خالد بهلوي
عاش الإنسان السوري سنوات طويلة في خوف ورعب؛ خوفًا من البراميل المتفجرة، والغرق في البحار أثناء الهجرة، والفقر والجوع، والخوف على مستقبل الأجيال المتعاقبة وتعليمهم. من الطبيعي أن تنتهي كل هذه العوامل مع نهاية حكم الطاغية بشار الأسد، الذي خلق الخوف والرعب لكل أسرة بنِسبٍ وأشكال مختلفة.
بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية في العديد من الدول، غالبًا ما يحدث فراغ أمني وسياسي يؤدي إلى انتشار الفوضى أو صراعات بين الفصائل المختلفة، خاصة إذا كانت تلك الفصائل مرتبطة بأجندات خارجية، تنفّذ تعليمات تلك القوى وتسهر على مصالح الدول الإقليمية، متناسيةً مصلحتها ومصلحة بلدها.
خير مثال على ذلك ما يحدث في كوباني من اقتتال بين السوريين أنفسهم تنفيذًا لأجندات إقليمية. البعض يخشى أو يروّج لفكرة السقوط في النموذج الليبي أو اليمني، ويخشون أن تسير بلادهم في هذا الاتجاه، خاصة مع وجود تعددية واسعة في القوى المسلحة والأحزاب والقوى السياسية على الأرض.
سوريا ساحة صراعات معقدة
كانت سوريا ساحة لصراعات إقليمية ودولية معقدة. يأمل المواطن السوري أن تنتهي التدخلات الخارجية، لأنها تزيد من تعقيد المشهد وتؤثر بشكل سلبي على القرار السوري المستقل.
الخوف لم يكن فقط من السلطة الأمنية، بل أيضًا من القيادات المحلية والفصائل المسلحة التي امتلكت المال والسلاح، واستغلت قوتها وجبروتها في استعباد وظلم الآخرين، والهيمنة على ممتلكاتهم دون حق.
كانت الضريبة كبيرة، والتضحية غالية. بفضل القيادات الحالية، حان الوقت لأن يرتاح المواطن ويتخلّص من كل العوامل التي كانت تخيفه وتجعله يعيش في رعب وقلق دائمين.
كل تلك العوامل السابقة كانت عاملًا مهمًا في تكبيل طاقات الإنسان، خاصة الفكرية منها، وطاقات النقد البنّاء بقصد الإصلاح والبناء الحر. لذلك، فإن الأمان والاستقرار هما البوصلة، ومحفز للاجتهاد وحافز للعمل من أجل سلامة الوطن والمواطن، نحو مستقبل أفضل في كل مجالات الحياة اليومية.
الحرب والانقسامات
سنوات الحرب الطويلة خلّفت انقسامات عميقة بين مختلف فئات الشعب السوري (طائفية، سياسية، جغرافية). الخوف من الانتقام أو التصفيات قد يدفع البعض للشعور بعدم الأمان، حتى بعد نهاية النظام.
لا بد من وضع خطة واضحة لإعادة بناء مؤسسات الدولة وضمان وجود حكومة تشاركية قوية وفعالة. إن حالة عدم اليقين قد تجعل المواطنين يشعرون بالقلق بشأن المستقبل.
حتى بعد زوال النظام، سيحتاج المواطن السوري إلى مواجهة تحديات اقتصادية هائلة، مثل تأمين أبسط مستلزمات الحياة المعيشية، وتوفير السكن، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب من بشر وحجر، والقضاء على البطالة، وإعادة اللاجئين. ومن الضروري أيضًا استعادة العقول المهاجرة، إذ يعمل 5400 طبيب سوري في ألمانيا، يخدمون المجتمع الألماني والجاليات العربية بشكل خاص.
تحويل الخوف إلى دافع
الخوف يجب أن يتحول إلى دافع للعمل المشترك من أجل مستقبل أفضل، بدلًا من أن يكون سببًا لليأس أو الجمود.
سوريا يجب أن تتسع لجميع أبنائها؛ وطن ينهض من ركام الاستبداد ليعيد إحياء قيم الحرية والعدالة والمساواة.
السوريون اليوم يعيشون في وطن دُمّر بنيانه، وتهدّم اقتصاده، وتشرد أهله. الأولوية القصوى يجب أن تكون لتأمين المأوى لملايين النازحين واللاجئين، وضمان حقهم في حياة كريمة تبدأ بتوفير الغذاء، والرعاية الصحية المجانية، والتعليم. هذا إلى جانب وضع خطة شاملة لإعادة طوعية للعقول السورية المهاجرة التي أُجبرت على مغادرة البلاد.
نحو سوريا المستقبل
لا بد من نشر ثقافة الديمقراطية، وترسيخ قيم حرية الرأي والإعلام، وتعزيز روح المحبة والتسامح والسلام. سوريا المستقبل يجب أن تكون وطنًا يتسع للجميع بلا إقصاء أو تهميش، حيث يعيش كل مواطن بكرامة وعدالة، وحيث يتحقق التكافؤ بين أفراد المجتمع وتُضمن حقوقهم الأساسية.
هذه التحديات قد تخفف من مشاعر الخوف وتزيد الثقة بمستقبل مشرق للجميع، وهذا يعتمد على إدارة المرحلة الانتقالية بحكمة وتشاركية.
إن بناء سوريا الجديدة هو حلم كل سوري، ويتطلب إرادة صادقة وجهودًا جماعية. سوريا يجب أن تكون لكل أبنائها، حيث يُعاد إعمار الإنسان قبل العمران. إن إعادة بناء سوريا ليست مجرد مشروع سياسي أو اقتصادي، بل هي استعادة للوطن الذي يجب أن يكون نموذجًا للحرية والكرامة .