كتاب «من أسقط التمثال؟- شهادات وحوارات في انتفاضة آذار الكردية 2004 » الحلقة الرابعة عشرة (سليمان إسماعيل*) – (1\2)

لنبدأ من- ساعة الصفر- وقد كنتَ في الدرباسية وسمعتَ ما حدث في الملعب البلدي بين جمهور فريق الفتوة وجمهور فريق الجهاد في قامشلو

1)-  كيف تلقيتم النبأ..؟

بدايةً الرحمة لشهداء انتفاضة الثاني عشر من آذار وكلّ شهداء الكرد وكردستان، وتحية للشعب الكرديّ العظيم الذي جسّد أسمى ملاحم البطولة والفداء؛ للوقوف صفّاً واحداً في كلً المدن والمناطق والقرى الكردية َالتي يتواجدون فيها، وتحية لكلّ الزملاء الذين عانوا مرارة الاعتقال في أصعب الظروف وبمواجهة أعتى الديكتاتوريات في العالم.. وتحية للزملاء المحامين الذين وقفوا معنا رغم أنّهم كانوا يعرفون أنّها محاكمُ صوريةٌ، وبذلوا جهداً كبيراً من أجلنا، وتحية للأطباء الذين عالجوا الجرحى في البيوت سرّاً؛ خشية الاعتقال وقد غامروا بمستقبلهم، وكذلك أحيّي الجالية الكردية في أوروبا ودول الخليج وكلّ أنحاء العالم؛ لدعمهم الماديّ والمعنويّ للمعتقلين ولوقفاتهم الاحتجاجية أمام السفارات ومراكز القرار الدولي، وتحية للأحزاب الكردية التي اتّحدت، ولأول مرةٍ، تحت مسمّى مجموع الأحزاب؛ لدعم ومساندة الموقوفين وعوائلهم، رغم ركاكة الموقف من قبل بعضهم في بداية الانتفاضة تحية لكلّ جنديٍّ ٍ قام بواجبه من دون أنْ تُسلّط عليه الأضواء، تحية لكلّ من قدمّ شيئاً من أجل هذه الانتفاضة المباركة.

اسمي سليمان إسماعيل من مواليد 1970م، متزوّجٌ، محامٍ وناشطٌ حقوقيٌّ من مدينة الدّرباسيّة.

– الإجابة: سمعتُ الخبر من التلفزيون السّوريّ، حيث كنّا نؤدّي واجباً اجتماعيّاً عند أحد الأقارب، وكان اولادهم يشاهدون مباريات الدوري السوري لكرة القدم، ولفت انتباهي حديث المذيع ولاسيّما عند تعريجه على نتائج المباريات، حيث ذكر إنّه وفي ملعب قامشلي الذي يجمع فريقي الفتوة والجهاد قد حدث شجارٌ بين جمهور الفريقين وبسبب الضغط والتدافع عند بوابة الخروج من الملعب تمّ دهس ثلاثة أطفال ولقوا حتفهم، حتى الساعة الرابعة من ذاك اليوم كان الخبر عادياً بالنسبة لنا أهالي الدرباسية، حيث اعتبرنا ذلك شيئاً طبيعيّاً يحدث في الملاعب، ولكنْ بعد الاتصال مع الأهل والأصدقاء هناك، تم تكذيب التلفزيون السوري حول عملية التدافع، بل تبيّن أنّ المؤامرة مبيّتةٌ من قبل جمهور الفتوة بالتنسيق مع الفروع الأمنية في قامشلي وأنّهم مجهّزين مسبقاً؛ لتحريض واستفزاز الشعب الكردي، حيث قام جمهور الفتوة بالتجول في شوارع قامشلو بسيارةٍ رافعين صور صدام حسين ويردّدون  شعاراتٍ مناهضةً للكرد ويشتمون قادة الكرد ويتهمونهم بالخيانة.. عندها حاولنا أنا ومجموعةٌ من الشباب الذهاب إلى قامشلو، لكنْ وصلنا الخبر بأنّ كلّ مداخل مدينة الدرباسية مغلقةٌ بسبب وجود دورياتٍ أمنيةٍ من كلّ الفروع تقوم بمنع دخول وخروج أيّ شخصٍ منها، عندها عرفنا حجم المؤامرة، وكذلك تمّ قطع شبكة الهواتف الأرضية وكان الهواتف الخلوية حينها قليلةً، ولم تفِ بالغرض، وتخوّفنا كثيراً على أهلنا في قامشلو من بطش النظام وأجهزته المخابراتية، وفعلاً حدث ما هو أكثر من المتوقّع، وللأسف لم تنقل القنوات التلفزيونية الخبر وحينها كانت قناة العربية والجزيرة هناك، ولكنْ وبالتواطؤ مع النظام لم يتصرّفوا بأخلاقهم المهنية كإعلاميّين، فقط كانت قناة روج الكردية تنقل الحدث ضمن إمكانياتها الضعيفة حينذاك.

وصلنا الخبر أنّه تمّ إطلاق الرصاص الحي على الشعب وبشكلٍ عشوائيٍّ وبتوجيهٍ من محافظ الحسكة سليم كبول، وقد استشهد أكثر من خمسة أشخاصٍ، كانت ليلةً طويلةً والشمس تأخّرت لتشرق، حيث كان كلّ أهل المدينة في حالة ترقّبٍ، وكانت دورياتٌ كثيفةٌ تتجول هنا وهناك، وعند الساعة الثامنة  صباحاً خرجتُ من منزلي الكائن في الحي الغربي متّجها إلى سوق المدينة عسى أنْ يكون هناك خبرٌ جديدٌ يريحني من كوابيس اليقظة والمنام لتلك الليلة الطويلة.

كان مكتب الزميل المحامي محمد درويش في طريقي، وهو مثلي جاء مبكراً إلى المكتب؛ ليتابع صفحات الإنترنت عسى أنْ يسمع الأخبار عن قامشلو الجريحة، وجدتُه حزيناً ومن دون سلامٍ سألتُه: ماذا عن قامشلو..؟ ردّ والحزن يشقّ أنفاسه لقد فعلوها.. قتلوا الشباب والأطفال الكرد ويرفضون تسليم جثامينهم، ومازال إطلاق النار في الشوارع والشعب مصرٌّ على أخذ الشهداء لدفنهم، وكلّ مداخل قامشلو مغلقةٌ، ويقتلون كلّ من يريد الدخول أو الخروج.

عندها استدرتُ إلى الوراء، وأقسم بالله العظيم حينها شاهدتُ بأنّ منازل الدرباسية وجدرانها منخفضةٌ، وأنّنا أصبحنا أقزاماً أمام ما يحدث لقامشلو، جلستُ قليلاً من دون أنْ أتكلّم، عندها أدركتُ أنّ الحلّ هو التظاهر لمساندة أهلنا هناك.

