بيان للحقيقة من مثقفين وسياسيين علويين.

الدعوة إلى الاستفتاء وتقرير المصير، ونداء لمعالجة وطنية فورية للجرح “العلوي” النازف الآن في الساحل السوري وحمص..

انطلاقًا من التزامنا الثابت بوحدة سوريا وسيادتها، وتمسكنا بمشروع الدولة الوطنية المدنية العادلة، وخشيتنا على مآل المرحلة الانتقالية الآمنة لكل الوطن السوري، نطلقُ نحن، مجموعة من الناشطين والمثقفين والسياسيين من أبناء الطائفة العلوية بالنسب والولادة، ومن أبناء الوطن السوري بالانتساب والولاء والهوية، هذا البيان..

لطالما كنا نفضل أن نصدر خطاباتنا ومواقفنا وأفعالنا تحت عنوان المواطنة السورية فقط، غير أن حساسية هذه اللحظة ومخاطرها البالغة، وشعورنا بضرورة تحمل المسؤوليات التاريخية من دون مواربة أو تعالٍ على الواقع المعقد أو طهرانية كاذبة، مع تأكيدنا عدم ادعاء تمثيل “الطائفة”، بقدر ما نمثل خطاً وطنياً كبيراً فيها يدافع عن مشروع بناء الدولة، كل ذلك فرض علينا مقاربة شفافة حاسمة نعلن عبرها الآتي:

رفضنا القاطع لما ورد في بيان الأستاذ عيسى إبراهيم من دعوة إلى تشكيل لجنة دولية لإجراء استفتاء على تقرير مصير الساحل السوري، وهي دعوة نراها تقويضًا صريحًا لوحدة الدولة السورية، وتهديدًا خطيرًا للبنية الوطنية الجامعة، ومخالفةً لمبدأ السيادة الوطنية، وخروجًا على مفهوم المواطنة المتساوية الذي نناضل جميعًا من أجله.

كما نستهجن ما صدر عن بعض الشخصيات الدينية من مطالبات بإصدار عفو عام، تُغفل بشكل فجّ حق الضحايا في العدالة والمحاسبة، وتُمثل تجاوزًا خطيرًا على صلاحيات الدولة ومؤسساتها القضائية، وتُكرّس خلطًا مرفوضًا بين المجال الديني والسياسي. إن هذه المطالبات، وإن تراجعت عنها بعض الجهات لاحقًا، فإنها صدرت بإيعاز من قوى معزولة عن الواقع الوطني، وغير معنية بحساسية المرحلة، ولا بمعاناة السوريين الذين دفعوا أثمانًا باهظة من دمائهم وكرامتهم.

ونرفض كذلك دعوات صادرة عن أفراد لهم مطامعهم الشخصية أو أدوارهم التي لا تعنيها أوجاع الناس ومصالحهم الحقيقية،  حيث استغلوا موقعهم الديني أو الاجتماعي للتلاعب بمصير بيئاتهم القلقة بعد سقوط النظام البائد للمطالبة بحماية أجنبية، سواء فرنسية أو إسرائيلية، وهي طروحات خطيرة تمسّ بالسيادة السورية، وتُغذي سرديات استعمارية وتقسيمية بالية لم يتوقف توظيفها واستثمارها المشبوه منذ عقود.

إن التلويح بمثل هذه الطروحات يُقدّم ذرائع جاهزة لمشاريع دولية وإقليمية تسعى لإعادة إنتاج خرائط تفتيتية في المنطقة، ويُوظّف معاناة مجموعات وطنية بعينها لتفخيخ مسار التحول السياسي المنتظر.

لقد تعرّض أبناء الطائفة العلوية، خلال الأشهر الماضية، لانتهاكات جسيمة طالت حياتهم ومعيشتهم وكرامتهم، شملت الاعتقال التعسفي والخطف والقتل والحصار والتجويع، إضافة إلى تسريح تعسفي لأكثر من خمسة عشر ألف موظف، دون أي تعويض أو حماية اجتماعية.

إننا لا نبرر أي تمرد أو خروج على مشروع الدولة قيد البناء، ولكننا نُذكّر بأن السياسات الإقصائية، والتمييز القائم على الهوية، والحرمان شبه الممنهج، كانت جميعها عوامل دفعت بعض الفئات المحاصَرة نحو خيارات مأزومة، اعتُبرت خطأً مخرجًا مؤقتًا من الجوع والإهانة.

إن محاولات قوى هامشية استغلال هذا الظرف الإنساني الصعب لتمرير أجندات انفصالية أو فدرالية على أسس طائفية تمثّل خيانة لمبادئ الدولة الوطنية، وتُكرّس سردية (المكوّنات أو الجماعات الاهلية) على حساب وحدة المجتمع السوري. ولهذا نؤكد أن الطائفة العلوية ليست مشروعًا انعزاليًا، بل هي جزء أصيل من النسيج الوطني، وتاريخها السياسي والثقافي يؤكد تمسّكها المستمر بفكرة الدولة الجامعة لا الكيان الجزئي.

