عبداللطيف محمدامين موسى
إن دلالات عودة التصعيد في المناطق الشمالية والشمالية الغربية في سورية إلى الوجهة في هذا التوقيت تضع المتتبع للشأن العام في الشرق الأوسط وسورية على وجه الخصوص امام تساؤلات عديدة أهمها تتمثل في ما الطارئ الذي إستجد على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي لإعادة حلب السورية إلى واجهة الصراع العسكري, ولاسيما أن مستوى التصعيد في تلك المنطقة يخضع لتفاهمات روسية تركيا وإيرانية, وكذلك ما الأجندات والمكاسب والاستراتيجية التي يحاول أروغان المراهنة عليها من جديد في سوريا, وما الجديد الذي إستجد في تنسيق المصالح المستمر بين تركيا روسيا طيلة فترة الأزمة السورية, وما الجديد في تدهور العلاقة في المصالح بين تركيا و إيران على المنطقة الشمالية والشمالية الغربية في سورية, وهل استراتيجية أدارة ترامب التي ستعتمد على ميزان الشراء والبيع والمراهنة على المصالح في سورية قد بدأت تلقي بظلالها من الأن في إعادة تموضع ميزان القوى في سورية. أن جملة التساؤلات المرتبطة بالأزمة السورية تضع القارئ الكريم امام إستنتاجيين اساسين و الأولى تتمثل في أن التشخيص الحقيقي للأزمة السورية تتمثل بأنها أزمة نتاج أزمات عديدة في المنطقة ولا يملك منها الشعب السوري سوى المعاناة والتهجير والقتل وتفكيك بنية المجتمع السوري وغياب وانهيار كافة ملامح الدول السورية وتلاشي السيادة, والأمر الثاني والأكثر أهمية يتمثل في أن إعادة التصعيد في سورية مرتبطة بالتحولات والمستجدات المتسارعة في إعادة هيكلة بناء الاستراتيجيات وفضاء المصالح في المنطقة. لاشك بأن أزمات كثيرة قد القت بتأثيها المباشر على إعادة التصعيد في حلب منها وكلاء الصراع الأمريكي والإيراني في المنطقة وتأثيرات ذلك الصراع بين تركيا وروسيا ودورهم المباشر للإنخراط في الازمة السورية, وكذلك هذه المناطق التي تم إعادة التصعيد فيها تخضع للمراقبة والتفاهمات الروسية والتركيا والإيرانية وتسمى مناطق بوتين أروغان والتي تم إستئناف العمليات فيها لم تُستئنف منذ 2019.بالنسبة لتركيا فهي تعتبر اللاعب الاساسي والمنخرط المباشر في الأزمة السورية من خلال دعمها العلني للفصائل السورية ومعادة النظام السوري والباحثة عن إعادة بنية الهيكلة السياسية لإدارة حكم دمشق, والباحثة عن مصالحها في سورية وذات التنسيق المباشر مع الروس في أدارة الملف السوري طيلة سنوات الأزمة, لربما تعتبر المبادر الاساسي لإعادة التصعيد في سورية عبر دعمها المباشر لقوات المعارضة في الصراع الميداني للبحث عن تعزيز مكاسبها وإعادة رسم وبلورة استراتيجيتها في سورية لتناسب مزاج سياسة ترامب واستراتيجيته الجديدة في سورية, وكما أنها تريد إعادة دفع الروس إلى زيادة الضغط على الأسد لدفعه إلى القبول للتطبيع مع تركيا وفق الشروط التركيا, ولاسيما بعد أن إستنفذت كل التصريحات والمبادرات الدبلوماسية تجاه الروس فهي تريد أن ترسل رسائل واضحة للروس إما مزيداً من التصعيد أو تغير الخرائط على الأرض السورية أو دفع الأسد إلى التطبيع, وبالتالي هنا توجد قراءة تركيا لضرورة التباحث مع الأسد والتطبيع معه لمواجهة تغيرات قادمة في سورية مرتبطة بالصراع الإسرائيلي الإيراني ستلقي بظلالها وتأثراتها على سورية وتكون ذات تحدي كبير للأمن القومي التركي على حدودها الجنوبية, وكذلك تضارب المصالح التركيا الإيرانية كانت العامل الاساسي لإعادة عملية التصعيد