2)-  كيف كانت انتفاضة الدّرباسيّة، ومتى تمّ ذلك؟

– الإجابة: كان يوم السبت الثالث عشر من آذار الساعة العاشرة صباحاً حين قررتُ أنْ اتجه وسط السوق، حيث سمعتُ صَوتاً لتجمّعٍ من الشباب- (علمتُ فيما بعد بأنّ المظاهرة انطلقت من سوق الأقمشة بعد المناقشة بين مجموعة من الشباب من أمام محلّ عبد الكريم عمر وأنّ أول من قام  بترديد الشعارات كانوا: سعيد سيدو شاهين وعبدالكريم عمر حسو ومحمود أحمد سيدا وعبدالباقي محمد عليكو وتجمّع الشعب حولهم وأصحاب المحلات أغلقوا محالّهم مباشرةً وانضمّوا للتظاهرة)- سمعتُهم  ينادون باللغة الكردية  شهيد نامرة، بالروح بالدم نحن معكَ يا شهيد، قامشلو نحن معك حتى الموت، عندها شعرتُ بأنّني وجدتُ ضالّتي ومباشرةً دخلتُ بينهم وناديتُ بأعلى صوتي: الموت للقتلة، قامشلو لستِ وحدك، الدرباسية وشعبها معك، نريد محاسبة القتلة، وشعارات سلمية أخرى، وكلّ المتظاهرين باديةٌ على وجوههم علامات الحزن والترقب.. نعم  كان هو اليوم الأول الذي شعرتُ فيه بوجودي حرّاً، أنادي في الشارع ضدّ نظامٍ دمويٍّ دكتاتوريٍّ من دون خوفٍ كالمجنون الذي لا يعرف ولا يتذكّر بطش المخابرات، إنّه يوم الحرّيّة بامتيازٍ.

 كلّ الدوريات الأمنية والشرطة التزموا مفارزهم في ذاك اليوم ولم يبقَ أحدٌ منهم في الشوارع، وكان ذلك بتوجيهٍ من قياداتهم لعدم التصادم مع المتظاهرين، حيث إنّ الشعب ثار بكلّ ما يملك من قوةٍ.

3)- هل يمكن أنْ تصف لنا كيف كانت تفاصيل ردود الفعل للانتفاضة في الدّرباسيّة؟

– الإجابة: كانت ردّة الفعل قويةً ومباشرةً ومن دون ترددٍ، حيث إنّ كلّ من شاهد أو سمع بالتظاهرة شارك من دون أنْ يفكّر بالعواقب أو بردود أفعال النظام المعروف بظلمه، إلا القليل جداً ممّن لم يشاركوا وهم، برأيي، جبناءُ؛ لأنّهم في تلك اللحظة فكّروا بمصالحهم، ولم يفكّروا بإخوتهم وبما يجري بقامشلو، وكان كتّاب التقارير يرافقوننا ونحن لا نعرفهم وكنّا نتوقّع بأنّهم يشاركوننا متضامنين معنا ومنهم مرعي علي الكرديّ الأصل.. عرفتُ فيما بعد أنّه عميلٌ للأمن، حيث ورد له تقريرٌ في ملفّات المحكمة، وهناك 42 تقريراً بالأسماء في ملفّي وحدي.

4)- من شارك بالتظاهر آنذاك؟ هل كانوا من الجيل الجديد؟ أم من النخب المتعدّدة؟

الإجابة: في الحقيقة وكما ذكرت أنّ انطلاقتها كانت من سوق الأقمشة، وكان إشعال فتيلها من قبل الشباب المثقف والملتزم الواعي الذي يعي ضرورة المرحلة وقد ذكرتُ أسماءهم، أما فيما بعد انضمت المرأة الكردية وكذلك الشيوخ إلى صفوف المتظاهرين، كان يوماً مجنوناً وحقيقةً تشبه الخيال في ظلّ نظامٍ دكتاتوريٍّ معروفٍ بالدموية، الكلّ كانوا صفّاً واحداً وصوتاً واحداً، لا وجود للحزب والتحزب، حيث إنّ بعضاً من قواعد الأحزاب لم يلتزموا بقرارات أحزابهم، وكان هناك عددٌ لا بأس به من قواعد الأحزاب  موجودين في التظاهرة، قبل تلقّي الأوامر من قيادات أحزابهم بعدم المشاركة والانسحاب، حيث العفوية كانت سيدة الموقف، كل من شارك عبّر عن ضميره الحيّ، وأصحاب الضمير الميت كانوا قلّةً..

زغاريد المرأة الكردية كانت تعلو وتكاد تصل إلى السماء من على أسطح المباني، والأرز ينثر على المتظاهرين ومن أمام أبواب المنازل- (وهي علامة للتأييد مع التمنيات بالمزيد)- والكلّ يشارك بالشعارات السلمية، طبعاً لم يشارك العرب وكذلك المسيحيّون، الكرد هم المتظاهرون فقط ولم يتضامن معهم أحدٌ، وعند التجمع أمام مفرزة الأمن السياسيّ على طريق عامودا/ رأس العين تمّ إطلاق النار من قبل المفرزة وتمّ جرح الشاب زهير ملّا محمود وتمّ إسعافه مباشرةً، وكان الجرح في رجله والحمد لله تعافى فيما بعد، ولم تتسبّب له الإصابة بأيّة إعاقةٍ.

5)- لماذا ألقي القبض عليك وأنت محام لايمكن أن ترتكب خطأ قانونياً؟

– الإجابة: نعم تمّ اعتقالي؛ لأنّني شاركت بالتظاهرة، واعتبروني المحرّض الأول للتظاهر وذلك بموجب تقارير من عناصرَ معدّةً مسبقاً من قبل المخابرات، حيث عرفنا فيما بعد من هم أصحاب التقارير؛ لأنّ قاضي التحقيق العسكري الثالث بدمشق- مأمون كحيل- طلبهم كشهود حقٍّ عامٍّ وفضح أمرهم، حيث أدلوا بشهادتهم موثّقةً لدى قاضي الفرد العسكري بقامشلي المناب من قبل قاضي التحقيق العسكري الثالث بدمشق وكان من بينهم: مشعل جومرد وأخوه راكان جومرد، حيث إنّهم كتبوا خمس صفحاتٍ عني  يقولون فيها: إنّ المحامي سليمان كان يطرق أبواب المنازل ويحثّ الناس على التظاهر، وعلي سعدون عرّاب التقارير، وأحمد بكر الكردي الأصل وقد أنكر أصله ويتكلّم العربية في بيته، وهو الآن مقيمٌ في ألمانيا، ومرعي علي الكردي الأصل يقول: إنّ سليمان كان يقول لأحد الأشخاص عبر الهاتف إنّي أبحث عن إضبارةٍ وقد أحرقنا المحكمة.. وأنا لم أشاهد حرق المحكمة أصلاً، وهناك الكثير ممّن لم أذكرهم؛ لضيق الوقت وسوف يأتي اليوم الذي يجب أنْ يحاسب فيه هؤلاء، وكلّهم معروفون من قبل أهالي الدرباسية..

