مقدمة…
الإعلان الدستوري الصادر مؤخرًا عن سلطة الأمر الواقع في سوريا يفتقر إلى الشرعية الدستورية والقانونية، حيث لم يصدر عن مؤسسات دستورية منتخبة ومعترف بها، بل جاء نتيجة تعيين فصائلي فرض سلطة غير شرعية على الدولة. إن الرئيس الذي أصدر هذا الإعلان لم يُنتخب من قبل الشعب، بل تم فرضه من قبل مجموعة من الفصائل، كما أنه مطلوب دوليًا بتهم تتعلق بالإرهاب، مما يفقد قراراته أي مشروعية قانونية أو سياسية. وبناءً عليه، فإن جميع الإجراءات والقرارات الصادرة عنه تعد باطلة، لأن ما بُني على باطل فهو باطل.
الملاحظات الجوهرية على الإعلان الدستوري
1- افتقار الإعلان الدستوري للشرعية
- لا يمتلك الرئيس سلطة تعيين لجنة لصياغة إعلان دستوري، إذ يجب أن يتم ذلك عبر آليات ديمقراطية حقيقية بمشاركة كافة مكونات الشعب.
- لا يحق له تعيين أعضاء مجلس الشعب، لأن النظام الديمقراطي يقوم على مبدأ خضوع الرئيس للسلطة التشريعية وليس العكس.
- في الأنظمة الديمقراطية، تخضع جميع السلطات، بما في ذلك التنفيذية، لإشراف البرلمان والسلطة التشريعية، التي تمتلك صلاحيات الرقابة والمحاسبة.
2- التراجع مقارنة بالدساتير السورية السابقة
- يتبنى الإعلان اسم “الجمهورية العربية السورية”، وبذلك يفرض توجهًا أيديولوجيًا لا يعكس التنوع السوري القائم . واتجاهل اسم الجمهورية السورية التي نص عليها الدساتير السورية السابقة . والتي صدرت بطرق شرعية وقانونية
- النص على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام، وجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، يمثل فرضًا لرؤية غير توافقية على جميع مكونات المجتمع، رغم أن الدساتير السورية السابقة اعتبرت التشريع الإسلامي أحد مصادر التشريع وليس المصدر الوحيد.
- لم يحدد الإعلان صلاحيات مجلس القضاء الأعلى بوضوح، مما يفتح المجال للتأويلات والانتهاكات، ويحد من استقلالية السلطة القضائية.
- منح رئيس الجمهورية سلطات واسعة على حساب باقي السلطات، مما يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات، وهو أساس أي نظام ديمقراطي.
3- مخالفة الإعلان للمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان
- لا يعترف الإعلان بحقوق كافة مكونات المجتمع السوري، مما يجعله إقصائيًا وغير ممثل لجميع فئاته.
- آلية تشكيل اللجنة الدستورية وأسلوب إعلانها يذكران بالأحكام العرفية التي كانت سائدة في سوريا سابقًا، مما يعكس نزعة استبدادية جديدة بدلاً من تحقيق إصلاح حقيقي.
- يغفل الإعلان مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، حيث لا يضمن الحريات الأساسية ولا يعترف بالمساواة بين المواطنين، بل يعزز توجهًا سلطويًا يقوض أسس الديمقراطية.
التجربة الدستورية السورية ومقارنة تاريخية
- في عام 1950، تم وضع دستور الاستقلال عبر جمعية تأسيسية منتخبة، ضمت 144 عضوًا يمثلون مختلف القوى والأحزاب السورية، وترأسها الدكتور ناظم القدسي، فيما كان السيد عبدالوهاب حومد مقررًا لها.
- عُقدت الجمعية التأسيسية 62 جلسة على مدى تسعة أشهر، وتم بعد ذلك تشكيل جمعية تأسيسية أخرى عبر انتخابات نزيهة، ضمت 290 عضوًا قاموا بتنقيح الدستور.
- شارك في صياغة دستور 1950 نخبة من رجال الفكر والثقافة والسياسة، وحظي بمتابعة الصحافة التي أجرت مقابلات مع كبار رجال الإعلام مثل نجيب الريس وغيرهم من المؤسسات الاعلامية.
- استندت مناقشات الجمعية التأسيسية إلى مراجعة دساتير أوروبية عديدة، مما ساهم في صياغة دستور حديث آنذاك، وكان من أوائل الدساتير العربية التي منحت المرأة حق الاقتراع، متقدمًا في ذلك حتى على دول أوروبية مثل سويسرا واليونان.
الخلاصة
الإعلان الدستوري الصادر عن سلطة الأمر الواقع لا يمثل خطوة نحو الديمقراطية، بل هو محاولة لفرض سلطة غير شرعية بأسلوب لا يختلف عن النهج الاستبدادي السابق. إن أي دستور يجب أن يكون نابعًا من إرادة الشعب، ويعكس التعددية، ويحترم مبادئ حقوق الإنسان والشرعية الدولية، وهو ما يفتقر إليه هذا الإعلان بشكل واضح.
كما أن استمرار تجاهل إرادة السوريين الداخلية، ومحاولة فرض شرعية تستند فقط إلى الاعتراف الخارجي، لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام داخل المجتمع السوري. وعليه، فإن سلطة الأمر الواقع تتحمل المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات سياسية أو اجتماعية قد تنتج عن هذا الإعلان غير الشرعي.
اللجنة القانونية .
في اللقاء الوطني الديمقراطي في سوريا
15 آذار 2025