سلطة الوهم والقوة

فرحان كلش
تشهد سوريا جدلاً سياسياً واسعاً حول كيفية إعادة هيكلة الدولة السورية على أنقاض عملية التدمير التي أصابت كل مرافقها في ظل صراع دموي امتد لأكثر من عقد من الزمن.
تطرح إدارة( هتش) – حسب ما هو معلن حتى الآن- فكرة انعقاد مؤتمر وطني مؤلف من (1200) شخصاً يمثلون التنوع الطائفي والديني والقومي …..في سوريا وصولاً إلى صياغات سياسية ودستورية تخص بناء وإدارة الدولة المستقبلية.
 قد يبدو من اللحظة الأولى أن هذه الخطوة هي الانطلاقة الحاسمة في تحديد مستقبل سوريا بالعموم، غير أن النيات تبقى هي الأهم في انجاح أية فكرة، هذه النيات التي ستُبث في تفاصيل هكذا خطوة ستحدد منحاها بالأخير.
أن الإجراءات التي تتخذها الإدارة الجديدة على الأرض تهدف إلى تأسيس حالة أمر واقع سيكون من الصعب العمل بخلافها، بل ستتحول هذه الوقائع إلى مجرد باحثة عن اعتراف وشرعية سواء داخلياً من خلال هذا المؤتمر ( إذا انعقد ولم يستبدل بصيغة أخرى، كاجتماع قوى الأمر الواقع على الجغرافيا السورية)أو اعتراف دولي من خلال هذه الخطوات التي تحمل على الشكل الخارجي لها جّلّ أهدافها.
وإذا سألنا بتجرد؛ من هي القوة التي ستختار وتدعوا المؤتمرين؟
من سيكتب جدول أعمال هذا المؤتمر؟
من سيمويل، من سيؤمنها أمنياً، أي تحت حربة مَن سينعقد المؤتمر؟
وهل هذا ال 1200 شخص سيمثلون حقيقة الشعب السوري في الشتات والمخيمات وظروف قاهرة في كل بقعة سورية؟
من الملاحظ تماماً أن هذه المؤتمر هو للدعاية الجالبة للشرعية لإدارة لاتحمل غير شرعية(الانتصار العسكري) على سلطة الأسد غير المأسوف عليها.
وطلب الشرعية في ظروف استثنائية، تتجلى في حالة استقطاب طائفية حادة، سلطات أمر واقع انتزعت الانتماءات المحلية بحكم الواقع من السوريين الذين يعيشون في ظلال رؤاها وسلاحها، حالة اللاحرية التي عاشها السوريون كل هذه العقود افقدتهم بوصلة الاختيار الصائب بل ولدت لديهم هويات بديلة احياناً كثيرة لا تخدم الوطنية السورية كالطائفية والتقوقع الجغرافي وتبني أفكار ضارة بقيم المجتمع(فداعش مثلاً مرَّت بمناطق مختلفة في سوريا وأسست لها حواضن اجتماعية، مازالت تتبنى فكرها إلى اللحظة)إن ما سوف يُسمى لاحقاً بأنه خيار الشعب هو إدعاء باطل قائم على وهم أن يختار شخص غير حر بحكم الظروف سلطة شرعية.
وحسبنا القول أن الإدارة القائمة هي إدارة بالقوة وغير ناتجة عن عملية سياسية وفق أسس متفق عليها كقرارات الأمم المتحددة مثلاً، إنها إدارة التواجد بالصدفة السياسية في دمشق، لذلك من المبكر تماماً أن نقول أن مؤتمراً سينبثق عن رغبة 23 مليون سوري وسترسم مستقبله ومستقبل دولته.
إنه مؤتمر الوهم القائم على صيغة الصياح لكم والقرار لنا، الكل سيصرخ ومن سيلخص ما سيقال في مكان آخر، فسوريا ليست أثينا ليقرر شعبها ديمقراطيتهم وشكل الدولة التي سيعيشون تحت دستورها وقراراتها.
إنها سوريا التي ينتشر السلاح حتى في دور المياه فيها، والإرهابيون يظهرون على الشاشات بلحمهم ودمهم على كامل ترابها، وتحاول الإدارة الحالية انتزاع ما يلزمها سياسياً وعسكرياً من جمهرة من الناس هي من دعتهم، وهي من ستديرهم، و تمنحهم حرية الكلام تحت سلطة السلاح، آنه التزاوج القسري بين الوهم القائم على امكانية أن يقوم الشعب السوري في هذه اللحظة الرمادية باختيار من يمثلونه بحرية غير مشوهة، وبين القوة التي أسقطت نظام مارس السلطة بالقوة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…