نعم كنتُ أحاول أنْ أضبط الشارع؛ خوفاً من الفوضى ورغبةً في المحافظة على سلمية التظاهرة، ولكنّهم دسّوا أشخاصاً بين المتظاهرين وخلقوا حالة الفوضى التي أصبح من الصعب ضبطها، عندها انسحب الشباب الكرديّ من الشارع، وبدأت حالات التخريب ومنها حرق المصرف الزراعي من قبل موظّفيها وأعوانهم؛ لتغطية سرقاتهم بحجّة التظاهر.. وهناك كثيرٌ من المراكز التي تمّ حرقها بعد توقف المتظاهرين عن التظاهر، وكلّ أهل المدينة يشهدون بذلك.. حتى محكمة الصلح بالدرباسية تمّ العبث بمحتوياتها، ولكنّ عملية الحرق تمّت بعد انسحاب المتظاهرين من حولها وهذا دليلٌ على أنّ هناك أيادٍ خفيةً قامت بالتخريب حتى تعطي ذريعةً للاعتقالات بحجة التخريب والحرق قصداً في الأماكن الماهولة؛ لإدراجها ضمن الأفعال الجرمية جنائية الوصف.

6)- أين ألقي القبض عليكَ؟

– الإجابة: كانت الإشاعات دائماً تتردّد بأنّه تمّ اعتقال المحامي سليمان إسماعيل، وعبر الهاتف تمّ الاتصال معي من قبل أكثر من شخصٍ ومن قبل بعض الأصدقاء يستفسرون عن أحوالي، وكان هناك صديقٌ- لروحه الرحمة- من عرب المدينة، وكان مديراً لإحدى الدوائر حينها، حيث طرق باب منزلي الساعة السابعة صباحاً وقال: اللجنة الأمنية تتكلّم عنك كثيراً وتستفسر عن وضعك، أرجوك اعتنِ بنفسك، عندها عرفتُ أنّ وضعي صعبٌ وأنّهم سوف يعتقلونني؛ لأنّ اللجنة الأمنية كانت مشكلةً من أشخاصٍ من مسؤولين في البلد وضابطٍ في الجيش من الذين دخلوا الدرباسية بعد الانتفاضة بيومين، وبدأت الاعتقالات بعد عشرة أيامٍ من الانتفاضة.. وفي يوم التاسع والعشرين من آذار كنتُ قادماً من مدينة سري كانية (رأس العين) وفي الطريق اتصل معي السيد أشرف حاج جاجان (أبو نضال) وكان عنصراً في شرطة مخفر مدينة الدرباسية وهو كرديّ الأصل، وله أفضال كثيرةٌ في خدمة أهل المدينة، قال: وصلتنا برقيةٌ من الأمن الجنائي في الحسكة يريدون حضورك مباشرةً، قلتُ له: أجبهم بأنّني سوف أحضر أصولاً عن طريق نقابة المحامين، فأخبرني بأنّه لا بدّ أنْ توقّع على جواب البرقية، فقلتُ له: نعم سوف أذهب إلى البيت، جاء ومعه البرقية؛ فوقّعتُ عليها بالحضور غداً.. وفعلاً في صباح الثلاثين من آذار ذهبت إلى نقابة المحامين في الحسكة وأخبرتُ مجلس النقابة بالبرقية، فقالوا: نعم لنا علمٌ بذلك، وكان رئيس مجلس النقابة المحامي عبدالعزيز جاويش ومازال، قال لي: اذهبْ مجرّد استجوابٍ فقط، فقلتُ له: أستاذ بموجب قانون مهنة المحاماة لا يجوز أنْ أذهب وحدي ويجب أنْ يحضر أحد أعضاء المجلس معي، كان هناك عضوان مستقلّان من زملائنا الكرد في المجلس، لم يحضروا معي، وهم المحامي فؤاد بيجو وعبد العزيز حسن  فقال: عبد العزيز جاويش أنا سوف أذهب معك، وفعلاً استقلّينا سيارته وذهبنا إلى الأمن الجنائي في الحسكة، سأل هو عن رئيس الفرع، فقال الحراس: إنّ رئيس الفرع ذهب إلى السجن المركزي، فذهبنا إلى السجن المركزي، ودخلنا إلى مكتب مدير السجن العميد عبد الكريم العزاوي، سأله الأستاذ عبدالعزيز عن رئيس فرع الأمن الجنائي فقال: هو موجودٌ في مكتب التحقيقات ودلّنا إليه عن طريق أحد عناصره، دخلنا وكان هناك أربعة أشخاصٍ لم أعرفهم من قبل، أحدهم طويل القامة وعريض المنكبين وشعره خفيف، وكلّهم باللباس المدني وكان بتكلّم بهاتفه الخلوي، وقال: سلّموه لفرعنا  ٢٥٥، لا أعرف عن ماذا يتكلم، ولكنْ استنتجتُ من كلامه أنّه من مرتّبات الفرع ٢٥٥ بدمشق، وأنا لا أعرف ما هو هذا الفرع ولمن يتبع.

