جعجعة في فناجين الإعلام الموجه

كفاح محمود

 

  ربما كانت الإذاعة الألمانية في عهد زعيم ألمانيا النازية، أدولف هتلر، هي النموذج الأول للضجيج الإعلامي وصناعة الأوهام، من خلال عمليات غسل الأدمغة وتسطيح الرأي العام، حيث تبلورت تلك الصناعة في مقولة وزير الدعاية النازية، جوزيف غوبلز: «اكذب حتى تصدق نفسك.» ومنذ ذلك الحين، تكاثرت «إذاعة برلين» في عواصم الشرق الأوسط، إذ وجدت بيضها مفرّخًا في شتى الأرجاء، بدءًا من أجداد نتنياهو الذين رفعوا شعار «إسرائيل من البحر إلى النهر»، وصولًا إلى أحمد سعيد، الذي لا يزال أحفاده يرمون إسرائيل في البحر، من سواحل غزة التي احترقت بشعارات الإعلام البائس.

  ولا يختلف الأمر كثيرًا عن الضجيج الإعلامي الذي صاحب حروب أنظمة الحكم في بغداد، حيث التصريحات النارية التي أطلقها مسؤولوها، وفي مقدمتهم كبيرهم الذي علمهم السحر، فتارة تخدير بوعود النصر، وتارة أخرى خطاب بدوي ملتهب يعد بحرق نصف إسرائيل، التي لم تغرق في بحر أحمد سعيد، ولا انتحر الأمريكيون عند أسوار بغداد، بل اخترقوا جدرانها واجتاحوا كل العراق!

  ويبدو، والله أعلم، أن هذا النوع من الإعلام ومروّجيه يتوالد ويتناسل من أصل واحد، أو متشابه حد التطابق في تركيب كروموسوماته وخلايا تفكيره وزوايا نظره، فقد كانت دمشق صورة مستنسخة من بغداد في إعلامها التهريجي، حينما هدد «أسدها» العالم بزلزال يحرق الشرق الأوسط إن سقط نظامه، لكنه رحل من قفص الوطن، ولم يكن هناك زلزال سوى في أوهامه.

  واليوم، رغم النكبات والكوارث التي ضربت بغداد ودمشق وطرابلس الغرب وصنعاء وغزة وجنوب لبنان، ما زالت جعجعة الإعلام الذي سيطرت عليه ميليشيات تستخدم الدين والطائفة معبرا ونفقا لفسادها المالي، تلك الجعجعة التي تصدع الآذان بشعاراتها وضجيجها، في الوقت الذي تشهد بأم عينها تهاوي هياكلها منظماتها واحزابها وزعمائها وكهنتها، واحد تلو الآخر، من الذين دمروا بلدانهم وأفقروا شعوبهم بعد أن خدروها بشعارات الوهم والخرافة المستوردة من معبد آمون لإبعاد النيران عن حافات معبده!

  الأيام القادمة حبلى بالأحداث، لكن المؤكد أن الشعارات الذي طالما كانت سلاحهم في تغييب وعي الناس عبر منظومة دعائية وقنوات فضائية، لن تحرق إلا أنظمتهم، تمامًا كما حصل في دمشق ولبنان وغزة واليمن، وخلاصة القول ان جعجعة فناجين الإعلام الزائف قد تصنع ضجيجا ووهجًا مؤقتًا يُطرب اصحابه، لكنه لن يغير الحقائق، ولن يوقف عجلة التاريخ التي لا ترحم السائرين عكس اتجاهها.

==========

الزمان

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…