توصية إلى الإخوة في المجلس الوطني الكوردي: الثقة بالذات مفتاح القوة، فلا تطرحوا مطالبكم بتذلل

د. محمود عباس
اثنا عشر عامًا والمجلس الوطني الكوردي يلهث خلف المعارضة السورية، متنقلًا بين مراحلها وتحولاتها، دون أن يتمكن من فرض ذاته أو إقناع الطرف الآخر بقبول مطالبه. بل ظل يُساوِم تحت ذريعة دخول المحافل الدولية، في موقف يعكس حالة من انعدام الثقة والقدرة على مخاطبة العالم من منطلق قوة تستمد من الجماهير الكوردية. حتى عندما تحوّل الائتلاف وهيئة التفاوض من معارضة وطنية إلى مرتزقة في خدمة أجندات خارجية، لم يتخذ المجلس الوطني الكوردي موقفًا حاسمًا، وظل صامتًا عن انتهاكاتها، خصوصًا في عفرين. رغم كل المطالبات من الحراك الثقافي الكوردي باتخاذ موقف واضح، استمرّ المجلس على ذات النهج، متجاهلًا حقيقة أن هذا التردد قد أفقده جزءًا واسعًا من الشارع الكوردي.
واليوم، نجد شخصيات من نفس القيادة تُكرر الخطأ، لكن هذه المرة بأسلوب أكثر إذلالًا، وهي تحاور ممثل بسيط ومؤقت عن حكومة هيئة تحرير الشام بطريقة لا تليق بمكانة الكورد السياسية والتاريخية. بدلًا من العمل على توحيد الصف الكوردي وفرض أجندة واضحة، يتجاوزون الأطراف الكوردية الأخرى، وبها يوسعون شرخ الخلافات الداخلية، ويتفاوضون مع رئيس لجنة تحضير مؤتمر الحوار الوطني السوري (حسن الدغيم) وهو شخص عُرف بعدائه للكورد قبل أيام فقط، بل ويعرضون له نضال المجلس وكأنهم يستجدون الاعتراف به، لا كطرف فاعل، بل كمجرد تابع يبحث عن رضا الآخرين.
ألم يكن الأجدر بهم أن يتفاوضوا على مستوى أعلى، مع أحد أركان الحكومة الانتقالية، بدلًا من تقديم أنفسهم بهذه الصورة الهزيلة؟ هل الغاية من هذا التفاوض مجرد البحث عن منصب، ربما حقيبة وزارية في الحكومة الانتقالية المرتقبة تشكيلها مع بداية شهر آذار؟
لكن الأمر الأكثر غرابة، والذي يعكس مدى الضعف السياسي والتخبط، هو أن وفد المجلس الوطني الكوردي ذهب ليشرح نضاله في المعارضة لرجل لم يكن بحاجة إلى تذكيره، بل لم يكن حتى معنيًا بذلك. كانت لغتهم أشبه بلغة تبرير واستجداء، تذكرني بتلك الحوارات التي كنا نجريها في السبعينات والثمانينات مع السياسيين الغربيين لتعريفهم بالقضية الكوردية. لكن، ألم يكن المجلس الوطني الكوردي طرفًا رئيسيًا في المعارضة؟ أليس من المفترض أن يكون معروفًا لكل القوى السورية، سواء النظام أو المعارضة، بل وحتى للدول الفاعلة في الملف السوري؟
(” #المجلس الوطني الكوردي في دمشق 16/2/2025
استعرضنا للأخ حسن الدغيم دور المجلس والتضحيات التي قدمها وانخراطه في الثورة منذ البداية ورفضها كل محاولات النظام بتحييد المجلس والكرد
وقدم المجلس في سبيل ذلك الكثير من التضحيات
واكدنا له ان المجلس يمثل اغلبيه الشعب الكردي واننا لسنا شركاء الإدارة القائمة وضرورة اشراك المجلس في كافة مسارات العملية السياسية الانتقالية”…)
يا للأسف! يلتقي ممثل هيئة تحرير الشام بوفد المجلس، وكأنه لم يسمع بهم من قبل، وكأن المجلس لم يكن له وجود في المشهد السياسي السوري. هذا ليس مجرد ضعف تكتيكي، بل سقوط مدوٍ في فخ السياسة المهترئة التي تدار بسذاجة وانهزامية. إن الكورد، بتاريخهم ونضالهم، ليسوا بحاجة إلى التذلل أو التوسل للحصول على مقعد في طاولة سياسية يُعاد تشكيلها وفق مصالح إقليمية ودولية.
التوصية هنا واضحة: يجب على المجلس الوطني الكوردي أن يثق بذاته وبقدرة الحراك الكوردي على فرض نفسه كقوة سياسية قائمة بذاتها، بدلًا من الظهور بموقف ضعيف في مواجهة الجهات التي لا تزال تتعامل مع الكورد كمجرد أداة تفاوضية. اليوم، الكورد قوة مدعومة من التحالف الدولي والولايات المتحدة، وقضيتهم تُطرح على أعلى المستويات الدولية، كما أكد ذلك الرئيس الفرنسي قبل يومين. لذا، ارتقوا إلى هذا المستوى، ولو قليلًا. قوة الكورد لا تأتي من استجداء الاعتراف، بل من فرض الإرادة والمطالب كأمر واقع، عبر موقف سياسي قوي، وعلاقات قائمة على الندية، وليس التبعية. فلا كرامة لشعب يطلب حقوقه بالتذلل.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
16/2/2025م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…