عرّف الأستاذ عبد العزيز عنّي وعن نفسه، فهزّ رأسه رئيس المحقّقين، وقال: أنت المحامي سليمان إسماعيل من الدرباسية..؟ ستبقى عندنا هذه الليلة، قلتُ ولماذا..؟ قال: هناك شهودٌ رأوكَ تحرّض الناس وهم ليسوا هنا سوف يحضرون غداً من قامشلي، قلت: إذاً سوف أحضر غداً، زاد من حدّة لهجته وقال: لا ستبقى هنا، تدخّل الأستاذ عبدالعزيز مباشرةً وقال: هل توجد مذكرة توقيفٍ بحقّ الأستاذ سليمان..؟، ردّ بلهجةٍ قويةٍ وقال: عبدالعزيز- دون أنْ يقول أستاذ- نحن لسنا محكمةً نحن مخابرات، فقال له: الأستاذ عبد العزيز: هل يمكن أنْ نبقى وحدنا.. فأمر المحقق بإخراجي من الغرفة وبخروجي من باب غرفة المحقّق صفعني أحد العناصر صفعةً قويةً، فصرختُ في وجهه وقلتُ له: أنت إنسانٌ حقيرٌ، فتوعّدني وأدخلني غرفةً كان فيها عددٌ من الأشخاص وامرأةٌ في العقد الثاني من عمرها  تلبس تنورةً وشعرها مجدولٌ، توقّعتُ أنّها من مؤيدي حزب العمال الكردستاني، الكل وجوههم إلى الحائط وأمرني أنْ أفعل مثلهم، وبعد عشر دقائق تقريباً أدخلوني مرة أخرى إلى غرفة المحقّق، فقام الأستاذ عبد العزيز وقال: هناك مذكرة توقيفٍ بحقك، قلتُ: مذكرة توقيفٍ، صرخت ومن أيّة محكمةٍ..؟ لكنّه لم يجب، وقال: أنا ذاهبٌ.. هل تريد شيئاً، قلتُ له: أصلاً لم أجلب شيئاً معي.. أخبر زملائي بأنّهم أوقفوني وأخي أنْ يجلب لي لباساً ومسكناتٍ من حبوب السيتامول،- للأسف أخي أرسل لي أدويةً ولباساً، ولكنّهم لم يعطوني شيئاً-، وخرج وكأنّه يريد الخلاص من هذه الورطة؛ لأنّه جاء معي، (طبعاً استنتجتُ من طلب خروجي من غرفة التحقيق؛ ليشرح الأستاذ عبد العزيز جاويش للمحقّق بأنّ المحامين الكرد في النقابة سوف يحتجّون على الاعتقال من دون مذكرة توقيفٍ، وأقنع المحقّق بأنّه ولو كانت مذكرة تحقيقٍ مزوّرةً المهمّ أنْ تكون هناك مذكرةٌ، وفعلاً فعلها المحقق وأصدر مذكرةً اعتقد بأنّه لن يوجد لها أصلٌ، فقط قال: إنّ هناك مذكرة، ومباشرةً أخذوا مني نظارتي وساعتي ونطاقي، ومبلغ 9700 ليرة سورية، وقام بذلك الرقيب أول محمد، حيث عرفتُ اسمه؛ لأنّه أعطاني إيصالاً مكتوباً على ورقةٍ بالأمانات، وأدخلني غرفةً مكتوب عليها (غرفة العزل وهي الغرفة التي يعزل فيها السجين المريض بأمراض معدية)، وجدتُ فيها عدداً من الموقوفين من مدينة رأس العين والحسكة، وبعد ربع ساعة أخذوهم جميعاً، وبقيت وحدي وكان هناك صحنٌ كبيرٌ موجودٌ فيه بقايا مرقة فاصولياء بيضاء، حملت الملعقة وأكلتُ قليلاً؛ لأنّني عرفتُ أنّ الأمر سوف يطول، وفعلاً في المساء جاء عنصرين وطلبوا بطاقتي الشخصية وبطاقة المحاماة، وبعدها بربع ساعةٍ عادوا نفسهم وأخذوني إلى غرفة المحقق، بعد تقييد يديّ ووضع عصابةٍ سوداءَ على عيني، وسمعتُ أصوات الصراخ في الممرّات، أدخلوني إلى غرفةٍ وأغلقوا الباب، سمعت صوت الأنين في الغرفة، وقال المحقق الذي أسمع صوته: فقط اعترف يا سليمان.. ماذا فعلتَ في يوم الشغب، قلت له بالتفصيل: كنتُ في المكتب وسمعتُ صوت المتظاهرين ودخلتُ في المظاهرة؛ احتجاجاً على ما يجري في قامشلي، وعبّرنا عن رأينا بالطرق السلميّة، وعندما تحوّل الاحتجاج السلمي إلى أعمالٍ فيها عنفٌ وتخريبٌ التزمنا بيوتنا، ردّ وقال: لا تكذب.. أنت كنت تحرّض الناس على التظاهر والتخريب، قلتُ: هذا افتراءٌ.. من قال ذلك..؟ قال: هناك شهودٌ رأوكَ تحرّض الناس على التظاهر، قلتُ: احضر الشهود ماذا تنتظر.. فأمرني بالاستدارة إلى الخلف وأزال العصابة من على عينيّ، فوجدتُ أمامي شخصاً اسمه معروف فيصل يحيى وهو من أهل الدرباسية، كنتُ أعرفه من قبل، كان منهكاً وآثار التعذيب على وجهه ويديه واضحةٌ وكان منهار القوى، وقال له المحقق: قلْ يا معروف كيف شاهدتَ المحامي سليمان يوم التظاهرة، قال: معروف وبصوتٍ بالكاد يُسمَع، كان يردّد شعارات: بالروح بالدم نفديك يا مسعود ويا أوجلان، ويسقط بشار الأسد، وتحيا كردستان، (معروف لا يعرف التكلم بالعربية أصلاً)، فقلتُ: هل تعدُّ هذا شاهداً وهو بهذه الحالة من الانهيار بسبب التعذيب..؟!.

قال: لا أبداً لم نعذّبه؛ ليشهد عليك، بل لأسبابٍ أخرى، وقال: أقسم لك بقبر باسل الأسد إذا أخبرتنا عن أشخاصٍ كانوا معكم من الشباب المثقفين لتنظيم ذلك التجمع وسوف تذهب إلى بيتك هذه الليلة، قلت له: أقسم لك بالمقدسات بأنّني لا أعرف أحداً.. إنّها مظاهرةٌ عفويةٌ وليست منظمةً، وأمّا عن شهادة هذا المعذَّب فأنا أرفضها، فقال: الآن سوف يشهد عليك شخصٌ آخر.. وإذْ بهم يأتون بشخصٍ اسمه أحمد حواس وهو كذلك من مدينة الدرباسية لم أعرفه من قبل وهو كذلك منهكٌ ومتعبٌ من آثار التعذيب، فكرّر أحمد ما قاله معروف بالضبط، وعرفتُ أنّهم اعطوا هويتي الشخصية لأحمد؛ لكي يؤكّد ما قاله معروف، حيث إنّي لم أعرف أحمد وهو لا يعرفني، لقد لقّنوهم ما يجب عليهم قوله.

فكتب المحقق محضراً معنوناً بـ: (مقابلةٌ وجاهيةٌ)

بين المتهمين الشهود: أحمد حواس ومعروف فيصل والمتهم سليمان إسماعيل، مفصلاً الأسماء والعناوين والشهادات التي أدلوا بها ضدّي بالتفصيل، وطلب مني التوقيع، فرفضتُ وقلتُ: لن أوقّع إلا بعد أنْ أكتب ما أريد كتابته قبل التوقيع، فقال: اكتبْ ما تريد.. فتح القيد ورفع العصابة من على عينيّ وأعطاني قلماً وعندها شاهدتُ شكله، كان رجلاً أنيق المظهر هادئاً، لم يتطاول بالكلام إلا مرةً واحدةً، فكتبتُ: أنا أعرف بأنّكم لقّنتم هذان الشخصان شهادتها ضدّي وكلّ ما يقولونه غير صحيحٍ، بل نتيجة التعذيب وشهادتهم ضدّي غير صحيحةٍ، وأرفضها جملةً وتفصيلاً، ووقعتُ، فطلب منّي أنْ أبصم، قلتُ له: يكفي التوقيع! لكنّه ألحّ عليّ بالبصمة.

وأعاد العصابة ووضع القيد البلاستيكي في معصمي مرةً أخرى، وأعرف إنّني صعدتُ إلى الطابق الأول ووضعوني وحدي في زنزانةٍ منفردةٍ (عرضها ثمانون سم، وطولها مترين تقريباً، لا يوجد فيها شيءٌ.. فقط شباكٌ بعرض ثلاثين سم،  وطوله خمسين سم، وهو محكمٌ بصاجٍ فولاذيٍّ، مثقوبٌ بثقوبٍ صغيرةٍ بحجم ق(الشلمونة) ومعزولٌ عن العالم الخارجي فقط تستطيع أنْ ترى سطوح المباني  لحيّ النشوة في الحسكة من خلال بعض الثقوب من الشباك المرتفع عن أرض المنفردة بمترٍ وثمانين سم، عرفتُ القياسات من عدد البلاطات في الأرضية، في كلّ مساءٍ يعطونني رغيفي خبزٍ حلبيٍّ، وكان مضغه صعباً جداً وكنتُ أشعر بتعب الفكين حين تحريك اللقمة في فمي، وأعطوني علبة كولا لأملأها بالماء عندما كانوا يذهبون بي إلى (التواليت)، مرتين باليوم فقط، وهكذا كلّ ساعةٍ كانوا يأتون بأشخاصٍ ويأخذون آخرين، كنتُ أنظر إليهم من ثقب الباب، في إحدى الليالي أدخلوا شخصاً وجدتُهم يحملونه ووضعوه في إحدى المنفردات، وبعد أنْ توقّعت بأنّ الحرس قد غادروا ولا توجد حركةٌ لهم، ناديتُ بصوتٍ منخفضٍ يا شباب.. أنا المحامي سليمان إسماعيل (أبو كوفان)  من الدرباسية، أنا موقوفٌ مثلكم هل أحدكم يعرفني..؟ لم يجبني أحدٌ.. توقّعتُهم يخافون من الرّدّ وذلك من شدّة بطشهم، بل كان هناك صوتٌ لبكاء طفلٍ توقّعتُ أنّ عمره عشر سنواتٍ في إحدى المنفردات ويقول: أريد أمّي وأبي، تكلّمتُ معه وخفّفت عنه بقولي: إنّها ساعاتٌ وإنْ كان يوماً أو يومين وسوف تكون بالبيت، عرفتُ فيما بعد أنّ اسمه حسين من الحسكة، وإذا بصوتٍ بحوحٍ ضعيفٍ ينادي أستاذ سليمان.. أنا عبد القادر ملّا درويش (أبو ولات) من رأس العين أعرفك، أنا أتألم كثيراً.. لقد كسروا ظهري، إنّهم وحوشٌ لا يرحمون، وكان معه في المنفردة شخصٌ من رأس العين كان يساعده في القيام والقعود، كان هو ذلك الشخص الذي أدخلوه محمولاً.

