شكري بكر
إذا أردنا التعمق في تصريحات مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية معًا، نستنتج الكلمات التالية: نفاقٌ لا بعده نفاق، وتفرّدٌ لا بعده تفرّد عن السرب الكردي. وإن دلَّ هذا التفرّد على شيء، فإنما يدل على أنه لا علاقة له بالقضية الكردية، لا من قريب ولا من بعيد.
من جهتها، صرّحت مجلس سوريا الديمقراطية، وهي المظلّة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، بأن رئيس المرحلة الانتقالية يكرّر ما كان يفعله رئيس النظام السابق، بشار الأسد، مضيفةً أن دستور المرحلة الانتقالية غير شرعي ولا يتوافق مع اتفاقية الشرع وقائد قسد. وأوضحت أن إبراز الشريعة الإسلامية في إدارة الدولة يأخذ البلاد نحو الفوضى.
أما من ناحيتها، فقد انتقدت الإدارة الذاتية الإعلان الدستوري، معتبرةً أنه يتنافى مع تنوع سوريا ويضم بنودًا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث. وأضافت أن الإعلان الدستوري يخلو من مكوناتها المختلفة، من الكرد وحتى العرب، مشيرةً إلى أنه يتضمّن بنودًا ونمطًا تقليديًا يتشابه مع المعايير والمقاييس التي تتّبعها حكومة البعث، التي حكمت البلاد لعقود.
هنا نسأل: ما المخفي والمعلن لدى مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية؟
في الحقيقة، لا يوجد شيء مخفي، فالأمر معلن تمامًا. مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية يعملان على المكشوف، كونهما يشكّلان قوة على الأرض، وعلى هذا الأساس يتعامل معهما المجتمعان الإقليمي والدولي، لاستخدامهما في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منذ أكثر من اثني عشر عامًا.
ويمكننا القول إن ما بُني على خطأ فهو خطأ، مهما كانت المآلات والنتائج والظروف.
إن الغرور والأنانية وضيق الأفق الحزبي هي الأسباب المباشرة وراء تفرّد الأجندات السياسية والعسكرية عن سرب أبناء جلدتها. وهذا كان السبب في ذهاب قائد قسد، مظلوم عبدي، إلى دمشق على متن طائرة أمريكية للاجتماع برئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، والتوقيع على اتفاقية مكوّنة من عشرة بنود، حيث تم نشر ثمانية منها، مع الاحتفاظ بالبندين الأخيرين.
أعتقد أن البند الأول يتعلق بسجناء داعش في السجون الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية، بينما يتعلق الثاني بآلية دمج قوات قسد في الجيش السوري الجديد أو المستقبلي.
إن البحث عن موطئ قدم في النظام السوري القادم دون الأخذ برأي القوى السياسية والشعب الكردي هو النفاق بعينه.
أتمنى أن يكون الاتفاق الذي أبرمه مظلوم عبدي مع الشرع متعلقًا فقط بالجوانب العسكرية حول مصير قوات قسد غير الكردية، لدمجها في الجيش السوري الجديد. فلا يجوز، ولا يصح، لضابط أن يبرم أي اتفاق مع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا المستقبل، لأن الاتفاقات السياسية هي من حق السياسيين، وأي اتفاق من هذا القبيل يُعتبر غير شرعي.
قبل الدخول في أي حوار مع أي خصم، يجب أن أعي مدى امتلاك هذا الخصم لنوايا حسنة تجاه الآخر المختلف قوميًا ودينيًا ومذهبيًا وطائفيًا. فالسؤال الأهم: هل يقبل بإقامة دولة تقوم على شراكة حقيقية، أم يسعى إلى فرض سلطة الأمر الواقع؟
لذا، يمكن القول إن أي انطلاقة بعيدة عن الأجندات السياسية والمجتمعية هي دليل على الأنانية وضيق الأفق الحزبي، وتفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وطنيًا وقوميًا.
وهذا ما يدفعني إلى القول إن ما يدور في الساحة السياسية الكردية في سوريا هو انقلاب على أمرين مهمين:
- تمييع النضال السياسي الكردي في سوريا عبر الفشل في إقامة قائد رمز للحركة السياسية الكردية في سوريا.
- الفشل في انعقاد المؤتمر القومي الكردي الشامل في سوريا، مما يحول دون تحقيق تمثيل كردي موحّد، ووضع مطالب الشعب الكردي في إطار واضح يضمن له حق تقرير المصير.
وإيمانًا مني بعدالة القضية الكردية، أود الإشارة إلى فقرة وردت في تصريح الإدارة الذاتية، جاء فيها:
“إن الإعلان الدستوري يخلو من مكوناتها المختلفة، من الكرد وحتى العرب.”
بمعنى أن الإعلان الدستوري قد تخلّى عن المكوّن العربي أيضًا. فهل يكفيهم بقاء اسم الدولة الجمهورية العربية السورية؟ وهل يكفيهم اشتراط أن يكون دين الرئيس هو الإسلام؟
أليس هذا نفاقًا وانتهازيةً واستغلالًا للفرص؟ أليس ضيق الأفق الحزبي ووضع المصلحة الخاصة فوق المصلحة العامة هو ما يقود إلى التفرد عن سرب أبناء الجلدة؟ أليس هذا تلاعبًا بمصير الشعب الكردي في سوريا؟