سوريا بين مطرقة الفراغ السياسي وسندان الشرعية

أزاد خليل* 
بعد أكثر من عقدٍ من الحرب والصراع، وفي ظل فراغ سياسي متزايد، أعلن أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام، نفسه رئيساً للمرحلة الانتقالية في سوريا. هذه الخطوة، التي يعتبرها البعض “محاولة لملء الفراغ”، تثير تساؤلات حول شرعيتها وإمكانية نجاحها في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه سوريا.
يرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تكون محاولة لترسيخ حكم الفرد، بدلاً من تأسيس نظام حكم قائم على المشاركة والتعددية. وبينما لا يزال الجدل محتدماً حول مدى قدرة هذا الإعلان على تحقيق الاستقرار، فإن أي حل سياسي مستدام يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التعددية القومية والدينية في سوريا، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد يضمن حقوق جميع مكوناتها.
  1. شرعية متنازع عليها: بين الواقع العسكري والمشروعية السياسية
أ. بين القوة والتفويض الشعبي
يرى البعض أن إعلان الشرع نفسه رئيساً للمرحلة الانتقالية يفتقر إلى التفويض الشعبي، وهو أمرٌ أساسي لاكتساب الشرعية في أي عملية انتقالية.
  • الدستور السوري (2012): لا يعترف بأي حكومة تُعلن نفسها دون انتخابات شرعية، حتى في ظل نظام الأسد الذي أجرى انتخابات (وإن كانت صورية) في 2014 و2021.
  • القانون الدولي: لا يمنح الشرعية لحكومات يتم تشكيلها دون توافق داخلي ودعم شعبي واسع.
ب. مخاوف من تكريس حكم الفرد
يرى مراقبون أن إعلان الشرع نفسه رئيساً قد يعزز منطق الاستفراد بالسلطة، بدلاً من تحقيق الهدف الأساسي للثورة السورية، وهو الانتقال إلى حكم ديمقراطي تعددي.
  • إقصاء القوى السياسية: لم يتم التشاور مع جهات سياسية معارضة مثل الائتلاف الوطني السوري أو المجالس المحلية، مما يثير مخاوف من إقصاء العمل السياسي لصالح العسكرة.
  • تعزيز هيمنة الفصائل المسلحة: الاعتماد على القوة العسكرية فقط لإدارة المناطق قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الأنظمة الاستبدادية بشكل مختلف.
  1. التحديات الداخلية: هل يمكن تحقيق التوافق الوطني؟
أ. حقوق الكرد: قضية جوهرية في مستقبل سوريا
يشكّل الكرد حوالي 15% من سكان سوريا، ولعبوا دوراً محورياً في محاربة الإرهاب وإدارة مناطقهم من خلال الإدارة الذاتية الديمقراطية. لكن مستقبل العلاقة بين الكرد والسلطة الجديدة في إدلب يبقى غير واضح، خاصة في ظل عدم تقديم رؤية سياسية شاملة تعالج حقوقهم وتطلعاتهم.
  • الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية: من الضروري ضمان حقوق الكرد في المشاركة السياسية والإدارية، بما في ذلك الاعتراف بلغتهم وثقافتهم ضمن الدستور السوري المستقبلي.
  • القصف التركي لشمال سوريا: لا يمكن تحقيق الاستقرار في سوريا دون موقف واضح تجاه القصف التركي المستمر لمناطق كردية، حيث تعرّضت أكثر من 200 قرية كردية للقصف في عام 2023، وفقاً لتقارير “هيومن رايتس ووتش”.
ب. الدروز: الحياد تحت التهديد
لطالما حاول الدروز في السويداء الحفاظ على موقف محايد، لكن تصاعد نفوذ الفصائل المسلحة في الشمال السوري قد يشكل تهديداً لاستقرارهم.
  • رفض سلطة الفصائل المسلحة: زعماء دروز أعلنوا موقفاً واضحاً بعدم الاعتراف بالشرع رئيساً، وبدأوا في تنظيم قوات محلية لحماية مناطقهم.
  • ضرورة الاعتراف بالتعددية: أي حل مستدام لسوريا يجب أن يعترف بالدور التاريخي والسياسي للدروز، ويضمن لهم التمثيل السياسي والإداري دون فرض وصاية من أي طرف.
ج. الحاجة إلى مصالحة وطنية شاملة
لا يمكن تحقيق استقرار طويل الأمد دون عملية مصالحة وطنية قائمة على العدالة الانتقالية. لا بد من تجاوز أخطاء الماضي وإيجاد آلية تضمن العيش المشترك بين جميع السوريين.
  • العدالة بدلاً من الانتقام: الحل لا يكمن في محاولات فرض الأمر الواقع بالقوة، بل في بناء دولة قانون تضمن حقوق الجميع.