 من إحدى الطُّرف الغريبة عندما دخلت غرفة العزل ووجدتُ أهل رأس العين، كان هناك شخصٌ اسمه علاءالدين (علاء) من بين الموقوفين، وكان جالساً في الغرفة، أخذوه للتحقيق إلى أحد فروع المخابرات وعاد في منتصف الليل وناداني من المنفردة المحاذية لي: أستاذ سليمان.. لقد أعطيتُهم اسمك، قلتُ له: من أنت..؟ قال اسمي علاءالدين حسن.. أنا من رأس العين، قلتُ: وما علاقتي بمظاهرة رأس العين..؟ قال لقد ضربوني وتمّ تعذيبي بالكهرباء، وقالوا من تعرف من المحامين الذين شاركوا بالمظاهرة؛ فذكرتُ اسمكَ وأسماء أشخاصٍ من سري كانية، قلت له: هل تعرفني..؟ قال: لا.. فقط؛ لأنّي رأيتكَ خمس دقائق في غرفة العزل، وأرجوك لا تؤخذني؛ لأنّهم عذّبوني كثيراً ولم أستطع تحمّل العذاب.. فذكرتُ اسمك وتركوني.

كان الموقف مضحكاً مبكياً، فقلتُ وبصوتٍ عال: ليسمعني علاءالدين، إنّهم همجٌ.. إذا عذّبوا الحجر فالحجر ينطق، لا تشغل بالك، المهم أنّك تخلّصتَ منهم.

بقيتُ في المنفردة ستة أيامٍ، كنتُ أتكلم مع الحَمام الذي يحوم حول شباك المنفردة، حيث كنتُ أصنع من الخبز أشكال حبّات القمح بعد أنْ أضع قليلاً من الماء عليها وأرميها من الثقوب.. اعتادت طيور الحمام أنْ تزورني في كلّ يومٍ، أصوات هديلها تخفّف عني آلام وحدتي، كانت المنفردة مظلمةً، وعندما كانت تشرق الشمس من خلال الثقوب كنتُ أعرف أنّ الشمس أشرقت، وبدأ يومٌ جديدٌ، ولكنْ من شدّة البرد كنتُ أغلقت كلّ الثقوب في الليل وذلك بعجن الخبز الذي كان لا يؤكل أصلاً ووضع العجينة في الثقوب وأفتح بعضها في الصباح، وشاهدتُ أسماء أشخاصٍ مكتوبةً على الجدران، وكان من الصعب قراءتها؛ بسبب عتمة الغرفة وكنتُ أحاول أنْ أتعرّف على بعضها، وكانت أسماءً كرديةً.. كنتُ أتكلم مع نفسي، وأسأل أين هم هؤلاء الذين مرّوا من هنا، ما هو مصيرهم..؟ كنت أضع حذائي تحت رأسي وأتغطّى بقميصي الذي لا يقيني من البرد.. وضعتُ (الجاكيت) تحتي وأخذت وضع القرفصاء؛ لأغفو قليلاً وأستيقظ من شدّة البرد والجوع، جاء عسكريٌّ برتبة رقيب أول، وأخذني إلى (التواليت) كالعادة، مرتين في اليوم، قلتُ له: أرجوك اتصل مع أهلي وقلْ لهم: إنّني حيٌّ وبسجن الحسكة، قال: لا أستطيع، قلتُ: رقم هاتف البيت 710119 وإنْ أنّبكَ ضميركَ فاتصل (علمتُ من الأهل فيما بعد أنّه اتصل بهم وأخبرهم بمكان وجودي، واستحلفهم أنْ لا يخبروا أحداً).

وهكذا حتى يوم الرابع من نيسان من عام 2004م، حيث أخذونا من السجن المركزي معصوبي الأعين ومقيّدي الأيدي إلى قسم أمن الدولة، مستخدمين سيارة (الزيل) العسكرية وسيلةً للنقل، كان عددنا حوالي 15 شخصاً، ومن خلال الحديث في السيارة سمعتُ صوت امرأةٍ، عرفتُ فيما بعد أنّ اسمها عزيزة من مدينة ديريك، وسمعتُ صوت الأستاذ محمود عمو والأستاذ لقمان أيانة من سري كانية، حيث تمّ اعتقالهم قبلي بيومٍ، وتمّ نقلنا من سجن الحسكة المركزي إلى قسم أمن الدولة، وفي تلك الليلة التي لا تنسى استقبلونا في مدخل القبو ووقفوا على شكل رتلٍ يحملون الكبل الرباعي الذي كنّا نشعر به حين يضربوننا، وقاموا بضربنا ونحن ننزل من الزيل العسكرية التي عرفتها من صوتها، بدؤوا بالضرب حتى النزول إلى القبو، حيث توجد فيها منفرداتٌ، وفكّوا قيودنا وأمرونا بأنّه وخلال دقيقةٍ من يبقى بثيابه سيجلد، وفعلاً نفّذنا  أوامرهم، وكان الجو بارداً جداً ووضعوا قيودهم في أيدينا، وأخذونا إلى غرفةٍ باردةٍ، وقاموا برشّ الماء البارد على جسمنا من الصنبور عبر الخرطوم، وسمعتُ صوت شخصٍ يتكلم العربية (شاويّ) يقول: (هذا المحامي سليمان.. شوفوا اش مسوّين بيه، ويسخر قائلاً: حمموه هذا محامي يستاهل) وأدخلوا كلّ واحدٍ منّا في زنزانةٍ منفردةٍ بعد فتح عصابة العين.. وركلني أحدهم ركلةً قويةً وقال: (موت هنا هذه الليلة)، حيث الرطوبة ونقنقة الحنفية، وصوت صفير الهواء من النافذة التي تمّ كسر البلور فيها قصّداً؛ ليمرّ الهواء، ومن غير أنْ يعطونا ملابسنا.. إنّها ليلة الموت، الرطوبة وصراخ المعتقلين وأصوات قصّ الحديد، وصفير الهواء، وأصوات الجلّادين وصوت أنين المعتقلين..

