إبراهيم اليوسف
منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا أربعين سنة أو عشرين سنة أو عقدًا ونيفًا من السنوات العجفاء المهدورة في السجون، بينما كانت ساعة واحدة في فروع الأمن تكفي لتذويب الحديد من شدة التعذيب بنوعيه: النفسي أو البدني!؟
الحقائق التي بدأت تظهر، بما في ذلك المقابر الجماعية وأدوات التعذيب والإعدام، تشير إلى حجم الفظائع التي ارتكبها النظام. رغم نقص الإحصاءات الدقيقة، فإن بعض الفرق، مثل “فيدرالية حقوق الإنسان في سوريا”، بمشاركة منظمات حقوقية جادة، عملت على توثيق هذه الجرائم. ومع ذلك، لا تزال هذه الجهود تواجه تحديات هائلة بسبب التضليل الذي مارسته المنظمات الوهمية التي أنشأها النظام وقوى الأمر الواقع.
من بين آلاف المعتقلين الذين غيبتهم السجون السورية، يشكل الكرد نسبة كبيرة. الآلاف من الكرد لا يزالون في عداد مجهولي المصير، ما يعكس حجم الاستهداف الممنهج الذي مارسه النظام. تعرض هؤلاء المعتقلون لأبشع أنواع التعذيب، ولم يعرف مصير الكثيرين منهم حتى الآن.
تحول المشهد السياسي في دمشق
بعد أن أصبح أحمد الشرع الشخصية المركزية، فقد تغيرت ديناميات السياسة السورية، بل انقلبت رأساً على عقب، في تكتيكاتها، وبوادر استراتيجياتها. لأن الرجل الذي كان اسمه سابقًا أبا محمد الجولاني، الاسم الذي أزيل مؤخرًا من قوائم المطلوبين لدى الولايات المتحدة، أصبح شخصية بارزة في المشهد الجديد. لكن هذه التحولات أثارت أسئلة عميقة حول مواقف القوى السياسية المختلفة، بما فيها الأطراف الكردية.
الكرد أطراف متعددة وتحديات مشتركة:
فيما يتعلق بالكرد، يمكن تصنيفهم إلى طرفين رئيسيين:
المجلس الوطني الكردي (ENKS): يضم أقدم الأحزاب الكردية التاريخية، وهو يمثل الصوت التقليدي للكرد السوريين. رغم ذلك، تعرض لتهميش من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي أبرم اتفاقات مع النظام السابق.
الاتحاد الديمقراطي (PYD) وما يرتبط به من أحزاب: تمحورت هذه الأحزاب حول “PYD” أو انشقت عنه لاحقًا. قوة هذا التيار مستمدة من سياسات الترغيب والترهيب التي استخدمها في ظل الظروف الصعبة التي عاشتها المنطقة.
تمحورات في ظلال التخطيط و الترغيب و القوة والحرب:
مصطلح “ENKS” يشير إلى الأحزاب المحسوبة على المجلس الوطني الكردي. هذه الأحزاب واجهت صعوبات كبيرة بسبب سياسات المحو والتهميش من قبل “PYD”، لكنها حافظت على جماهيريتها بين الكرد السوريين. رغم أخطاء المجلس الذي يقوده على نحو عملي حزب واحد هو”البارتي”، مثل الارتهان لتركيا، يظل المجلس الوطني الكردي الممثل التاريخي الأبرز للكرد السوريين، والأكثر رسوخاً وتجذراً، مقابل ما تم تشكيله من أحزاب بقيادة ” pyd ” ضمن إطار ” pynk ” الذي لا أثر للأحزاب التابعة له إلا على نحو شكلي!
أخطاء واستراتيجيات الأطراف الكردية
الاتحاد الديمقراطي (PYD): تمدد إلى خارج مناطقه الأساسية بناءً على تعليمات الممول الأمريكي، من جهة، وفي محاولة للحرب على داعش على تخوم مناطقه، من جهة أخرى، ما زاد من الاحتقان ضد الكرد. إذ كان عليه الخروج من هذه المناطق فور اندحار داعش، ومساعدة قوى محلية على حماية ذواتهم. أمر الحماية الذي سرعان ما تنكره من تم هدر دماء وتضحيات قواتهم في تلك المواقع ذوداً عنهم، وهذا ما يمكن قراءته بتأن بعيداً عن إحصاءات الحرب ومن اتخذهم تنظيم داعش دروعاً بشرية، أو غير ذلك من انتهاكات تقع في الحروب، ويروح ضحيتها أبرياء، في كل ساحة حرب، للأسف!؟
المجلس الوطني الكردي (ENKS) ارتهن قراره لتركيا ولم يستفد من الدروس المستخلصة من خذلانها له في عفرين وسري كانيي- رأس العين وتل أبيض/ كري سبي، ولا حتى من موقفه من استقلال إقليم كردستان، وما بدا من الرئيس أردوغان بهذا الصدد، من تهديدات، وكلام قاس موجه إلى الرئيس البارزاني!
