فرحان كلش
في خضم الصراع الجاري بين إدارة دمشق الجديدة والأطراف الإجتماعية-السياسية تتوضح جلياً سياسة البلطجة التي تتبعها هذه الإدارة من عدة جهات، ففي الوقت الذي تحتل دول الجوار وغير الجوار أجزاء كبيرة من جغرافية سوريا، يحول وزير خارجية إدارة دمشق خطابه في القمة العربية في بغداد إلى خطاب مواجهة صريحة مع الكرد بالدرجة الأولى، إضافة إلى الدروز والعلويين من المنطق الأعوج نفسه.
إن الخطاب العروبي- الشوفيني هو العامل الأشد تأثيراً في تقسيم البلاد جغرافياً ومجتمعياً، فضلاً عن أن هذا الخطاب متقزم ومهترئ في مواجهة إسرائيل وتركيا مثلاً، اللتان تصولان وتجولان في العمق السوري دون رقيب، بل لا يوفر ممثلوا هذه الإدارة فرصة إلا ويشكرون القيادة التركية التي تسير في خط تتريك الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائلها المرتزقة، التي قاتلت خدمة لأسيادها الأتراك في مناطق متعددة من العالم تحت العلم التركي، وكذلك لا يفوتون فرصة إلا ويعبرون عن حرصهم على سلامة أمن إسرائيل التي لا تبعد عن عاصمة الأموبين كما يدعون أكثر من ثلاثين كيلو متراً، وآخرها إعلان رئيس إدارتهم علناً بين يديّ ترامپ أنه مستعد التوقيع على الاتفاقات الإبراهيمية، والتي تعني التطبيع مع إسرائيل باختصار وبكلمة، رغم خطابهم عن الوصول إلى القدس، ورفع هتافات(خيبر خيبر يايهود، جيش محمد سوف يعود).
تتخلى الإدارة في دمشق عن طموحاتها الآيديولوجية أمام الأقوياء، يل تركع أمامهم، كما فعلها الجولاني في الرياض، وهو مسحوب من يده كطفل مذنب يُراد العفو عنه، في وقت تلبس هذه الإدارة جولانيتها وراديكاليتها بأوقح صورها حينما يتعلق الأمر بالكرد، مستندة إلى الدعم التخريبي الذي تلاقيه من الأتراك، بحكم المعاداة التاريخية والوجودية لهذه الدولة للكرد وكل شيء كردي.
في اللحظة التي انتظر السوريون سقوط عائلة الأسد، كي يتنفسوا هواء الحرية، استلمت إدارة الجولاني الحكم في دمشق، ضاربة بعرض الحائط بأحلام الشعب السوري في بناء دولة تتبنى مصالح الجميع وتراعي الاختلافات العرقية والدينية والطائفية في البلاد، عملت وتعمل هذه الإدارة على إنكار كل هذه الاختلافات والقفز على حقيقة وجودها، والعمل على جعل سوريا بعلم واحد ونشيد واحد ولغة واحدة، وهذا مخالف للحقائق على الواقع، بل أن هذا الخط سوف يوصل البلاد إلى طريق مسدود، ويضع سواتر الدم داخل الجغرافيا السورية، وبالتالي تحطيم هيكل الوطن وتحويله إمّا إلى سجن باسم وحدة البلاد، أو كسر هذا الهيكل بفعل الإسلوب الخاطئ والغرور المذهبي وتحويله إلى تقسيمات متعاركة ومتصارعة.
رغم أن الكرد أعلنوا مراراً أنهم جزء من هذا الوطن، وأنهم مع وحدة البلاد، مازالت إدارة الجولاني مصرة على إعتبارهم قوى انفصالية، مستحضرة اتهامات السلطة السابقة، ومكررة كلام فدان وزير الخارجية التركي، وبذلك تأطر الصراع مع الكرد بهذا الاتجاه، ويتم رفض أية مقاربة حقيقية مع واقع الكرد كثاني قومية في البلاد، مختلف عرقاً ولغة وتاريخاً، وهكذا تُقرع طبول الحرب عند كل احساس لدى هذه الإدارة بامكانية القدرة على ضم مناطق الكرد بالقوة إلى مناطق الاحتلال الأموي قبل أكثر من ألف سنة.
كل الذي يحصل من صراع داخلي، تتحمل إدارة الجولاني تبعاتها، وهي السبب المباشر في عدم القدرة على جمع السوريين على كلمة سواء، تحمي حقوقهم، وتوحد رؤاهم،
فمنذ اليوم الأول اتخذت خط إرضاء أسيادها، وتلبية طلباتهم، وتنفيذ شروطهم، وبذلك تم التأسيس لفكرة، رضا القوى الخاجية، ولا رضا الداخل، هذه الفكرة التي أودت بأعتى الديكتاتوريات العملية في بقع مختلفة من العالم.