كان في الزنزانة رقم (6) الأستاذ القدير محمود عمو، وتراتيل الأغاني الحزينة للأخت المعتقلة عزيزة بتهمة تحقير رئيس الجمهورية، وحالة المجهول التي نحن فيها تزيد روح المقاومة للعيش مرةً أخرى، ومحاربة الموت من كلّ الاتجاهات، في تلك الليلة قلتُ في نفسي: إذا بقيت حيّاً هذه الليلة لن أموت، وفعلاً ولأول مرةٍ في حياتي شعرتُ بألمٍ في الكليتين من شدّة البرد، كنتُ ألبس (شورتاً) أبيض طويلاً من القطن، (شورت شرعي)، خلعتُه ووضعتُ يدي على إحدى الساقين ورأسي ويدي الأخرى على الساق الأخرى، وحاولتُ أنْ أغطّي خاصرتيّ قليلاً، وفعلاً شعرتُ بالراحة قليلاً، وكانت قدماي على البلاط الرّطب تكاد تتخدّر من شدّة البرد، حيث كنتُ أخاف أنْ أغفو من شدّة التعب والرعب وأكاد أموت من البرد، المنفردة مظلمةٌ ولا أعرف أيّ نوعٍ من الحشرات موجودٌ فيها، فقط أسمع صوت نقنقة الصنبور التي كانت تؤلمني وكأنّها تحاربني، فلا يوجد شيءٌ أستطيع فعله لوقف هذه الطلقات التي أشعر بها وكأنّها  تدخل إلى دماغي، قرّرتُ عدم السكون، هرولتُ في مكاني لا أدري كم من الوقت، تعبتُ، ولكنْ كنتُ أعرف أنّني إذا توقّفت سوف أموت، وفعلاً مضت تلك الليلة بسماعي صوت سيارةٍ، وتحية العناصر، عندها عرفتُ أنّ شخصاً مسؤولاً قد وصل، حيث إنّ سيارته تعطي صوتاً مميّزاً عند التوقف، كلّ يومٍ في الصباح، لا أعرف الوقت، بدأت التحركات، سمعتُ صوتاً من غرفةٍ قريبةٍ من زنزانتي عرفتُ أنّه الجلاد باسم المحقق (أبو غضب) يقول: اسمك فرهاد…؟ قال: نعم، فقال: أنت من حرق الأعلاف، فرهاد يقول بعربيةٍ ضعيفةٍ: لا أبداً هذا غير صحيحٍ، أنا لا أعرف أين تقع الأعلاف ولا أعرف من فعل ذلك، وبدأ الجلد بالضرب، قمتُ بالعدّ، حيث قلتُ في نفسي: بالتأكيد سوف يأتي دوري، لأسمع وأعلم كم من عدد (الكرابيج) التي ستكون من نصيبي، بدأت بالعدّ: (1، 2، 3، 4.. 10.. 20.. 40..).

تعبتُ وحسب توقّعي قبل المساء بقليلٍ في نفس اليوم أخرجونا من الزنزانات ونحن مقيدون، عراة، وأجبرونا على الانبطاح، وقاموا بضربنا بالكابلات على ظهورنا وأفخاذنا، حيث كان صراخنا يطاول السماء، وإذْ بأحدهم ينادي بصوتٍ عالٍ: (هناك محامٍ بينهم.. اصعدوا به إلى الأعلى)، عرفتُ أنّه أنا أو لقمان، شعرتُ بأحدهم يرفعني من رأسي، وأخذني إلى صالةٍ باردةٍ، ورشّ عليّ ماءً بارداً من الصنبور، وأمسك بشعري وصعد بي إلى الطابق الأول كمن يسحب خروفاً للذبح، كنتُ معصوب العينين ارتدي (شورتاً) كان أبيض اللون، ومقيد اليدين من الخلف بقيدٍ حديديٍّ، أدخلني إلى غرفةٍ مفروشةٍ بسجادةٍ صفراءَ، حيث شاهدتُها من تحت العصابة الزاوية الميتة التي أرى فيها الحياة، وأسمع قرقعة الكاسات، لا أدري أهي شايٌ أم خمورٌ.. شعرتُ بأحدهم يتقدّم بخطواتٍ مرعبةٍ، توقّعتُ أنّ مقاس حذائه سبعة وأربعون، عريض، كانت رجله مشوّهةً، وقال: أعتقد أنّك تعرفني من صوتي؛ لأنّك رأيتني أول يومٍ، قلتُ: نعم، قال: كن واضحاً وصريحاً معنا حتى لا تسمع ما يزعجك.. متى التقيٍتَ مع المخابرات الإسرائيلية؟ ومتى اتصلتَ مع الجيش الأمريكي؟ قلتُ: ماذا..؟ إسرائيل.. أمريكا؟!، قلْ: نعم.. أنتم وبالتخطيط مع الأمريكان في العراق قمتم في سوريا؛ لتخريبها.. هيّا اعترفْ، لحظتها عرفتُ أنّه يضخم الموضوع لإخافتي، قلتُ: أبداً لم يحدث هذا وأنا لا أعرف عن ماذا تتحدّث.. أجلسني على كرسيٍّ وأنا معصوب العينين، مقيدٌ، وبدأ الأسئلة بأسلوبٍ هادئٍ في البداية عند الحديث عن الأحزاب الكردية وقادتها ودورهم في الانتفاضة، وأشاد بموقف عبدالحميد درويش سكرتير التقدمي، وبدأ بشتم البرزاني والطلباني ووصفهم بالخونة، وشتمني؛ لأنّني أنفّذ مخططاتهم، وطلب مني أنْ أشرح له دوري وعملي في يوم الانتفاضة، قلتُ له باختصارٍ: سمعتُ صراخ الشباب بشكل سلميٍّ وانضممتْ إليهم لمدّةٍ، وتركتُ الشارع بعد أنْ وجدتُ أنّ هناك مخرّبين اخترقوا التظاهر السلمي، قال: أنت تكذب.. كنتَ المحرّض على خروج الناس وقد شاهدكَ الكثير.. اعترفْ.. ذلك أفضل لك، هكذا بين مدٍّ وجزرٍ حوالي ساعة تقريباً، وكنتُ أشعر بتنفّس أشخاصٍ كثيرين، ومنهم مسؤولين حاضرين في الغرفة يستمعون فقط من دون أنْ يتكلم أحدهم بكلمةٍ، قال: هناك شريط فيديو يبيّن أنّك كنت تحرّض الناس وتقودهم، وتردّد الشعارات.. ذلك أفضل، قلتُ: أبداً هذا غير صحيحٍ، أريد أنْ أرى هذا الفيديو، ولكنْ في الحقيقية دار في مخيّلتي أنّه من الممكن أنْ يكون هناك شخصٌ قد صوّر ذلك اليوم وأنا موجودٌ وأردّد  الشعارات، أسقطني من على الكرسي أرضاً، ووضع الكرسي على ظهري بعد أنْ وضع تحت الإبطين ظهر الكرسي وقال: الآن نفتح عينك.. (ترى اعترف اعترف أحسن لك يقول مرر مرر شوي شوي لا لا هون أي هون)، وإذا به يضغط على بالكرسي على ظهري، وصرخت بأعلى صوتي وقلتُ: أنتم لستم بشراً، وشعرتُ بماءٍ ساخنٍ يتسرّب في شراييني من شدّة الألم المفاجئ في ظهري وأنا منبطحٌ على الأرض، ركلني بحذائه على فمي وشعرتُ بالدم يسيل من فمي.

