زيارة ترامب إلى الرياض: سوريا على طاولة التفاهمات

م.اياز خلف

في زيارة تحمل رمزية عالية، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السعودية مجددًا كمحطته الخارجية الأولى في ولايته الثانية، في مشهد يعيد إلى الأذهان زيارته الأولى عام 2017. هذه الخطوة ليست بروتوكولية فحسب، بل تشير إلى أن الرياض ما تزال مركز ثقل إقليمي لا يمكن تجاهله، خصوصًا في الملفات الحساسة والمتشابكة، وعلى رأسها الملف السوري.

تأتي زيارة ترامب في لحظة مفصلية عقب سقوط النظام السابق في سوريا وتولي أحمد الشرع الرئاسة الانتقالية. ورغم هشاشة شرعية النظام الجديد، فإن التحدي الاقتصادي الناجم عن العقوبات الغربية يحتل الأولوية. في هذا الإطار، تبرز تركيا كلاعب محوري، خاصة بعد المكالمة الإيجابية بين أردوغان وترامب، ما يفتح باب النقاش حول إمكانية تخفيف العقوبات تدريجيًا إذا أبدت دمشق التزامًا فعليًا بالانفتاح السياسي والتوازن الإقليمي.

لكن المقابل الأمريكي ليس بسيطًا. واشنطن، كما بيّن ترامب بوضوح في أكثر من مناسبة، لا تسعى فقط إلى استقرار سطحي في سوريا، بل إلى أمن شامل يحمي مكوّنات المجتمع السوري بتنوّعاته. يأتي في مقدمة أولويات الولايات المتحدة ضمان حماية الأقليات، بدءًا من الدروز، فالعلويين، ثم المسيحيين، بالإضافة إلى الطوائف والأعراق الأخرى التي لطالما كانت عرضة للاضطهاد أو الاستغلال خلال سنوات الحرب. هذه المسألة تحتل حيزًا متقدمًا في أي نقاش أمريكي بشأن مستقبل سوريا.

لكن الملف الأهم، والذي يكاد يكون العقدة الحقيقية في العلاقات السورية-الأمريكية، هو الملف الكردي. قوات سوريا الديمقراطية، الحليف الأبرز للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، تظل ورقة استراتيجية لا تنوي واشنطن التفريط بها. ولذلك فإن السؤال المطروح أمام الرئيس أحمد الشرع ليس فقط كيف سيتعامل مع هذه القوات، بل كيف سيوفّر لها شراكة متوازنة تضمن لها الاعتراف السياسي والحقوقي، دون المساس بوحدة سوريا أو فتح المجال لصراعات داخلية جديدة. التحدي هنا يكمن في إعادة دمج هذه القوات ضمن نسيج الدولة، مع الحفاظ على خصوصيتها كقوة قاتلت الإرهاب جنبًا إلى جنب مع التحالف الدولي. أما مطلب اللامركزية الذي يطرحه الأكراد، فيبقى محل نقاش دقيق، يتراوح بين الحكم الذاتي الإداري وبين الخوف من بوادر تقسيم فعلي.

ضف إلى ذلك ملف الكبتاغون الذي يثير قلقًا متصاعدًا لدى دول الجوار، ويعد عنصر توتر إضافيًا في تقييم شرعية النظام السوري الجديد.

ومع كل هذه الحسابات، يبقى الشرع، رغم شرعيته كرئيس انتقالي، محل تردد أوروبي. ماضيه، بما فيه من ارتباطات جهادية ودورٍ مبهم في أحداث الساحل والسويداء، لا يزال يثير الحذر في العواصم الغربية، التي تنتظر إشارات أو ضمانات إقليمية، ربما من الرياض أو واشنطن، قبل أن تمنحه ما يشبه الاعتراف.

وبينما تتقاطع الملفات وتعقّد الأجندات، تبدو زيارة ترامب هذه المرة أعمق من مجرّد رسالة دعم أو بروتوكول سياسي. إنها زيارة ترسّخ معادلة جديدة في الشرق الأوسط: السعودية شريك، وسوريا مفتاح، وتركيا طرف لا يمكن تجاوزه، وأمريكا تعود لتعيد ترتيب الأولويات – لا من موقع القوة وحدها، بل من بوابة “الفرصة”، إن أحسن الشرق الأوسط فهم معانيها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…