فرحان كلش
كلنا قرأنا عن الثورات في مختلف بقاع الأرض وقاراتها عن عقلية الثائر، وكيف يتحول غالباً من ابن بيئة مهمشة غالباً إلى مثقف وحامل هموم وطنه، أو كان ابن بيئة ارستقراطية مثلاً يتحول إلى إنسان متواضع قابل للتضحية غير آبه بمكانته الاجتماعية وما يملك وإن تطلب الأمر ينسلخ من طبقته الإجتماعية، لكي لا يشعر بالتناقض بين قيم ثورته وموروثه الاجتماعي، وكما قيل عنه، أنه آخر من يأكل وآخر من ينام وأول من يهب دمه لقيم ثورته.
الثائر شخص يعمل من أجل التغيير الايجابي في مجتمعه، على المستوى الاجتماعي والسياسي والقيمي، ولا يقبل أن تنتصر ثورته شكلياً دون إحداث الفوارق بين القديم الزائل والجديد القادم.
وهكذا يتحول الشخص الذي يقرر حمل أعباء ثورة على كتفه إلى شخص مختلف سلوكياً، يصغر مع الصغير ويكبر مع الكبير، يؤمن بحقوق كل الأفراد والجماعات، والأهم لا يطالب بشيء خاص له مقابل جهده وتضحياته من أجل إنجاح الثورة الداعية لبناء سلطة مختلفة بنيوياً عن السلطة التي ثار عليها.
و السؤال الذي يؤسفني أن أطرحه في حضور الحديث عن الثائر وما رُسم في أذهاننا عنه، حول أحقية جُل من ثاروا ضد حاكم دمشق المخلوع بهذه الصفة والاسم؟
حقاً أن الذي يكدّر الخاطر أن يُستحضر السلب كصفة مرافقة بل ملازمة للأكثرية الساحقة ممن نعتوا أنفسهم بالثوار في الحالة السورية، فهم لم يتحولوا بعد ولادتهم القيصرية كاجترار طائفي من رحم النظام الديكتاتور إلى حملة لواء التغيير البنيوي لهذا النظام، بل مارسوا أفعاله وحملوا خصائصه تحت عناوين مختلفة، الجوهر امتداد وتواصل، الشكل تشوه وتداخل.
في سنوات الثورة لم يشكلوا جسم سياسي وطني قادر على لملمة السوريين بتفرعاتهم ورؤاهم، بل أخضعوا أنفسم لمصالح إقليمية ربما كحنين إلى الإستعمار الكولونيالي الذي مرّ على سوريا مئات السنوات، فالطربوش العثماني الذي أُسقط على التراب السوري وتكور على نفسه منذ عشرينات القرن العشرين، وجد ضالته التوسعية في هؤلاء الذين وضعوا كل بيض الشعب السوري في سلة العثمانيين.
ووضعوا أنفسهم كخناجر في يده، ضرب بهم في كل المناطق التي نصب فخاخه الاستعمارية عليها، من كاراباخ إلى ليبيا والنيجر، فضلاً عن قيامهم بمهام قذرة خدمة للتركي ضد الكُرد في الداخل السوري.
هذا الثائر السوري لم تطهره الثورة، ولم تغير فكره الذي مارسه في مدرسة البعث الشوفيني، وبذلك تمطمطت الثورة هذه، وازداد الدمار، و وقع الشعب السوري في فخاخ طائفية الثائر، وأنانيته المفرطة في أنه دائماً ينعت نفسه بالثائر ليثبت أحقيته المريضه في منافع ومكاسب شخصية.
إنه دائماً يعمل على أن تكون السلطة له، طبعاً كمقابل وثمن لثوريته المزعومة، حتى أنه رفع في الآونة الأخيرة شعار(من يحرر يقرر) أي أنه لا شيء ببلاش، لذلك يقسم الشعب السوري ليس وفق طبقاته أو تكويناته المجتمعية والقومية والطائفية بل بتقسيم مريض آخر قائم على نظرة طائفية ومن يسير وفق رؤيتهم السياسية في سنوات الثورة، بغض النظر عن ظروف الناس وامكاناتهم ليكونوا جزء من تفكيره، هذا التقسيم يُحدث الآن شرخاً مجتمعياً على المستوى الوطني، قد تتدحرج كرة التوصيفات المؤذية هذه لتنقسم سوريا جغرافياً كذلك، إضافة إلى الانقسام السياسي الحاد الذي نشهده.
إن ما يحدث الآن من عمليات الإنتقام من مكونات الشعب السوري، استكمال صريح لعقلية الثائر السوري الذي يؤسس للحصول على مقابلٍ ل(ثوريته) كما يدعي، من سلطة وتدمير المختلف الطائفي والذهني.
حقاً يظهر الآن الشخص الذي استثمر في الثورة، وحان الآن وضع دفاتر الربح من هذا الاستثمار القذر، إنه يقصي الجميع، هذا الجميع الذي إن لم يكن شريكاً في سوريا، لن يتهنى بها هذا المخلوق المصاب بشيزوفرينيا، أنا الثائر فكل شيء لي.
دائماً كلمة الثائر بين (……)