تعرية الواقع الصيني من الداخل

إبراهيم البليهي

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة العالمية فبات العالم يتطلع إلى الصين لتملأ الفراغ وتحقق التوازن ……

لذلك باتت المكتبة العالمية تستقبل فيضًا من الكتب التي تتحدث عن النمو السريع للصين وتشيد بقفزاتها الظافرة في مختلف المجالات ….

ورغم أن أمريكا تحاول عرقلة النمو الصيني وتحشد العالم الغربي للتضافر من أجل حجب المعرفة عن الصين خصوصا في مجال الذكاء الاصطناعي وسر تقنية أشباه الموصلات لكن هذا الحجب يضاعف طاقة الصين ويتيح لها أن تحقق اختراقات عظيمة …..

لكن هذه الصورة المشرقة تبهت وتنكمش وتتضاءل حين يكشف مبدعٌ صيني الواقع المظلم من داخله فيُعَرِّي الحقيقة البائسة التي تحجبها قوة وكثافة الأضواء الباهرة …..

يقول يو هوا: ((المنتجات المغشوشة تُعَدُّ بمنزلة أسطورة الدولة الصينية)) فالتنمية الصينية تقوم على محاكاة إنتاج الآخرين وتقليده ومثلما يقول يو هوا: ((ويمكن أن تتحلى دولة المحاكاة والتقليد بالزيف والغش والأذى وعدم وجود المعايير والمقاييس النموذجية)) ويقول: ((إن أسباب ظهور ظاهرة المحاكاة والانتحال والزيف قد هبَّتْ هبوب العاصفة وتدافعت تدافُع الغيوم)) ويقول: ((إن الأوضاع الحياتية الاجتماعية في الصين اليوم سمجة شكلا ولونًا حيث يوجد في الشيء الواحد: الجمال والقبح والتقدم والتخلف والصرامة والفوضى وظاهرة المحاكاة والانتحال)) حتى الأعمال الإبداعية يجري انتحالها فليس غريبا أن يجد أحدُ المبدعين إبداعه يحمل اسمًا آخر لا يعرفه …….

وحين يسود التقليد والمحاكاة والانتحال والزيف تفقد الحقيقة صلابتها ويتم التجاهل لكل المعايير …….

وهكذا بينما كانت الكتب الكثيرة تتحدث بإعجاب شديد عن القفزات الصينية؛ يفاجئ المبدع الصيني يو هوا القراء في مختلف بلدان العالم برواياته التي تكشف عن الخلل العميق الذي عاشته الصين خصوصا خلال فترة ماو تسي تونغ ثم يكشف بكتابه (الصين في عشر كلمات) الثغرات العميقة في مسيرة التنمية الصينية …..

يتحدث المؤلف فيكشف الحقيقة البائسة إنه يتحدث من الداخل فيكشف الواقع عن معايشة مباشرة إنه يعرف تفاصيل الواقع الصيني من خلال الخبرة المباشرة؛ يكاد يو هوا يمزق الصورة الوضيئة المبهجة ويُحِل محلها صورة معتمة وكئيبة ….

الكتاب يلخص التجربة الصينية خلال القرن العشرين وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إنه يقدم رؤية موضوعية عن حقيقة ما جرى في الصين خلال حياة ماو تسي تونغ ثم يتناول فترة اكسياو بينج وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين …..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…