قال: اخرجوه إلى الخارج ودعوه يفكّر وأعيدوه مرة أخرى، قلتُ مباشرةً: لا يوجد جديدٌ عندي إذا رجعتُ؛ فشتمني بكلماتٍ لا تليق بالبشر وأخرجوني من الغرفة الدافئة إلى الخارج في الطابق الأول، كنتُ أعتقد أنّها شرفةٌ خارجيةٌ وأجلسوني على كرسيٍّ، وكنتُ أشعر بأنّني جالسٌ على كرسيٍّ من الخيزران، وهناك شخصان جالسان بالقرب مني يتحدّثان بالهمس ولم أفهم من حديثهما شيئاً، وخلال ربع ساعة أصبح الكرسي يرتجف تحتي، حيث البرد والدفء والخوف والجوع والبرد مرةً أخرى، أصبح الكرسي يتأرجح؛ لأنّ جسمي لم يقاوم أكثر من ذلك، كان الحارسان يتبادلان مدفئةً كهربائيةً فيما بينهم، فعند التبادل كنتُ أشعر بموجةٍ دافئةٍ، وكنتُ أحتقرهما؛ لأنّهما يبصران حالي بهذا الشكل وضمائرهم الميتة لم تتحرّك، لا أدري كم مضى من الوقت، لكنّني كنت أشعر بأنّ هذه الليلة كابوسٌ وأنا لست بنائمٍ.. وأشعر وكأنّي بقيتُ أكثر من ليلةٍ في هذا البرد الشديد، حيث يصدر مني أنينٌ واصطكاك أسناني التي ما كنتُ أستطيع التحكم بها، حيث دور اللاشعور كان أقوى، في تلك اللحظات سمعتُ همس شخصٍ بأذني، وقال: أنا الرائد عمار الهفل رئيس قسم أمن الدولة هنا.. أنا كنتُ زميلك في كلية الحقوق بحلب، أعرفك عندما كنتَ طالباً في الجامعة والمعسكرات الجامعية وتحركاتك ونشاطاتك وقتها، اعترف لهم بدل أنْ يقتلوك، قلتُ وبصوتٍ لا أدري إنْ كان مسموعاً: أنت زميلي وحقوقيٌّ وتقول ذلك..؟ اذهبْ وقلْ لهم: لا يوجد عندي شيءٌ جديدٌ.

أعادوني مرةً أخرى، ولكنْ كنتُ أتمنى العودة طمعاً بدفء الغرفة، التعذيب أفضل من البرد، كرّر أسئلته وأنا كرّرت إجاباتي، ومرةً أخرى كرر العقوبة نفسها وتركني لفترةٍ مرميّاً على الأرض وأنا أصرخ بشدّةٍ، أصبحتُ ضعيف الحركة والألم و في ظهري، فقال بصوتٍ عالٍ: خذوه إلى القبو وغداً أحضروه..

حملوني ورموني في زنزانتي، وفكّوا القيد والعصابة، تلك الليلة كنتُ حيّاً ميتاً، لا أدري كيف أخذوني مرةّ أخرى إلى نفس الغرفة، وجاء محققٌ آخر، عرفتُ من صوته أنّه غير السابق وبأسلوبٍ هادئ قال: أعلم أنّهم عذّبوك البارحة، أنا لا أستخدم أسلوبهم.. أريدك أنْ تتكلم بهدوءٍ ونتفق أنا وأنت على أنّك لن تكذب وأنا لن أزعجك، قلتُ له: فكَّ القيد والعصابة ودعنا نتناقش، قال: أبداً لا أستطيع؛ لأنّ التحقيق يتطلّب ذلك، قلتُ: إذاً لم نتفق، قال: أين كنتَ قبل التظاهرة؟، قلتُ: في مكتب صديقي، قال: كيف خطّطتم للتظاهرة؟، قلتُ: المظاهرات في كلّ مكانٍ يوجد فيه كرديٌّ فى سوريا، كانت شعبيةً ولم يُخطّط لها، قال: أنت تكذب..، قلتُ: أقسم بالله العظيم لو كانت المظاهرات منظّمةً لقلتها من دون خوفٍ.. أنا لا أكذب، ولكنّ أصحاب التقارير هم الذين يكذبون..، قال والشهود الذين شاهدوك.. يكذبون..؟ الآن سوف تسمع شخصاً اسمه ولات وسوف يخبرنا أين رآك ومع من، ونادى ولات، ولات تعال: ما اسمك؟، قال ولات، قلْ يا ولات أين رأيت المحامي وماذا كان يفعل..؟ تكلّمْ.

تكلم ولات ونبرات الخوف والحزن واضحةٌ في كلامه، نعم رأيتُ هذا المحامي يقول: يسقط بشار الأسد وتعيش كردستان.. يعيش مسعود برزاني، هو وشخصٌ عتّالٌ طويل وواحدٌ من بيت الملا كانا في مقدمة التظاهرة، قلتُ: افتحْ عينيّ..، قال: لا.. كي لا تعرف ولات..، قلتُ: من هو الشخص الذي من بيت الملا.. ما اسمه؟، قال: لا أعرف اسمه.. ولكنْ عنده محل (موبيلا) في السوق..، قلت: هذا كذّاب بيت الملا لا يوجد لهم محلٌّ في سوق الدرباسية.. اذهبوا واسألوا.

بدأت الشتائم تنهال عليّ من المحقق: الكلّ يكذب وأنت الصادق..! ثلاثة شهدوا وأنت لا تعترف يا ابن..، ووضعني في نفس العقوبة التي نفّذها المحقق الذي قبله، صرختُ وقلتُ: سوف أعترف.. افتحِ القيد، خفّف الضغط عن ظهري.. وقال: القيد والعصابة لا تُفتح، بعد أنْ ارتحتُ قليلاً.

قلتُ: ما يحدث في المناطق الكردية هو بسبب تصرفاتكم وقتلكم للناس بدمٍ باردٍ، والمظاهرات لن تتوقف إذا لم يحاسب المسؤولين عن ذلك إذا كانت هذه القوانين موجودةً، ومسألة المجرّدين من الجنسية، قال: (ليش أنت مو مواطن؟)، قلتُ: أنا مواطن، ولكنّ أولاد إخوتي أجانب..

قال: ما علاقتك بهم؟، قلتُ التأثير المباشر على كلّ الشعب الكرديّ نتيجة هذا الوضع.

مرةً أخرى بدأت الشتائم، يا… ألم تدرس في الجامعات السورية وتتخرج فيها، وتأكل من خيرات هذا البلد..؟ (بدك تحمّلنا مسؤولية أشخاص جاؤوا من تركيا، ومرةً أخرى ضغط على ظهري، وبعد ربع ساعة نادى وقال: خذوه وبعد الظهر أعيدوه، حملوني ووضعوني في الزنزانة، وكنتُ أسمع الصراخ من كل الاتجاهات، قال أحدهم: (معك مصاري مشان نشتري لك سندويشات؟)، قلتُ: لا؛ لأنّهم أخذوا كلّ النقود مني في السجن.

