النوروز في كردستان: إحياء للقضية والروح القومية

رستم محمود

يتطرق مختلف الساسة في إقليم كردستان خلال احتفالية هذا العام إلى المشكلات العالقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، بالذات في ملفات تأخير إرسال حصة الإقليم من الموازنة العامة.

يحتفي إقليم كردستان بـ”عيد النوروز” في الحادي والعشرين من آذار/مارس من كُل عام، ويُعد “رأس السنة الكردية”. وكانت حكومة الإقليم أقرت عطلة رسمية لمدة ثلاثة أيام ليتفرغ العاملون لإحياء المناسبة، فيما بدأت وسائل الإعلام والجهات الفنية والشعبية الاحتفالات منذ مطلع الأسبوع. 

تبدأ مراسم الاحتفال الرسمية عادة بإيقاد عدد من المشاعل في أعلى جبال بلدة آكري (عقرة)، كونها العاصمة التاريخية لإمارة “بهدنيان” الكردية في ليلة 20-21 آذار، وتساوي أعداد المشاعل عادة رقم “السنة الكُردية”، وهذا العام هو 2724. ثم تبدأ كل المُدن والبلدات والقُرى في مختلف أنحاء كردستان إيقاد المشاعل وعقد حلقات الدبكة والأناشيد القومية حولها. وفي اليوم التالي، يخرج المحتفلون إلى الطبيعة لأيام عدة، تعقد خلالها الاحتفالات حول المسارح التي تُعدها الفرق المسرحية والغنائية. 

 وكانت الأنظمة السياسية التي حكمت العراق قبل عام 2003 منعت الاحتفال بـ”النوروز” أو ضيقت عليه، فاحتفل به المجتمع الكُردي سراً، وأصبح بالتقادم مناسبة استثنائية لاستعادة الروح القومية الكردية وتنشيطها. فكل النشاطات الفنية والسياسية والثقافية التي تُعقد في هذه المناسبة، من مسرحيات وأغانٍ وخطابات ورقصات وشعارات، تكون في العادة محملة بطاقة إحياء للمسألة الكُردية، وإعادة التأكيد على الهوية المشتركة والحقوق السياسية الكُردية في العراق ومختلف دول المنطقة. وفي العادة، تستخدم الأحزاب والتيارات السياسية الكردية ذلك ضمن برامجها السياسية السنوية. 

تشرح الباحثة في علم الاجتماع السياسي نورة خاني لـ “النهار” ما سمته “طاقة الإيقاظ” التي تملكها احتفالية “النوروز”، وفاعليتها في الذات الجمعية الكردية، بقولها: “مثل غيرهم من الجماعات القومية والسياسية، يستخدم الكُرد النوروز مناسبةً وظيفية للتحشيد، لأنهم كشعب وذاكرة جمعية يفتقدون الطقوس الدينية الخاصة بهم، أو المناسبات القومية الكبرى. فالأكراد لم يكونوا شعباً له بنية إمبراطورية أو صاحب ديانة خاصة. لأجل ذلك، بقيت هذه المناسبة المستمدة من تراثهم الحكائي والمثيولوجي والغنائي الشعبي الأكثر قابلية لإعادة تشييد الذات الجمعية. تعزز الأمر مع زيادة وتيرة المنع والقمع لها، بالذات في العراق، حيث كان الشاعر القومي الكردي الشهير “بيرامرد” أول من تصادم مع السُلطات المحلية في ثلاثينيات القرن الماضي في مدينة السليمانية، وصار النوروز منذ ذلك الحين رمزاً لمواجهة المجتمعات الكردية أجهزة القمع”. 

وتتخذ المناسبة طابعاً احتفالياً في العموم، إذ تزدان الأسواق والمتنزهات والساحات العامة في مختلف مناطق كردستان، ويحضر الآلاف من المغتربين الأكراد لمشاركة ذويهم في الاحتفال، فيما تتكثف البرامج الفنية والغنائية على شاشات التلفزيون الوطنية والمؤسسات الثقافية والفنية، ويرتدي الموظفون العامون والطلبة وأغلب الطبقات الاجتماعية الأزياء التقليدية الكردية المزركشة، لكن الطابع السياسي يبقى حاضراً على الدوام في كل تفصيل. 

ويتطرق معظم الساسة في إقليم كردستان خلال احتفالية هذا العام إلى المشكلات العالقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، بالذات في ملفات تأخير إرسال حصة الإقليم من الموازنة العامة والمناطق المتنازع عليها وإنكار دور الكرد في الجهد الأمني وملف النفط والغاز الخاص بالإقليم، إضافة إلى المشاكل الأمنية والسياسية مع دول الجوار، بالذات تركيا وإيران. 

إضافة إلى الإقليم، تُنسق المؤسسات في كردستان مع اتحاد الجاليات الكردية في مختلف دول العالم، لإعداد الاحتفالات بهذه المناسبة، خصوصاً في الدول الأوروبية والإقليمية، وتطرح عادة الخطابات نفسها. 

=================

المصدر: جريدة (النهار)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

حسن صالح   البارحة ٢٣آذار حضرت ندوة للدكتور زيدون الزعبي، على مدرج جامعة روج آفا بقامشلو ، بدعوة من شبكة الصحفيين الكرد السوريين. عنوان المحاضرة: الهوية الكردية في الإعلان الدستوري السوري. أقر الدكتور زيدون بأن الإعلان لا يلبي طموحات الشعب الكردي وبقية المكونات، لكنه إنتقالي ويمكن للمعارضين أن يشاركوا في لجنة إعداد الدستور الدائم لتلافي النواقص. وكانت لي المداخلة التالية…

خالد حسو اقول بكل صدق وصراحة أكن لكل السوريين بكافة قومياتهم وأديانهم، المحبة والأمن والأمان والسلام والطمأنينة. وكذلك تقديري العميق واحترامي الشديد للمشاعر الصادقة ولبعض الشعارات ، على سبيل المثال ( الشعب السوري واحد واحد واحد ) ( عربي كوردي درزي علوي واحد ) ( مسلم مسيحي واحد)، مثل هذه الشعارات تتجاهل سواء بقصد أو غير قصد الديانة…

نارين عمر   كثر الحديث عن احتفال نوروژ، نوروز 2725 الكردي 2025 الميلادي في مدينة كولن بألمانيا الاتحادية سواء بالسلب أو بالإيجاب، ولكن الأهم عندنا هو التّركيز على النّواحي الإيجابية وتحديداً المتعلّقة منها بمواقف شعبنا الكردي النيّرة وتصرّفهم الرّاقي والحضاري الذي أكّد للألمان وللشّعوب الأخرى بأنّنا شعب نستحق الحرّية والحياة الكريمة باسترجاع أرضنا وحقوقنا. أجمع شعبنا الذين تجمّعوا بالآلاف وأكّدوا…

عندما أتذكّر انتفاضة قامشلي؛ فإنّني أتذكّر فلذة كبدي، ولدي أنس، وتدور في ذاكرتي عشرات الأحداث التي مرّ بها في حياته العملية والاجتماعية، كان أنس طيب الخلق، رقيق القلب، رحيماً، حنوناً، ويحترم الصغير والكبير، كان جريئاً وصلباً لا يهاب الموت في سبيل قضيّته الكردية، وكان له الحصّة الأكبر في أرشفة الأفلام الوثائقية في استوديو درويش ومكتب الحزب “التّقدميّ” (البيشفرو) والاحتفاظ بها…..