دعوة أوجلان للسلام: هل تغير مسار القضية الكوردية في سوريا؟

عبدالباقي اليوسف

 

دعا عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكوردستاني، حزبه إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، مشيرًا إلى تغير الظروف التي دفعت إلى تأسيس الحزب وتبني الكفاح المسلح، ومؤكدًا على ضرورة الاحتكام إلى الديمقراطية. جاءت هذه الدعوة بعد أن دعا زعيم الحركة القومية التركية، دولت بهجلي، إلى التوجه نحو السلام مع الكورد، وأيد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، دعوة بهجلي.

أثارت هذه الدعوة تساؤلات حول تأثيرها على الكورد في سوريا، إلا أن قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، أوضح أن الإعلان لا يعني حزبه وقواته.

منذ انطلاق الحركة السياسية الكوردية في سوريا، اعتمد الكورد النضال الديمقراطي السلمي كوسيلة للتعبير عن مطالبهم، لكنهم لم يجدوا أي تجاوب إيجابي من الأنظمة المتعاقبة. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، اضطر الكورد إلى حمل السلاح للدفاع عن مناطقهم ضد التنظيمات الإرهابية التي اجتاحت البلاد. لقد كان حمل السلاح بالنسبة للكورد خيارًا اضطراريًا، جاء كرد فعل على التهديدات المباشرة التي واجهها شعبهم ومناطقهم من قبل تلك التنظيمات الإرهابية، التي سعت إلى القتل والنهب وتهجير الكورد من ديارهم. والمفارقة أن نفس هذه التنظيمات، التي تحمل نفس الأيديولوجيات المتطرفة، هي التي تسيطر على سوريا اليوم.

نفذ حكام سوريا الجدد سلسلة من الإجراءات التي تتطلب عادة موافقة برلمان منتخب، مثل تغيير العلم الوطني والشعار الرسمي للدولة، بالإضافة إلى حل الجيش والقوى الأمنية والمؤسسات السيادية الأخرى. وعلى الرغم من مرور نحو ثلاثة أشهر على استيلائهم على السلطة، لم تتخذ هذه القوى أي خطوات إيجابية تجاه القضية الكوردية، مثل الاعتراف باللغة والثقافة الكوردية.

من جهة أخرى، ترفض تركيا بشدة أي كيان كوردي في اطار وحدة سوريا، وتتذرع بوجود حزب العمال الكوردستاني لتبرير تدخلاتها المستمرة في المنطقة، سواء عبر عمليات عسكرية مباشرة أو من خلال دعمها لقوات مرتزقة تحت مسمى “الجيش الوطني السوري”.

في ظل هذه التعقيدات، ووجود داعش، من غير المنطقي مطالبة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بإلقاء السلاح والدخول في حوارات مع السلطة الحاكمة الجديدة في دمشق. بالأمس فقط، شهدت دمشق مؤتمرًا للحوار الوطني، استبعد القائمون عليه أي تمثيل للمكونات السورية المتنوعة، متذرعين برفض المحاصصة الطائفية.

إن بقاء قوات قسد ضروري ليس فقط لحماية سكان شرق الفرات، بل أيضًا للحفاظ على توازن القوى في سوريا ككل. هذا التوازن ضروري حتى يتم التوصل إلى صيغة جديدة للدولة، ونظام سياسي ودستور يكفل حقوق وحريات جميع مكونات الشعب السوري، ويمنع عودة الاستبداد.  

يتضح يومًا بعد يوم أن تحقيق الاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط يتطلب حلًا عادلاً للقضية الكوردية في كل دولة من دول المنطقة. فالسلام الدائم لا يتحقق إلا بمعالجة هذه القضية بشكل جذري، مما يتيح للدول التركيز على مشاريع التنمية والبناء ومواكبة التقدم الحضاري. وفي سوريا على وجه الخصوص، يتطلب حل القضية الكوردية رؤية شاملة تتجاوز الحلول الجزئية، وتستدعي حوارًا وطنيًا يشارك فيه جميع أطياف الشعب السوري. فالاستقرار الحقيقي في سوريا لن يتحقق إلا بضمان حقوق الكورد، وإرساء نظام حكم يحمي التنوع ويمنع عودة الاستبداد، ويضمن مشاركتهم الفاعلة في رسم مستقبل البلاد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

منظمة حقوق الإنسان في عفرين أستُقبل وزير الثقافة في الحكومة الإنتقالية السورية محمد ياسين صالح و الوفد المرافق له في مدينة عفرين ، على أنغام الزرنة و الطبل من قبل أبناء المنطقة إلى جانب بعض من المواطنين العرب القاطنين منذ سنوات في المدينة ، وسط غياب أغلب رؤوساء البلديات و أعضاء منظمات و نشطاء المجتمع المدني و الأكاديميين الكُرد ،…

عزالدين ملا شهدت سوريا خلال العقد الماضي تحولات عميقة قلبت معالم المشهد السياسي والاجتماعي فيها رأساً على عقب، وأدت إلى تفكك بنية الدولة وفقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها. بعد سقوط النظام الذي حكم البلاد لعقود، توقّع الكثيرون بداية عهد جديد يعمه السلام والاستقرار، لكن سوريا دخلت في دوامة أعمق من الصراع، إذ تعقّدت الأزمة بشكل لم يسبق له…

عبدالرحمن كلو لم يكن مؤتمر قامشلو مجرّد لقاء عابر بين طرفين متخاصمين في الساحة الكوردية، بل كان خطوة نوعية تُلامس أفقًا سياسيًا أوسع بكثير من مجرد “اتفاق ثنائي”. فبرعاية أمريكية وفرنسية، وبإشراف مباشر من الرئيس مسعود البارزاني، تمكّن المؤتمر من جمع طيف متنوع من القوى، لا يقتصر على المجلس الوطني الكوردي أو الإدارة الذاتية، بل شمل شخصيات وطنية مستقلة،…

هولير (ولاتي مه) شفيق جانكير: بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقة موقع “ولاتي مه”، جرى في كافتيريا “أريزونا” بهولير (أربيل) تكريم الباحث والمحلل السياسي الأستاذ عماد باجلان. وجاء هذا التكريم تقديرا لدور باجلان البارز في الساحة الإعلامية والسياسية، وجهوده المتواصلة في الدفاع عن الحقوق والقضايا العادلة للشعب الكردي، ووقوفه في مواجهة الأصوات الشوفينية والعنصرية التي تحاول إنكار حقوق الكورد أو…