لكننا نذكر أن العصابة البائدة قد عملت على نحو منهجي طوال عقود طويلة على تفكيك بنية الطائفة العلوية لسلب إرادتها، وتزييف تمثيلها، فلا وجود لمجتمع مدني أو أهلي متماسك عندها، أو منظمات مجتمع مدني عاملة وفاعلة كما في المناطق السورية الأخرى، فالعلويون في واقع الحال، ليس لديهم سوى مرجعية واحدة هي الدولة وسياساتها وقراراتها، ويحتاجون إلى احتضانها لهم معيشياً ومؤسساتياً، فحفظ كرامتهم ومستقبل أبنائهم هو من حفظ كرامة الوطن السوري كله.

وعليه، فإننا نطالب القيادة السورية الانتقالية، والمؤسسات المنبثقة عن المرحلة السياسية الراهنة، بما يلي:

 

  1. إعلان الساحل السوري، وخاصة مناطقه الريفية، منطقة منكوبة، تستدعي استجابة إنسانية عاجلة من الدولة وشركائها الدوليين.
  2. الوقف الفوري لكافة أشكال التمييز والاضطهاد والإقصاء على خلفية الانتماء، واتخاذ تدابير إنصاف شاملة، تشمل إعادة النظر في الوضع المعيشي لعائلات المفصولين من أعمالهم.
  3. سحب المجموعات المسلحة غير المنضبطة من كامل مناطق الساحل، وتكليف مؤسسات أمنية رسمية منضبطة بحماية السكان ضمن إطار القانون وتحت رقابة مدنية، وبمشاركة محلية وأهلية حقيقية بالتنسيق مع الجهات المسؤولة.
  4. إطلاق مسار عدالة انتقالية وطني، مستقل وشامل، يُنصف جميع الضحايا، ويُحاسب كل من تورّط في جرائم ضد السوريين منذ بدء الثورة السورية، بغض النظر عن موقعه أو انتمائه، ومحاسبة المتورطين في جرائم الساحل محاسبة فورية وشفافة وعادلة.
  5. إصدار موقف ديني وطني واضح من أعلى المرجعيات الدينية في الجمهورية، يُدين استهداف أي جماعة اهلية سورية( طائفة أو اثنية )، ويحرّم التحريض الطائفي والعرقي والعنصري ويجرّمه.

نؤكد أن مشروعنا هو دولة المواطنة المتساوية، لا دولة الطوائف أو الأقليات أو الأكثريات. دولة تضمن الحقوق على قاعدة الفرد لا الجماعة، وترتكز إلى دستور مدني، وقضاء مستقل، وعدالة شاملة، وسلطة خاضعة للمساءلة. ونرفض بالمطلق أي حلول تقوم على تقاسم السلطة على أساس المحاصصات الطائفية أو الهويات ما قبل الوطنية.

ختامًا، نوجه دعوة لكل سوري وسورية، ممن يؤمنون بسوريا دولة مدنية عادلة، إلى الانضمام لهذا الموقف، وتأكيد التزامنا المشترك بأن الخلاص لن يكون إلا سوريًا، ووطنيًا، وجامعًا.

عاشت سورية حرة أبية

التوقيع

محمد صالح.

توفيق دنيا

سمير سليمان

فراس سعد

نزير دنيا

ندى العلي

 ابراهيم شاهين

سامر عساف

دريد جبور

بسام جوهر

معين حيدر

رباب هلال

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ألبيرتو نيغري النقل عن الفرنسية: إبراهيم محمود ” تاريخ نشر المقال يرجع إلى ست سنوات، لكن محتواه يظهِر إلى أي مدى يعاصرنا، ككرد، أي ما أشبه اليوم بالأمس، إذا كان المعنيون الكرد ” الكرد ” لديهم حس بالزمن، ووعي بمستجداته، ليحسنوا التحرك بين أمسهم وغدهم، والنظر في صورتهم في حاضرهم ” المترجم   يتغير العالم من وقت لآخر: في…

شادي حاجي مبارك نجاح كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روژآڤاي كردستان في قامشلو ٢٦ نيسان ٢٠٢٥ الذي جاء نتيجة اتفاقية بين المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) واتحاد الأحزاب الوطنية (PYNK) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي بعد مفاوضات طويلة ومضنية على مدى سنوات بمبادرات وضغوط كردستانية واقليمية ودولية وشعبية كثيرة بتصديق وإقرار الحركة الكردية في سوريا بمعظم أحزابها ومنظماتها الثقافية…

د. محمود عباس   إلى كافة الإخوة والأخوات، من قادة الحراك الكوردي والكوردستاني، وأعضاء الكونفرانس الوطني الكوردي، والضيوف الكرام، وإلى كل من ساهم وشارك ودعم في إنجاح هذا الحدث الكوردستاني الكبير. أتوجه إليكم جميعًا بأسمى آيات الشكر والتقدير، معبّرًا عن فخري واعتزازي بما حققتموه عبر انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي في مدينة قامشلو بتاريخ 26 نيسان 2025. لقد كان هذا الكونفرانس…

أثمرت إرادة الشعب الكردي في سوريا، الذي لطالما تطلّع إلى وحدة الصف والموقف الكردي، عن عقد الكونفرانس الذي أقرّ وثيقة الرؤية الكردية المشتركة لحل القضية الكردية في سوريا، بإجماع الأحزاب الكردية، ومنظمات المجتمع المدني، والفعاليات المجتمعية المستقلة من مختلف المناطق الكردية وعموم سوريا. ويجدر بالذكر أن هذا الإنجاز تحقق بمبادرة من فخامة الرئيس مسعود بارزاني، وبالتعاون مع الأخ الجنرال مظلوم…