الحاجة إلى موقف موحد و كلمة سواء
لابد من تجاوز الخلافات بين الأطراف الكردية. يجب أن يكون للكرد موفد خاص يتم قبوله من قبل السوريين عمومًا، ويُفضل أن يقود هذه الجهود شخصيات غير جدلية تتمتع بمصداقية عالية. في هذا السياق، ومن الضروري أن تتخذ القوات العسكرية الكردية، مثل “قوات سوريا الديمقراطية” قسد” وقوات البيشمركة الكردية السورية المنفية في إقليم كردستان من قبل ” ب ي د”، موقفًا واضحًا بعدم التدخل في الشأن السياسي، مع فك ارتباط- قسد- و ب ي د بحزب العمال الكردستاني (PKK). عسكرياً وسياسياً وفكرياً، على حد سواء، وهكذا بالنسبة إلى قوات البيشمركة التي لم تنسب إليها أية أخطاء طوال سنوات الحرب، والتي لابد أن تكون تحت ظل قيادة كردية محلية واحدة، غير تابعة لأية جهة كردستانية، ولاشأن لها إلا بتنفيذ مصلحة أبناء الشعب الكردي في سوريا، وحتى الاندماج ضمن الجيش السوري، في حال وجود اتفاقات وتفاهمات، على أن تكون قوة محلية في مناطقها تابعة للجيش السوري الموحد، لحماية حدود الوطن من قبل الطامعين بالاعتداء على سوريا والسوريين.
وعندما نركز على ب ي د وقسد هنا فلأنهما-على صعيد المتحكمين بهما- خاضعان حتى اللحظة لقرارات” قنديل”، إذ إن تحولات ب ك ك، وإثبات لاجدواه، وما ألحقه من ضرر بكرد الأجزاء كلها، عبر سياسات ب ك ك وزرعه فكرة الشقاق بين الأشقاء والبيت الواحد، ومن بينهم الكرد في سوريا، بيد أن أبناء الشعب الكردي، سواء من دمغ منهم بخاتم هذا الطرف أو ذاك، لهذا الاعتبار او ذاك، فهو صاحب المصلحة أولاً وأخيراً، وهو واحد، فيما لو أوكل إليه قراره، بعيداً عن أية آلة رعب أو وصاية!
دور المثقفين والمجتمع المدني
المثقفون والأكاديميون ومنظمات المجتمع المدني الذين تم تهميش دورهم طويلاً من قبل الحركة الكردية ومن بينها: المجلس الوطني الكردي و” ب ي د” يجب أن يلعبوا دورًا محوريًا، ضمن أطر مشتركة، بعيداً عن التأـثر بسطوات الخلافات والاختلافات التي تعمقت بظهور ب” PKK “ومن ثم ب ي د في حياة الكرد السوريين، لاسيما بعد ما سميت ب” الثورة السورية” والتي تم إجهاضها، في تقديم المشورة والدعم. ولا ينبغي تكرار أخطاء الماضي البتة، بإيفاد ممثلين غير جديرين، هنا وهناك. مستقبل الكرد في سوريا يعتمد على تجاوز المصالح الفردية لصالح المصلحة العامة. فالتاريخ يوضح أن الكرد تعرضوا للتهميش والاضطهاد منذ تأسيس سوريا. رغم ذلك، فإن اللحظة الحالية تمثل فرصة لإعادة تعريف دور الكرد في سوريا المستقبل. الوحدة والتخطيط السليم هما السبيل الوحيد لتحقيق العدالة لشعب عانى لعقود من التمييز والإقصاء.
الوضع الكردي في سوريا في حاجة إلى إدارة حكيمة واستراتيجيات واضحة. وإن توحيد الكلمة والموقف سيعززان من قدرة الكرد على تحقيق أهدافهم الوطنية والإنسانية. وبلا أي شك فإن المستقبل يعتمد على تجاوز الانقسامات الحالية والعمل بروح الإيثار و الفريق الواحد من أجل قضية عادلة ومستقبل أفضل لجميع السوريين.
عود على بدء:
وإذا كانت هناك ظروف محددة قد فرقت الكرد، إلا أنهم في المحن والملمات كانوا دومًا يدًا واحدة، متحدين في مواجهة التحديات. رغم التباينات السياسية والاجتماعية التي تكون قد ظهرت بين مكونات الشعب الكردي في سوريا، فإنهم- في الوقت نفسه- حافظوا دومًا على ارتباطهم العميق بمحيطهم الوطني السوري ككل. هذه الوحدة كانت ولما تزل تزداد قوة في ظل الأزمات الكبرى، حيث تتكشف قدرة الكرد على التضامن في مواجهة الظلم، على عكس بعض جيرانهم الذين يعمدون إلى ممارسة جينوسايد الكتابة والرؤية ونشر ثقافة الكراهية والتأليب بحق الكرد، عبر نشر الأكاذيب والمغالطات التاريخية، ومحاولة محو الهوية الكردية بشكل ممنهج.