سوريا: عقود من التهميش والإنكار بحق الأكراد

أزاد خليل 
لطالما شكل الأكراد، كثاني أكبر قومية في سوريا، جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للبلاد. ومع ذلك، شهدت فترات حكم حزب البعث سلسلة من السياسات الممنهجة التي هدفت إلى تهميش وإقصاء هذه القومية، وممارسة أشكال مختلفة من التمييز والإنكار بحقها. اتسمت هذه السياسات بطابع عنصري واضح، تجلى في محاولات التعريب القسرية، وقمع الهوية الثقافية واللغوية، والتضييق على الحريات، والإهمال المُتعمّد للمناطق ذات الأغلبية الكردية.
سياسات التعريب القسرية:
سعى نظام البعث إلى فرض الهوية العربية على جميع مكونات المجتمع السوري، وشمل ذلك محاولات تغيير التركيبة الديموغرافية للمناطق الكردية من خلال سياسات التعريب. تمثلت هذه السياسات في تغيير أسماء المدن والقرى الكردية إلى أسماء عربية، على سبيل المثال تغير أسم مدينة كوباني الى عين العرب ، و مدينة كري سبي الى تل ابيض
ومدينة سري كاني / الى رأس العين ومنع استخدام اللغة الكردية في المؤسسات الرسمية والمدارس ووسائل الإعلام. كما شجعت الحكومة هجرة العرب إلى المناطق الكردية، بهدف تغيير التركيبة السكانية لصالح العرب.
منع اللغة الكردية وقمع الهوية الثقافية:
حُرم الأكراد من حقهم في تعلم لغتهم الأم في المدارس الحكومية، ومُنع استخدامها في المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام. كما تم حظر نشر الكتب والمطبوعات الكردية، وقُمعت أي محاولات لإحياء الثقافة والتراث الكردي. هدفت هذه السياسات إلى طمس الهوية الكردية وإذابتها في الهوية العربية.
الاعتقالات والتضييق على النشطاء الأكراد:
واجه النشطاء والسياسيون الأكراد قمعًا شديدًا من قبل الأجهزة الأمنية، وتعرضوا للاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة. زُج بالكثير منهم في السجون والمعتقلات، حيث تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة. هدفت هذه الإجراءات إلى إسكات أي صوت مُطالب بالحقوق القومية للأكراد.
منع الاحتفالات الوطنية الكردية، وعلى رأسها نوروز:
مُنع الأكراد من الاحتفال بأعيادهم الوطنية، وعلى رأسها عيد نوروز، الذي يُعتبر رمزًا للهوية والتراث الكردي. واجهت أي محاولات للاحتفال بنوروز بالقمع والاعتقالات. هدفت هذه الإجراءات إلى منع أي مظاهر للاعتزاز بالهوية الكردية.
مشروع الحزام العربي:
يُعتبر مشروع “الحزام العربي” من أبرز السياسات العنصرية التي مورست ضد الأكراد. تم تنفيذ هذا المشروع في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهدف إلى إخلاء مناطق واسعة على طول الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا من سكانها الأكراد، وإعادة توطينها بعرب. تسبب هذا المشروع في تهجير آلاف الأكراد من أراضيهم، وتغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة.
الإهمال المُتعمّد للمناطق الكردية:
عانت المناطق ذات الأغلبية الكردية من إهمال مُتعمّد في التنمية والخدمات. تم تهميش هذه المناطق اقتصاديًا واجتماعيًا، وحُرم سكانها من فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية. ساهم هذا الإهمال في تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأكراد.
التهميش والتمييز العنصري:
نتيجة لهذه السياسات الممنهجة، تم التعامل مع الأكراد كمواطنين من الدرجة الثانية في سوريا. واجهوا تمييزًا عنصريًا في جميع جوانب الحياة، من الحصول على فرص العمل والتعليم والسكن، إلى المشاركة في الحياة السياسية والعامة.
الخلاصة:
تُعتبر السياسات التي مورست ضد الأكراد في سوريا إبان حكم حزب البعث انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. تسببت هذه السياسات في تهميش وإقصاء قومية كبيرة، وقمع هويتها الثقافية واللغوية، وممارسة أشكال مختلفة من التمييز العنصري بحقها. من الضروري الاعتراف بهذه الحقائق التاريخية، والعمل على جبر الضرر الذي لحق بالأكراد، وضمان حقوقهم المُتساوية في إطار دولة سورية ديمقراطية تعددية. يجب أن يكون الاعتراف بحقوق الأكراد جزءًا أساسيًا من أي حل سياسي مُستقبلي في سوريا، لضمان بناء مُجتمع مُتسامح ومُتساوٍ لجميع مُكوناته.
*كاتب وباحث سوري

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما الموحدون الدروز يبلغ عددهم 800 ألف نسمة في سورية، ويسكن غالبيتهم جنوب البلاد، أما الكرد فيبلغ عددهم مليوني نسمة وربما أكثر، ويسكن غالبيتهم شمال وشمال شرق البلاد. لا توجد إحصاءات رسمية موثقة يمكن الاعتماد عليها بهذا الصدد، والأرقام أعلاه هي للأسف أرقام تقريبية غير دقيقة، عكس الآتي أدناه، فهي حقائق جازمة لا ريب فيها. تعرض الدرزي السوري على…

ا. د. قاسم المندلاوي النفوس المريضة في بغداد لا ترتاح لما يحدث من تقدم و تطوير و ازدهار وامن واستقرار وتعايش سلمي في اقليم كوردستان ، ثقيل على عقولهم رؤية هذه التطورات بسبب كرههم وحقدهم الا محدود للكورد ، لذا يحاربون الشعب الكوردي وحكومة الاقليم بابشع الاساليب السيئة ” قطع الارزاق ” منع صرف رواتب الموظفين و المتقاعدين بحجج…

ماجد ع محمد بالرغم من أنَّ التصرف الأخير للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الذي تمثل في حرصه الشديد على خلاص ذاته وأسرته القريبة فقط، وعدم إخبار حتى أقرب الناس إليه من محيطه العائلي أو السياسي بما سيُقدم عليه في اللحظات المصيرية، يظهر بوضوحٍ تام أنه شخص أناني وانتهازي ومريض نفسياً وغير معني أصلاً بمصير بالطائفة التي يدّعي الاِنتماء…

صلاح بدرالدين ملاحظة برسم شركاء الوطن باالإدارة الانتقالية واذا كان من حق الإدارة العسكرية ذات اللون الواحد تسييرشؤون البلاد بعد نيلها شرف اسقاط نظام الاستبداد – وهو عمل يحظى بكل التقدير – من جانب معظم السوريين الذين ناضلوايضا منذ عقود، وساهموا في اضعاف النظام، وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الجسام، ولاشك انهم يتاملون ان يتم تنظيم الحوارات الداخلية…