ولاسيما في أجزاء كبيرة من تلك المناطق الدائرة فيها الصراع، وتكون بمثابة التهديد المباشر للمشروع الطائفي الإيراني في سورية من خلال مناطق النبل والزهراء وكفريا الخاضعة لنفوذ المليشيات الإيرانية ومعامل الدفاع القريبة من حلب التي تحاول أيران تطوير الأسلحة فيها لصالح مشروعها في سورية ولبنان, وبالطبع هذا التصعيد والتضارب في المصالح بين تركيا و إيران فهي ناتجة ومرتبطة بالمفاوضات الغير مباشرة بين إيران وأمريكا حول الحرب الدائرة بين إسرائيل ولبنان وحماس والضغط الإيراني لإنحسار الدور التركي وتقويض المبادرة التركيا في جعلها قوة مراقبة لتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان والضامنة لحماس في المفاوضات مع واشنطن, وكما أن تركيا تحاول أيضاً مغازلة أدارة ترامب بأنها منفتحة للمشاركة في ميزان المراهنات بالكثير من المناطق على حساب دفع أدارة ترامب للتخلي عن قسد بعد أن يئست مع أدارة بايدن في دفعها للتخلي عن قسد. بالنسبة للروس فأن استراتيجيتهم للبقاء في سورية مبنية على ثلاث مرتكزات اساسية الأولى تتمثل في عدم خسارة أخر قلاعهم في الشرق الأوسط بالتأكيد سورية, والثانية تتمثل في إظهار حليفهم بشار الأسد كالمنتصر ودعمه في المحافل الدولية وإظهار سورية كما وأنها ما قبل عام 2011,والثالثة تتمثل في العمل على دفع الكثير من الدول ولاسيما العربية إلى المشاركة في إعادة أعمار سورية, ولكن كالعادة تبادل مصالحها مع تركيا الشريك الاساسي المنخرط في الأزمة السورية تمر بمراحل متعددة من التوتر والاستقرار بحسب الظروف والتطورات والمستجدات المتسارعة فكلما مرت هذه المصالح بالتوتر والفتور بالتأكيد ستلقي بتأثيراتها المباشرة على الميداني السوري, وبالتالي هذا التصعيد على جبهة حلب يلخص تضارب المصالح الروسية والتركيا في هذه المنطقة ولاسيما أن تركيا لم تفي بالتزاماتها امام الروس والإيرانيين بفصل الفصائل المعارضة السورية عن الفصائل الارهابية, وكما أن تركيا لم تفي بالتزاماتها في إخراج الفصائل التي تعتبر جبهة النصرة السابقة والشيشان والتوركمنستان والفصائل الأخرى من ادلب والمناطق الشمالية الغربية التي تخضع للسيطرة التركية المباشرة عبر نقاطها المراقبة المنتشرة في سورية, وعلى ما يبدو لاحظت روسيا نشاط متزايد لمجموعات مناهضة لها ويعتقد بأنها مرتبطة بالاستخبارات الأوكرانية في تلك المناطق الخاضعة للسيطرة المعارضة السورية, وكما يتحاول روسيا أيضاً الدخول في ميزان البيع والشراء مع أدارة ترامب الجديدة في سورية ولاسيما الحديث التركي عن بدأ التنسيق مع أدارة ترامب حول بحث مستقبل القوات الأمريكية من سورية, وكما تريد روسيا دفع أدارة ترامب لإعادة التنسيق السياسي في سورية وبحث مستقبل قسد. بالنسبة لإيران والولايات المتحدة يستنتج المتابع السياسي للأحداث بأن ثمة مستجدات مرتبطة باتفاقيات غير مباشرة ناتجة عن اتفاقيات وقف النار في لبنان وغزة وبحث مسألة الوجود الإيراني في سورية ستطرح على طاولة البحث الغير المباشرة و ستلقي بتأثيراتها على المناطق الخاضعة للمليشيات الإيرانية في حلب وريف ادلب الشمالي الغربي. بالمحصلة, يمكن القول بأن مستوى إعادة التصعيد في سورية مرتبطة بالمستجدات والتطورات المتسارعة التي تعصف بالمنطقة والناتجة عن صراع المصالح بين الدول العالمية والإقليمية على حساب الشعب السوري وقضيته ومعانته التي تمثل سياسة صراع الأجندات والمصالح .