا لسنا معك في اضطهادنا ونحن أبناء هذا البلد ومطالبنا عادلةٌ..!.
– ما أريد إيصاله للنظام بأنّ على قياداته أنْ يتجنّبوا هذه العقلية؛ لحلّ مشاكل مواطنيهم.
*روى شهود عيانٍ أنّ القاتل (جاسم) كان مع آخرين في يوم 12/3/2004م، في ضيافة السيد فؤاد الباشا، الذي قاد الهجوم عليه مع بيتين آخرين من بيوت آل الباشا، وتناولوا هناك طعام الغداء على شرف الضيف: حمد الجيلات وبحضور كلٍّ من: الصيدلاني طوني كرمو- المحامي عامر عبود- خليل تركي إبراهيم- جاسم خلف الرشو- المحامي عبدالعزيز أيو- وراكان الشيوخ، الذي قُتِل عن طريق الخطأ أثناء توزيع شعبة الحزب في رأس العين- سري كانيي السلاح على عرب رأس العين وريفها.. وأنّ العملية تمّت نتيجة تأليب النظام لأدواته ضدّ عائلةٍ كرديةٍ عريقةٍ لداعٍ قوميٍّ.
وأخيراً، فإنه من خلال لقاءاتي تأكدت أن رأس الفتنة الأول، في أحداث 12 آذار، هو رئيس فرع الأمن العسكري العميد خليل خالد الذي طالما كان يحرض ضد الكرد، بعكس سليم كبول الذي بدا لي لين الموقف. لقد قلت للعميد خليل: إن هشام بختيار أكد لي أنه كلفك بإلقاء القبض على قاتل ابن عمنا، فرد علي بعنجهية: من قال لك إن مهمتي إلقاء القبض على القتلة؟
كما إنه أثناء دخولي السجن، بدلاً عن ابني طلال الذي ثأر لابن عمنا جاءني العميد خليل إلى السجن مع السيد محمد المسلط في الساعة العاشرة ليلاً، ليساومني من أجل استعادة ابني طلال القاصر، آنذاك، من السعودية، مقابل إطلاق سراحي، وظهر أنه كان متواطئاً، ويخطط لإعدامه، بل أتذكر، أثناء سجن عبدالقادر محمد علي المتهم بالاعتداء على تمثال حافظ الأسد في سري كانيي، في الفرع العسكري، أمر هذا العميد بتعرية ابنه آزاد وتعذيبه، بشكل وحشي، أمام عينيه!
* حفيد إبراهيم باشا المللي
كانيي السلاح على عرب رأس العين وريفها.. وأنّ العملية تمّت نتيجة تأليب النظام لأدواته ضدّ عائلةٍ كرديةٍ عريقةٍ لداعٍ قوميٍّ.