صلاح بدرالدين
في خضم تصاعد الصراعات بين مصالح القوى الكبرى حول خيرات بلدان الشرق الأوسط، وازدياد وتيرة المواجهات بين الأطراف الإقليمية الحاكمة بشأن توزيع النفوذ، واشتعال فتيل الحروب بالوكالة، واستعارها في السنوات الأخيرة، ونشوب المعارك، والمواجهات العنيفة بين قوى الشعوب الحية من جهة، والأنظمة الدكتاتورية المستبدة من أجل الحرية، والديموقراطية، وحقوق الإنسان، وتنامي ظاهرة الميليشيات المسلحة المغطاة بالشعارات العقائدية التي تشكل وقود – الحروب بالوكالة – وقيام سلطات – الأمر الواقع – التي تأتمر بأحزاب غير شرعية، أو مجموعات غير خاضعة للقوانين، والفالتة من عقالها، وأمام بروز النزعات ما فوق القومية، والوطنية، التي تتعصب للدين، والمذهب، والطائفة، والقبيلة، وتبعاتها الكارثية نتيجة التقاتل، وإهراق الدماء البريئة، تكاد تعجز عن إيجاد بقعة في شرقنا المنكوب خالية من هذه الأزمات، والمخاطر، والمهالك، مع استثناء وحيد وهو إقليم كردستان العراق الفيدرالي.
شهادات حية
ففي الأشهر الأخيرة توالت شهادات الإشادة بدور الإقليم الريادي بالمنطقة كنقطة مضيئة في ظلمات الشرق الأوسط، وذلك من البعيد قبل القريب، حيث أظهرت محتويات مواد مراكز البحث الدولية في أمريكا، وأوروبا، وكذلك كتابات العديد من المحللين العرب وغيرهم مدى تماسك أواصر العيش المشترك بين مختلف المكونات القومية، والدينية، والمذهبية في كردستان العراق ذات الطبيعة التعددية تاريخياً، وكذلك المضمون السلمي للمنافسة بين الأحزاب، والتيارات السياسية، والتقاليد الديموقراطية المتبعة في انتقال السلطة، والعلاقات الحسنة بين عاصمة الإقليم – أربيل – والعاصمة الاتحادية – بغداد – ودور الإقليم في الحفاظ على السلم الأهلي ليس في كردستان فحسب، بل في العراق كله.
مصدر الاعتزاز
إن تلك الشهادات الإيجابية على واقع الإقليم الحقيقي مصدر فخر واعتزاز لكل الكرد الذين راهنوا على تلك التجربة التاريخية، ووقفوا مع بناتها منذ اليوم الأول، وستكون ولا شك منبع قلق وإزعاج للذين وقفوا ضد التجربة، وحاولوا وأد إنجازاتها، ومحاربة قادة الإقليم بكل السبل والوسائل بما فيها المسلحة، والتآمرية.
لماذا أشعر بالسعادة؟
إنني شخصياً من جملة الذين يشعرون بالسعادة – بلا حدود – عندما أرى أمام عيني نجاح هذه المسيرة الطويلة التي دشنها الزعيم الراحل مصطفى بارزاني، وقبله الشيخ عبد السلام، وأكملها بجدارة الأخ كاكة مسعود بارزاني، فهي حصيلة أنهار من الدماء والدموع، وعشرات آلاف الشهداء، وآيات البطولة والصمود من جانب البيشمركة الشجعان.
ولكن لماذا أشعر بالسعادة؟ أولاً لأنني وأبناء جيلي تعرفنا على هويتنا من خلال اسم – البارزاني –، ثانياً: كنت كممثل – البارتي الكردي الديموقراطي اليساري – ترأست أول وفد إلى قائد ثورة أيلول البارزاني ونجله إدريس في المناطق المحررة عام ١٩٦٧، وعقدنا اتفاقاً لدعم الثورة، وتعزيز العمل المشترك، والتنسيق، وبقينا مع الثورة نقدم ما باستطاعتنا حتى وقوع الكارثة عام ١٩٧٥، وأعدنا العلاقات بعد رحيل الزعيم، خلال لقائي مع الراحل إدريس بارزاني في طرابلس – ليبيا، عام ١٩٨٣، وتابعنا التنسيق، حيث أمضيت حتى الآن نحو – ٢٥ – عاماً في كردستان العراق، أقدم كل إمكانياتي لإنجاح التجربة، وأشعر نفسي شريكاً في بنائها، وتطويرها، ولذلك راهنت بكل مشاعري على نجاحها، وأعتبرها نصراً شخصياً لي، لأنني واجهت بقلمي كل من أراد الإساءة إليها، كل ذلك لا يعني أبداً أن التجربة اتخذت مساراً خالياً من الإخفاقات، والأخطاء.
عندما نطرح هذه التجربة التاريخية الفذة التي حصلت في كردستان العراق، فإننا نعتبرها نموذجاً صالحاً بالإمكان أن تستفيد من دروسه الحركة الكردية في الأجزاء الأخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الظروف والأحوال، وأن لكل جزء خصوصيته البشرية، والجغرافية، والزمنية، والاجتماعية، والتي تنعكس على موازين القوى، ووسائل النضال، ودرجة الحقوق في إطار مبدأ تقرير المصير الذي يشمل الصيغ العديدة التالية (استقلال – فيدرالية – حكم ذاتي – لا مركزية أو إدارة محلية…).
دور قيادة الإقليم في تنظيم العلاقات القومية
من المعلوم أن الحركة القومية الكردستانية بشكلها العام، وبالإضافة إلى اختلافات خصوصياتها، فإنها تعاني من أزمة في العلاقات البينية، حيث لا نجد إطاراً واضحاً في تنظيم علاقاتها، بل وبكل أسف ما زال العداء مستشرياً بين بعض أطرافها، والنزيف مستمر بغير محله، لذلك تقتضي الحاجة الماسة إلى معالجة هذا الأمر بالسرعة الممكنة، وإرساء قاعدة ديموقراطية أخوية للعلاقات عبر وضع مبادئ، ومرتكزات توافقية، ولا شك أن الإقليم عموماً مؤهل للقيام بدور إيجابي في هذا المجال، وأن الأخ كاكة مسعود بارزاني، لما يتمتع به من احترام، باستطاعته القيام بلم شمل الأشقاء.