سوريا بين الوحدة المستحيلة والتقسيم كخيار واقعي: قراءة في مستقبل التعايش المشترك

روني آل خليل  

 

إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب غياب منظومة حكم عادلة تحفظ حقوق الجميع دون تمييز.

لقد أثبتت العقود الماضية أن المركزية الشديدة، وسياسات الإقصاء، ومحاولات فرض هوية واحدة على مجتمع متعدد، كانت سببًا رئيسيًا في تفجر الأزمات. ومع تكرار محاولات إعادة بناء الدولة بنفس الأساليب القديمة، بات من الواضح أن فكرة “التعايش المشترك” لم تعد واقعية في ظل عدم وجود ثقة بين المكونات المختلفة.

الحل الأمثل ربما يكمن في إعادة التفكير بشكل جدي في نموذج حكم جديد، قد يكون على شكل نظام فيدرالي أو أقاليم ذاتية لكل من الكرد والعلويين والدروز، مع ضمان وحدة الأراضي السورية تحت إطار سيادي مشترك. مثل هذا النموذج يمكن أن يضمن لكل مكون إدارة شؤونه الذاتية، مع الحفاظ على إطار وطني عام يربط الجميع بمصلحة مشتركة.

إن الاستمرار في إنكار هذه الحقائق أو التمسك بشعارات مثالية لن يؤدي إلا إلى المزيد من الصراعات وربما حرب طائفية لا نهاية لها. لذلك، لا بد من شجاعة سياسية كافية للاعتراف بأن سوريا المستقبل لا يمكن أن تُبنى بالعودة إلى الماضي، بل عبر تبني حلول جذرية وجريئة تضمن حقوق الجميع.

إن التقسيم الإداري أو الحكم الذاتي ليس بالضرورة بداية لتقسيم البلاد؛ بل يمكن أن يكون طريقًا لضمان السلام والاستقرار ومنع تكرار مآسي الحرب التي عاشها السوريون لعقد من الزمن.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يمتلك السوريون والإرادة الدولية الشجاعة لاعتماد هذا الحل قبل فوات الأوان؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…

عبد الرحمن الراشد كثيرٌ ظهرَ وقيلَ عن سجونِ بشارِ الأسد. هناكَ نحوُ مائتي ألفِ سجينٍ ومختفٍ، لكنَّ الحقيقةَ هو أنَّه لم يكنْ من بدأ العنفَ سياسةً للسيطرة، بل ورثَ الفكرةَ والوظيفةَ والمؤسساتِ من والدِه. فقد اعتمدَ الأبُ، حافظُ الأسد، على علاقةٍ استراتيجيةٍ مع الاتحاد السوفياتي، ساعدتْه، مع ألمانيا الشرقية، ونقلتْ إليه تقنيةَ القمعِ الممنهج. ليسَ صدفةً أنَّ نظامَ الأسدِ الحديديَّ…