كنّا في عام 2004م، في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، مجتمعين في مكتب الحزب، وكان يوم الجمعة 12 آذار عندما انفجر الوضع بين الفريقين في الملعب البلديّ، وخرجنا إلى الشارع وإذا بالشارع ملتهبٌ، ولم يخلُ الأمر من وجود بعض المؤجّجين من القوى القومية الموالية للنظام، وكذلك من القوى القوميّة الكرديّة المتعصّبة وفي يوم 15/3/2004م، تم تجنيد بعض العملاء للنظام وخروجهم إلى الشارع الرئيسيّ يهتفون: (لا عرب ولاسريان بل هنا كوردستان) وكلّ ذلك من أجل إشعال الفتنة الطائفية في البلد وكنت آنذاك سكرتير اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين، ودعوتُ الرفاق أو بالأحرى تمّت دعوتنا إلى اجتماعٍ للرفاق الموجودين في قامشلي وبالتشاور مع الرفاق القياديين خارج قامشلي من أجل إصدار بيانٍ باسم اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين لندين الفتنة الطائفية في المحافظة بين المكوّنات الموجودة من عربٍ وأكرادٍ وسريان وكلدو آشور، وتمّ بالفعل إصدار بيانٍ بعنوان: “لا للفتنة الطائفية” وحمّلنا المسؤولية للمحافظ الذي أمر بإطلاق النار السيئ الصيت المدعو سليم كبول وللأجهزة الأمنية أيضاً، وتمّ إصدار البيان في يوم 16/3/2004م، وتمّ توزيعه بشكلٍ مكثّفٍ وبآلاف النسخ في مركز المدينة وفي الأحياء، وأثناء التوزيع جرى نقاشٌ حادٌّ حول البيان؛ فقد رفض الموالون البيان ووقفوا ضدّه، وقاموا بإيصال بعض النسخ إلى المراكز الأمنية، وفي حوالي الساعة الواحدة من يوم 16/3/2004م وقد كنتُ حينها عند رئيس البلدية وبالمصادفة دخل شخصٌ إليه، وبعد السلام، قال: جئتُ من المكانِ الفلاني؛ لنؤدّب الإكراد، وقال كلاماً بذيئاً، فقمتُ وقلتُ له: ألا تخجل من نفسكَ وأنت تتفوّه بهكذا كلامٍ.. يا سيد هذا عيبٌ، أنتَ تعرف حقّ المعرفة بأنّكَ لا تملك شجاعة الكردي، وعشرة من شباب الكرد يكفون لردّ أمثالك.. أنت َ شخصٌ جبان وتريد إشعال الفتنة بين المكوّنات، عندها تدخّل شخصٌ من أزلام النظام ضدّي وهو موظّف في البلدية، ولكنْ من خارج المحافظة وكنت حينئذٍ أوزّع البيانات.. وفي تمام الساعة الثانية والنصف إذا بعدّة عناصر من الأمن العسكريّ يطرقون باب منزلي بشدّةٍ، وعند فتح الباب أخذوني، وكنتُ بالبيجاما فقط، وكانوا مدجّجين بالسلاح، وساروا بي إلى القبو، وهناك رأيتُ شباباً وطلاباً تمّ اعتقالهم، وكانوا يُضربون بالعصي والكابلات، وسمعتُهم ينادون باسم فلاديمير حسين؛ فعرفتُ أنّ ابن عمّي أيضاً عندهم؛ لأنّه لا يوجد هكذا اسم في كلّ قامشلي سوى اسم ابن عمّي محمود حسين، وضربوني ضرباً مبرّحاً خلال 4-7 ساعات، وقيّدوا يديّ وعصبوا عينيّ وقالوا كلاماً بذيئاً عن أمّي بالاسم، ولكنّني تعلّمتُ في الحزب كيف يجب أنْ يكون الشيوعيّ أثناء الاعتقال أمام الزبانية وكيف يجب التّصرّف؛ فرددتُ على المحقّق: أنتَ كالحذاء في قدمي.. فقال لي: إنّ اليهود أفضل منكم أيّها الأكراد الخونة، فقلتُ: أنا حفيد صلاح الدين ويوسف العظمة وابن معركة بياندور.. أنت صهيونيٌّ وفاسدٌ وناهبٌ للبلد وأنا مهندسٌ يداي نظيفتان..
ومن الطبيعي بعد الجولة الأولى من الضرب أنْ لا أشعر بالألم في جسدي، ثمّ وضعوني مع ثلاثة شبابٍ في مكانٍ لا يتّسع لشخصين، فقلتُ للشّابين: لا تخافا.. وكان أحدهما ابن مدرس الرياضيات عدنان رمو ووالدته مزكين مصطفى بنت الشيوعيّ القديم أبو زنار من خاناسري، وعندما تكلّمتُ مع الشباب أخذوني مرةً أخرى بهذه الحجّة (الكلام)، وأشبعوني ضرباً مرةً أخرى، وحاولوا إدخال العصيّ في مؤخّرتي، ولكنْ كنتُ بكامل وعيي ولم أفقده، وجاء إليّ أحد عناصر الأمن: أنتَ أنتَ تتصرّف وكأنّك زعيمٌ في البلدية يا ابن..، فقلتُ له: أنا زعيمٌ هنا وفي الشارع أيضاً، فقال: تعالوا وخذوا هذا الـ..، فضربوا رأسي بالحائط وضربوني في خاصرتي وتحديداً على كليتي، وحوالي الساعة الثالثة صباحاً أخذوني إلى التحقيق مرةً أخرى، وأطلعوني على أحد البيانات الصادرة عن الحزب الشيوعيّ الجبهويّ، وقال: هذا بيانٌ مرتّبٌ وليس مثل بيانكم تتهمون فيه الأمن، ثمّ قال: رئيس الفرع العميد خليل يريدك، فقلتُ: ليس لي عملٌ معه ولا أريد أنْ أقابله.. بإمكانكَ أنْ تأخذني، ولكنْ لا أريد مقابلته، ثمّ قدّم لي القهوة، فقلت له: لا أشرب قهوتكم، حينها قدّم لي سيجارةً، فقلتُ: لا أدخّن من سجائركم، فقال: سنوصلكَ إلى البيت بالسيارة..، فرفضتُ ذلك وقلتُ: سوف أنشر ما جرى معي في أقبيتكم للحزب (اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين) وبعد إطلاق سراحي كان ظهري ينزف دماً.
*مهندس وقيادي شيوعي