وبعد ساعة تقريباً فُتِح مزلاق الباب وقال أحدهم: خذْ هذه السندويشة ويجب أنْ تأكلها، وسوف أعود وإذا كنتَ لم تأكلها سوف تعاقب.

عرفتُ أنّهم لا يريدون لي أنْ أموت، فتحت السندويشة، كان فيها فلافل، أكلتُ الفلافل ووضعتُ الخبز جانباً؛ لأنّني ما كنتُ أستطيع مضغ الخبز، بعد ضربة المحقّق على فمي، ناداني أحدهم: هل أكلتَ..؟ قلتُ: نعم.

هدّدني مرةً أخرى، حملتُ الخبز وأخفيته بين بعض الأوراق البيضاء، وهي بقايا سندويشات لأشخاصٍ قبلنا، بعد الظهر سمعتُ صوت سيارة المحقق الأول، ومباشرةً عرفتُ أنّه سيطلبني.. وفعلاً دقائق ونادوا: ارجعْ إلى الوراء باتجاه الباب ووضعوا القيد والطماشة، وسحبوني للصعود للطابق الأول وإلى نفس الغرفة، ونفس المحقق الضخم الذي لا يشبه البشر في شيءٍ، سمعته: (ها سليمان فكرت ولا لسع ما استويت؟)، قلتُ: (لا فكرت بس ما بعرف شو بدك؟).. الأمريكان وإسرائيل والاجتماعات كلّ هذه الأمور لا أعرفها، فقط أقول لك: خرجنا للشارع نتيجة الضغط على قامشلي.. هذا ماعندي.

قال لم تفكّر بعد..! ونادى (أبو غضب): (وينك جيب هذا الكرسي لشوف، راح جيب آخرتك، بفكرك ما في حدا غيرك نحقق معاه)، ربطوني بالكرسي من جهة الظهر وهذه المرة وضع قطعةً لا أدري إنْ كانت من الخشب أم من الحديد بين القوة الضاغطة وظهري، عندها عرفت بأنّهم لم يكسروا ظهري، وضغط بقوةٍ، وتركني وخرج وأنا أحاول تخفيف الضغط عن ظهري مرة أخرى انشد القيد وانشلّت أصابعي الثلاثة، وأنا أصرخ والعرق يزخّ مني سمعتُ صوته، قال: (أعطوه ورقة وقلم خليه يكتب هذه الليلة بالتفصيل عن الحدث، ويذكر الأشخاص الذين معه، وبكرى جيبوه، وإذا لم يكتب شي دواه عندي).

أخذوني مرة أخرى إلى المنفردة، أعطوني ملابسي وبطانية، لبست ملابسي ووضعت حذائي وقميصي تحت رأسي وتغطيت بالبطانية وغفوت لوقت ليس بالقصير، استيقظتُ من النوم وحاولتُ في الصباح أن أكتب عدّة كلماتٍ من تلك التي أجبتُ بها أمامهم، ولكنْ كانت الكتابة صعبةً، حيث إني لم أستطع أن أمسك القلم، كتبت كتابةً إنشائية، مثل الكلام الذي ذكرته وما حدث معي في ذلك اليوم، وفي  الصباح جاءت السيارة المميزة بصوتها وإشارات فتح الأبواب ونادوا عليّ مرة أخرى.. القيود والطماشات والصعود والكرسي، ولكن هذه المرة كنت ألبس ملابسي، قال المحقق الوحش: (أنت ما ينفع فيك التعذيب لازم تتحول للمحاكم وياخدوا شهادتك الحقوق منك، اكتبوا الضبط وحوله للمحاكم..) وفعلاً كتبوا الضبط وبصمت مرغماً على ما كتبوه وبالقوة، وأنزلوني إلى المنفردة، لاحظت بأنّ القميص الذي ألبسه ليس قميصي، عرفتُ بأنّهم خلطوا الملابس متقصدين ذلك، فيما بعد عرفت أنه قميص الأستاذ القدير محمود عمو.

أخرجونا مرة أخرى إلى ممر القبو وكان عددٌ كبيرٌ من المعتقلين قد وصلوا من الدرباسية وديريك، سمعت اسم شخص من الدرباسية، اقتربت منه وسألته بصوتٍ منخفضٍ انا أبو كوفان.. أخبرني عن وضع الأهل، عرفتُ من خلال التحقيق معكَ أنكَ وصلت اليوم، هل صحيح بأنّهم يعتقلون النساء؟ قال: لا أبداً هذا غير صحيحٍ.. عندها ارتحت قليلاً.

بقيتُ في المنفردة حتى السابع من نيسان ولم أرَ أحداً، فقط كنت أسمع أصوات التعذيب والصراخ، حيث كانت زنزانتي بالقرب من غرفة التحقيق، وعندما كنت أقترب من الباب كنت أسمع الكثير من الكلام.

*محام وكاتب من معتقلي الانتفاضة.

 

….. يتبع

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني كان يكبرنا سناً ومحل احترام وتقدير لدينا جميعاً وفي المؤتمر (……) كان بيني وبينه وسادة، لمحته ينظر لوجوه المؤتمرين، هامسته : هل أكملت جدول الانتخاب ..؟. أجاب: مازال قائمتي بحاجة الى بعض المرشحين ..؟!. وضعت ورقتي المليئة بالأسماء التي انتخبتهم حسب قناعتي بهم على الوسادة أمامه، تفضل ..؟. نظر أليَّ باستغراب، رغم ثقته بي ووضع…

صلاح بدرالدين   منذ عدة أعوام ولم تنفك وسائل اعلام أحزاب طرفي ( الاستعصاء ) – ب ي د و انكسي – تنشر تباعا عن تدخل وسطاء دوليين لتقريب الطرفين عن بعضهما البعض ، والاشراف على ابرام اتفاقية كردية – كردية ، وانهاء عقود من حالة الانقسام في الصف الكردي السوري !!، من دون توضيح أسس ، وبنود ذلك الاتفاق…

خالد بهلوي   لم يعد سرًّا أن البلاد تمر بحالة انهيار اقتصادي شملت جميع القطاعات والمؤسسات، والدليل على ذلك المعاناة اليومية للمواطنين من الفقر والجوع والعجز عن تأمين أبسط مستلزمات الحياة اليومية، نتيجة توقّف الرواتب وتسريح الآلاف من الموظفين من أعمالهم. تزامن ذلك مع ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش الذي يزداد يومًا بعد يوم دون أي حلول تلوح في الأفق….

إبراهيم اليوسف سبع سنوات من الظلام تحت الاحتلال التركي ومرتزقته!   لم تكن عفرين ضحية حربٍ عادية، بل كانت ساحةً لأحد أبشع سيناريوهات الاحتلال الممنهج في القرن الحادي والعشرين. إذ أنه منذ اجتياحها واحتلالها عام 2018، دخلتها القوات التركية ومعها جحافل الفصائل المسلحة، الذين لم يكونوا سوى أدواتٍ رخيصة لتنفيذ أجندة أنقرة. تحت قناع “عملية غصن الزيتون”،…