  • المواطنة أساس الحكم: على سوريا الجديدة أن تكون دولة مواطنة، لا دولة قائمة على الانتماء الطائفي أو القومي، وهو ما يتطلب وضع آليات واضحة للعدالة الانتقالية والحوار الوطني.
  1. التحديات الإقليمية والدولية: دعم أم استغلال؟
أ. تركيا: حليف أم مصلحة مؤقتة؟
تركيا تدعم بعض الفصائل المسلحة في الشمال السوري، لكنها لا تقدم دعماً غير مشروط، بل تعمل وفق مصالحها الاستراتيجية.
  • تحالف هش: كما تخلّت تركيا عن بعض الفصائل في السابق، قد تتخلى عن أي جهة إذا تعارضت مع مصالحها.
  • قضية الكرد: الموقف من الوجود الكردي في شمال سوريا لا يزال أحد العوامل الحاسمة في علاقة تركيا بأي سلطة جديدة في إدلب.
ب. الغرب: تحفظ مشوب بالحذر
الولايات المتحدة وأوروبا لم تعترف بتنصيب الشرع رئيساً، خوفاً من ارتباطه بجماعات إسلامية متشددة. لكن في حال تقديم ضمانات بالتزامه بمحاربة الإرهاب، قد يصبح خياراً مقبولاً للبعض في مواجهة النفوذ الإيراني والروسي.
  1. نحو عقد اجتماعي جديد لسوريا المستقبل
سوريا ليست دولة أحادية الهوية، بل هي فسيفساء قومية ودينية تحتاج إلى نظام يضمن حقوق الجميع.
أ. دستور جديد ضامن للتعددية
  • الاعتراف القانوني بالتنوع القومي: يجب أن يضمن الدستور تمثيلاً متساوياً للكرد، والعرب، والدروز، والسريان، وغيرهم.
  • لا مركزية إدارية: تطبيق نظام لامركزي يتيح لكل منطقة إدارة شؤونها الداخلية، بما يحقق التوازن بين وحدة الدولة وحقوق المكونات المختلفة.
ب. المصالحة الوطنية: ضرورة لا مفر منها
 هيئة للحقيقة والمصالحة: على غرار التجربة الجنوب أفريقية، يمكن تشكيل هيئة تكشف الانتهاكات السابقة وتعمل على تحقيق العدالة الانتقالية.
حكومة وحدة وطنية: يجب أن تضم العملية السياسية الجديدة ممثلين عن جميع الأطراف، لضمان شراكة حقيقية في بناء مستقبل البلاد.
سوريا بحاجة إلى رؤية جامعة
إعلان أحمد الشرع نفسه رئيساً للمرحلة الانتقالية هو تطور يعكس تعقيدات المشهد السوري، لكن نجاح أي عملية سياسية يتطلب أكثر من مجرد إعلان، بل يحتاج إلى توافق وطني ودولي على رؤية تضمن حقوق جميع السوريين.
  • الاعتراف بحقوق الكرد كجزء أساسي من مستقبل سوريا.
  • تمثيل الدروز والمكونات الأخرى في أي عملية سياسية قادمة.
  • تبني عقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة والعدالة.
إن مستقبل سوريا لا يجب أن يكون رهينة لحكم الفرد أو لمعادلات إقليمية، بل يجب أن يكون مشروعاً وطنياً قائماً على الحقوق والمشاركة. فهل نحن أمام بداية جديدة، أم أننا نعيد إنتاج أخطاء الماضي؟
*كاتب وباحث سياسي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خورشيد شوزي في ظل الأوضاع المعقدة التي تشهدها سوريا، يبقى النهج الإقصائي الذي تمارسه سلطات الأمر الواقع أحد العوامل الأساسية في تعميق الأزمات بدلاً من حلها. فالتهميش المستمر ورفض التعددية السياسية يضعف أسس الاستقرار، ويؤدي إلى إعادة إنتاج أخطاء الماضي. أي سلطة تسعى إلى بناء دولة قوية ومستقرة لا بد أن تعتمد على مبدأ الشراكة الوطنية، وتعزز التعددية…

نارين عمر   يبدو أنّه علينا كشعب أن نعيش عمرنا بين تساؤلات واستفسارات موجّهة إلى مختلف قيادات الحركة الكردية والأطراف التي ترى نفسنا أنّها تمثّلنا في سوريا دون أن نتلقى إجابات واضحة منهم تهدّئ من صخب فكرنا وتنعش النّفس ببعض الآمال المحققة لطموحاتنا وحقوقنا. في اتفاق أسموه بالتّاريخي بين “قسد” وحكومة دمشق تمّ طرح عدّة بنود منها: (( دمج قسد…

درويش محما قد تصبح الامور عصية على الفهم في بعض الاحيان، وضبابية غير واضحة، حينها يجد المرء نفسه في حيرة من امره، ازاء سلوك او تصرف معين يقدم عليه شخص ما، والسبب بكل بساطة، يكمن في عدم معرفتنا للهوية الحقيقية للشخص صاحب التصرف والسلوك. اما ماهية الهوية كمفهوم، فهناك اجماع على تعريفه، بمجموعة السمات والخصائص المميزة لفرد ما بعينه،…

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…