خالد حسو
عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية.
لماذا عفرين الآن؟
لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج جبالها بهويتها الكوردية الأصيلة. الحديث عن عفرين لا يتعارض مع مفهوم وحدة المصير الكوردي، بل هو امتداد لمعركة وجود شعبٍ في وجه الرياح العاتية التي حاولت اقتلاع جذوره.
عفرين: تاريخٌ يشهد على الكوردية الأصيلة
عبر التاريخ، عفرين وريفها كانت كوردستانية خالصة، تنبض بحياة سكانها الكورد الأصليين. لم تكن مجرد مكان، بل كانت هوية جماعية تنتمي لأرضها بكل تفاصيلها. السكان الأصليون كانوا كوردًا بلا جدال، باستثناء قلة قليلة من العرب الذين عاشوا بين الكورد كأصدقاء وأخوة.
2018: صفحة سوداء في تاريخ عفرين
ما جرى لعفرين في 2018 لا يمكن وصفه إلا بالكارثة الإنسانية والسياسية. تلك الشهور الكئيبة من شباط إلى أيار 2018 شهدت اتفاقيات جهنمية بين قوى تواطأت على تهجير شعبٍ كامل. روسيا، تركيا، وسلطة الأمر الواقع آنذاك (قسد وPYD) رسموا ملامح مأساةٍ يصعب محوها من ذاكرة المنطقة.
جرائم لا تُغتفر
• تهجير السكان الأصليين:
في مشهد أشبه بالإبادة الجماعية، تم تهجير الكورد قسرًا، وتوطين آخرين في أرضهم، ضمن مشروع تغيير ديمغرافي لا يُخفي أبعاده السياسية الخبيثة.
• التطهير العرقي الممنهج:
جرائم الاختطاف، التعذيب، القتل، والاغتصاب نُفذت بحق السكان الكورد، بهدف ترهيبهم ودفعهم لترك أرضهم. الكورد الإيزيديون، على وجه الخصوص، تعرضوا لأبشع أنواع الانتهاكات بسبب استهدافهم الديني والثقافي.
• نهب الأرض والإنسان:
المنازل، الأراضي، وكل ما هو قابل للنهب، سُرق تحت أعين الاحتلال التركي والمجموعات المسلحة المأجورة.
• طمس الهوية:
الأماكن التاريخية والأثرية الكوردية، وحتى مقابر الإيزيديين، لم تسلم من التدمير الممنهج الذي كان يهدف إلى محو أي أثر للوجود الكوردي في المنطقة.
الانسحاب بلا مقاومة: خيانة المصير
ما حدث في عفرين كان نتيجة انسحاب مخزٍ من قبل قوات قسد دون قتال يُذكر، تاركين أهلها يواجهون مصيرهم المظلم. الاتفاقيات السرية التي أُبرمت بين روسيا وتركيا، بغطاءٍ من سلطة الأمر الواقع، ساهمت في تسليم عفرين لقوى الاحتلال والتطرف.
عفرين: الصرخة التي لا تخبو
ما جرى لعفرين ليس مجرد حدثٍ عابر في تاريخ كوردستان، بل هو جريمة ضد هوية شعبٍ بأكمله. ما حدث لعفرين لا يجب أن يتكرر، ليس فقط من أجلها، بل من أجل كل بقعة كوردية تقف اليوم على حافة الخطر.
عفرين ستبقى شاهدة على الظلم، لكنها ستظل أيضًا رمزًا للصمود، لأن الجذور التي حاولوا اقتلاعها أعمق من أن تُنسى، وأقوى من أن تُكسر …..